حبوب الحب ضرورية لإنقاذ العالم

حضر الأميركان بقوة في الشر بكل أصنافه وغابوا عن الخير وغيبوه من غير أن يعتذروا بكلمة واحدة.

لا يتابع العلماء في مختبراتهم أخبار الحرب. افترض أن حجم الكراهية التي تشيعها تلك الأخبار سيقف ما بين أولئك العلماء وبين قدرتهم على التفكير. سيمنعهم من التفكير. غير أن فكرة أن تكون هناك حبوب للحب قد تدفع مصانع الأدوية إلى توجيه علمائها إلى العمل على ابتكار ذلك النوع من الحبوب مثلما دفعتهم في أوقات سابقة إلى إبتكار حبوب السعادة. كل مَن تناول تلك الحبوب صار سعيدا. ذلك افتراض وهمي علينا أن نصدقه. لقد ضحك كثيرون حين تناولوا حبة السعادة. "هل كانوا سعداء حقا؟" ليس بالضرورة. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا "ما معنى السعادة؟" المهم أن نضحك. ولكن الشعوب المهزومة تضحك أكثر من الشعوب المنتصرة التي تعرف أن لا قيمة لانتصارها بالمقارنة بما خسرته. في الحروب يخسر الجميع.

ولكن ما حكاية الكراهية التي لا يمكن علاجها إلا عن طريق حبوب وهمية؟ ذلك سؤال ستقف أمامه البشرية عاجزة وهي تشعر بذل عميق، لأنها لم تنتصر لكرامتها في لحظة حرجة من تاريخها. في الحرب على العراق كما في سابقتها على فيتنام كان الشر قد جند مريديه من أجل القتل. "إنهم يقتلوننا لأنهم يكرهوننا" تلك الجملة تفسر كل شيء. لقد صدقت الولايات المتحدة أنها من الممكن أن تحل مشكلاتها مع العالم عن طريق الكراهية. لم تُفنَ فيتنام ولم يُفنَ العراق غير أن الكراهية انتقلت إلى القواميس التي تمرر مفرداتها عن طريق حليب الأمهات. شعوب رضعت الكراهية. ذلك مرض لن يشفى منه الكثيرون.

سيكون على العلماء كما هو حالهم دائما أن يتحدوا الواقع من أجل اختراع حبوب للحب. ولكنهم في حاجة إلى فسحة سلام يؤكدون من خلالها لأنفسهم أن ما سيفعلونه سيكون له تأثير معقول من أجل أن يعملوا. كان المطلوب أن تخفف قوى الشر من ضغط طاقة كراهيتها. ولكنها أمنية لا أمل فيها في ظل إتساع دائرة الكراهية من خلال حروب، صارت الجيوش فيها هي الأقل تضررا. أما المدنيون فإنهم ضحاياها الأكثر ألماً. وهو ما يفتح الطريق أمام الكراهية لكي تكون الدرس الذي يصنع تاريخا مجاورا للبشرية. لقد فُرض على الشعوب أن تكون مادة لحروب لم تخترها. فُرض عليها أن تكره من غير أن تكون راغبة في ذلك.  
هل الكراهية مطلوبة لذاتها؟ ذلك ما يمكن أن يجيب عليه المتطرفون ممَن لا يرون وجه الآخر المختلف ولا يسمعون صوته ولا تزعجهم سوى رائحة جثته حين يموت. فبالرغم كل المساعي الجبارة التي يبذلها العلماء والمفكرون والموسيقيون والشعراء والروائيون والأطباء والمهندسون من أجل أن تكون حياة الإنسان أفضل، هناك مَن يسعى إلى قلب الزمن لكي يعود الإنسان إلى عصوره البدائية. قبل حرب الخليج الثانية توعد الرئيس الأميركي جورج بوش الشعب العراقي بأن يعيده إلى العصور الحجرية وكان وفيا في وعده. غبر أن الولايات المتحدة لم تف بوعدها حين تخلصت من صدام حسين فلم تصبح حياة الشعب العراقي أفضل.

حضر الأميركان بقوة في الشر بكل أصنافه وغابوا عن الخير وغيبوه من غير أن يعتذروا بكلمة واحدة. وحرب غزة هي فرصة جديدة صنعتها إسرائيل من أجل أن تبث الولايات المتحدة سمومها في المنطقة من جديد. في كل المقاييس لا تحتاج إسرائيل إلى مَن يعينها في حربها على غزة أو يزودها بالسلاح وهي التي تبيعه في مختلف أسواق السلاح. ولكن للكراهية قوة جذب تستجيب لها الأرواح الشريرة. ما من شيء يمكن أن يقوله الأميركان ينطوي على تفسير لانحطاط موقفهم على المستوى الإنساني وهم يهزون رؤوسهم موافقة على ما تفعله آلة الحرب الإسرائيلية وهي تنشر لغة الدم والكراهية والعنف. مسموح لإسرائيل أن تكره الفلسطينيين الذين سُيجت حياتهم بأسوار الكراهية.

كان حريا بعلماء الولايات المتحدة أن يخترعوا حبوبا للحب من أجل علاج سياسييها من داء الكراهية الذي تمكن منهم، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي ومنطلقاتهم النظرية. لم يعد مفاجئا أن تكون كراهية العرب هي الفقرة الأولى في برامج مرشحي الرئاسة. وإذا ما كان الأميركان يحاربون الارهاب خوفا من أن تعم لغة الكراهية العالم فإن ما فعلوه وما يفعلونه هو القاعدة التي شيدت عليها تلك اللغة صرحها الأكثر صلابة. لقد تجاوزت شعوب عديدة عقدتها مع الأميركان غير أن ذلك لم يخفف من مستوى كراهيتهم للشعوب. وهو ما يجعل من حبوب الحب ضرورة لإنقاذ العالم.