'حب وحرب' تعيد صياغة معادلة الإنسان العربي

حامد شهاب يأمل أن تنتصر روايته لنضال غزة وعموم الشعب الفلسطيني.

بعد إن طغت معالم الحروب على حياتنا المعاصرة وبخاصة الحرب الإسرائيلية على الوجود الفلسطيني والعربي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وهي تسعى لمحو ما تبقى من هوية الشعب الفلسطيني وإلغاء وجوده كليا لم يتبق من مجال تتنفس منه الأجيال العربية سوى بقايا من أحلام تخفق بين ثنايا القلوب وتنغرس داخل نفوس الأجيال تضيء قلوبهم المتعبة بحثا عن ذاتهم وعن مشاعرهم ووجدانهم وهم يأملون أن يبقى هذا الحب عنصر المعادلة الذي لا ينبغي أن يفقد الإنسان العربي فيها توازنه ووجوده فيه، فالحب هو الكنز الثمين الذي لا يقدر بثمن.

رواية "حب وحرب" من خلال علاقة حب بين أسيرة إسرائيلية وشاب فلسطيني في معتقل الأسر بغزة أعادت صياغة مفهوم الصراع الإنساني بين الخير والشر بين القبح والجمال بين الكفر والإيمان بين الحق والباطل وبين الظلام والنور بين الخصومة وعناصر الالتقاء لتتحول الخصومة إلى حياة أخرى أكثر إيجابية وأكثر إشراقا برغم كل الأحياء والمخيمات التي تهدمت على رؤوس ساكنيها وكان للأطفال الصغار نصيب كبير من شهدائها وجرحاها، إلا أن معالم الخضرة والحياة لا بد وأن تدب بين ثناياها لتنبت الأزهار والورود وتعلو أشجار الزيتون وتظهر شمس الحقيقة ساطعة بأن محاولات طمس هوية الإنسان العربي وإلغاء وجوده لا يمكن أن تختزلها حروب، أو قنابل الموت والفتك والدمار، لأن الله قادر على أن يعيد صياغة الوجود، لكي يبقى الإنسان قادرا على أن يلوي ذراع قدره كلما أوغل الشر في محاولة ثنيه على إثبات الوجود، ولكي تنتصر قيم الحب ومبادئه في نهاية المطاف عندها تنقشع غيوم الحروب وويلاتها وأطماع من أوقدوا نيرانها إلى غير رجعة.

وقد استطاعت سطور رواية "حب وحرب" أن تدخل في ميدان هذا الصراع المرير بين الحب والحرب وكيف يكون بمقدور الإنسان أن يروضهما لصالح الحب لكي لا تبقى الحروب التي تفتك بالبشر عامل هدم وتخريب سوى للدور والعمارات والكيانات المادية، أما القلوب والضمائر وقيم أرواح الخليقة فتبقى حية يقظة تأبى أن يدوسها الزمن أو أن تختفي من قاموس الوجدان العربي والبطولة العربية، أما الشهداء فهم "أحياء عند ربهم يرزقون".

الروائي الكبير أمجد توفيق ربما يكون الوحيد الذي غاص في أعماق حروف رواية "حب وحرب"، ليدخلها مفاعلاته النووية ويعيد صهر حروفها، لكي يكون بمقدوره أن يكتشف تفاعلات عناصرها الإحيائية والكيميائية والعضوية والأخلاقية، فوجد أن حروفها بقيت تتلألأ، ليس بمقدور معادنها أن تنصهر وتذوب، لكون مبادئها صافية أصيلة صادقة مع نفسها ومع محيطها وقد ازدادت إثر صهرها لمعانا وبريقا بعد أن تفحص مكنوناتها وعناصرها الذرية فكانت شهادته بحق تلك الرواية مشعل أمل يضيء قلوب العشق ومن هاموا في بحور الغرام ومن نهلوا من ينابيع الحب العطرة لكي يعيد لهم توازنهم ولكي يكون بمقدورهم أن يرتووا من عبق الحب وكؤوسه ما يزيد قلوبهم توهجا واشتعالا.. فهو يقول:

"حامد كاتب تحكمه الفكرة وما يترسب عنها من دلالات.. إنه غير مهموم بآليات كتابة الرواية ونظريات السرد واجتهادات المدارس النقدية وتناقضاتها.. فهو يحمل مفرداته بعطر الصدق والموقف الواضح يحدوه الأمل أن يكون الصدق وسيلته وطريقته في الدخول إلى قلب قرائه"..

في "حب وحرب" كما يقول الأديب والكاتب أمجد توفيق لا يكتفي الكاتب بمتابعة علاقة عاطفية بين ثائر فلسطيني وأسيرة إسرائيلية.. إنه يخضع هذه العلاقة إلى فحص من نوع خاص قوامه استحضار التاريخ والسياسة والأخلاق وضغط الموقف العسكري ليقدم خلطة يتداخل فيها الحب في حاضره مع الماضي بآلامه مع آمال تعاني صعوبة شديدة في التشكل مستقبلا..

ويضيف الروائي الكبير أمجد توفيق: جهد يتوّجه حامد شهاب بموقف واضح مشهود في تقييمه لمعركة طوفان الأقصى وما تمثله من انتصار المعنى على ظلام الصهاينة وما أكدته من قدرة فذة على الرد على عناصر الهزيمة في النظام العربي حيث يحمل شباب فلسطين أرواحهم للرد على تاريخ من النكسات ولا يتناسون وهم في قمة عطائهم المعنى الإنساني العميق لتجربتهم وما الثائر ياسين سوى أمل مخضب بالحب والأمل في مستقبل عادل..

أملنا أن تنتصر رواية "حب وحرب" لنضال شعب غزة وعموم الشعب الفلسطيني لتبقى جذوة البطولة والشهامة متوهجة في نفوس الأجيال العربية ليعيدوا قدسها الشريف وأرضها المغتصبة ولتعود فلسطين "أرض الأنبياء" حرة عربية كما كانت، وكما أراد لها التاريخ أن تكون.