حضور مفاجئ لفيروز يخترق الترند الجمعي

دقائق معدودة كانت كافية لتشعل الصورة أمام الرأي العام العربي، الذي يبحث بين الفينة والأخرى عن الوطن المستلب.
حاجة المشهد العربي لفيروز هي نفسها تعطش الإنسان العربي للخبز والماء والفن والحضارة
حاذثة من نوع خاص أتاحت الفرصة مرة أخرى للأمل

ابتسامة طفيفة، ووجه طفولي في الثمانينيات. هكذا كانت طلة فيروز بهية برفقتها ابنتها ريما الرحباني في آخر ظهور لهما بسلفي تم نشره بالحساب الشخصي لريما تحت تعليق "سيلفي والماضي خلفي".
دقائق معدودة كانت كافية لتشعل الصورة أمام الرأي العام العربي، الذي يبحث بين الفينة والأخرى عن الوطن المستلب بفعل الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية الجيوسياسية، بعدما سمي بالربيع العربي؛ مرور سريع توالته تعليقات واسعة النطاق سواء على المستوى الإعلامي الشرق أوسطي أو وسائل التواصل الإجتماعي التي عجت بعبارات الفرح والغبطة.
هي إذا حاذثة من نوع خاص أتاحت الفرصة مرة أخرى للأمل، بعد غياب طال تخلله حضور سريع على شاكلة صور جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجارة القمر بعد انفجار مرفأ بيروت أغسسطس/آب 2020، مما فتح فوهة التساؤلات المتجددة حول الحاجة مرة أخرى للرمز الوطن، والحنين المعرب لصوت استجمع شتات أمة بأكملها لعقود منصرمة النظير.
من هي فيروز في الوعي الجمعي العربي؟ 
هي زهرة المدائن، وهي حرية المسارح تعرفت عليها الجماهير العربية بإنتاجات ذات طابع قومي تحرري تارة وثراتي تارة أخرى، إلا أن كليهما لم يسلم من نبرة التقويم الموسيقي  الصارم، واللحن المنفتح على التجاز والبلوز وغيرهما كاستجابة حقيقية لثورة فنية تولتها فيروز رفقة ابنها الموسيقار زياد الرحباني خاصة في ألبومها "في أمل" سنة 2010، وغيرها من الأعمال التي طرحت أسئلة وجودية حادة حول علاقة المرأة بالرجل، والجسد بتمتلات الكيان العاقل.
سُئل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن صوت فيروز فقال: "لا تسألوني عن الأصوات التي نزلت من السماء"، لتكون بذلك أحجية لجيل وأكثر سواء بحضورها على خشبات المسارح أو انبعاثها من الدكاكين الشامية القديمة والأسواق العتيقة والبيوت العربية.
لمَ تثير فيروز ضجة في كل حضور مفاجئ ؟
تبرز فيروز في كل ظهور مفاجئ على حاشية المطالبة بالعودة والإنقطاع مع العزلة، بحكم الإنتاجات الفنية المتعددة لها داخل الذاكرة الموسيقية الفنية العالمية، والفن لا يموت ولا تقوى عليه اقتحامات العدم في موجات الترند والموضة الصاخبة، قطعة من الإبداع تحررها الموسيقى  والعطاء، بالنسبة لفيروز فالعطاء جارف على جل الأصعدة سواء الإنسانية أو العربية الجمعية أو العاطفية.
حاجة المشهد العربي لفيروز هي نفسها تعطش الإنسان العربي للخبز والماء والفن والحضارة، كلا المطلبين طريق مؤدي للتعايش داخل فضاءات مفتوحة بعيدا عن التعصبات والإنشقاقات المعتقدية والعرقية، التي أفنت الوطن برصاصة المصالح وحملته ثقلا جعل معه المواطن العربي إما مؤيدا أو معارضا في وقت يحتاج فيه الإثنان لحالة رضى وتوافق على يد الفن أينما وجد وكيفما كان.