حقائق مريرة عن العلاقات العراقية الأميركية

الفريق السياسي الذي يحكم العراق اليوم جاحد لفضل الولايات المتحدة عليه يوم اوصلته للسلطة وحافظت له عليها طوال 20 عاما.

ربما أثار إستغراب الكثيرين ما أشارت اليه السفيرة الأميركية في العراق الينا رومانوسكي حول نيتها كتابة شيء ما عن العلاقات الأميركية العراقية كل يوم خميس، وهو إشارة قد يفهم منها أنها تريد أن تكتب فصولا موجزة توضح فيها الرغبة الأميركية بأن تكون مسار تلك العلاقات في أحسن أحوالها وكما تتمنى الإدارة الاميركية والسفيرة رومانوسكي أن ترسم ملامح إيجابية عن تلك العلاقة لتطوير طبيعتها نحو الأفضل.

والمعروف لدى كثير من العراقيين عن العلاقات العراقية الأميركية أنها مرت بفترات توتر وإضطراب وعدم إنسجام طوال أكثر من سبعة عقود على أقل تقدير، وإبتداء من نهاية العهد الملكي حتى الان، بالرغم من أن العراقيين في دواخلهم لا يحملون أية ضغينة عن الأميركان وهم يودون لو تكون ملامح تلك العلاقات ومسارات تطورها في أحسن أحوالها. إلا أن الأميركان كإدارة وكونغرس، لم تتعامل مع العراقيين وأنظمتهم السياسية المتعاقبة بمستوى واحد، وكانت هناك نوايا سيئة تجاههم أكثر من علامات الرغبة في الإنسجام والتعامل بالمثل، حيث تتمنى الدولة العراقية طوال عهودها لو كانت علاقتها مع الولايات المتحدة على أحسن ما يرام.

ومن الممكن أن نضع ملامح لحالات إيجابية ظهرت فيها السياسة الأميركية تجاه العراق في فترة كانت أكثر هدوءا وإستقرارا، وهي الفترة التي تنحصر بين منتصف السبعينات ومنتصف الثمانينات، حيث كانت العلاقات العراقية ألاميركية على أحسن ما يرام، وتعامل فيها الأميركان وساستهم مع العراق بطريقة كانت تمثل عهد إزدهارها وإستقرارها على أقل تقدير، وهي الفترة التي بدأت منذ عهد الرئيسين كارتر وريغان، والتي أعدها شخصيا الفترة الذهبية التي ظهرت فيها تلك العلاقات ربما في أحسن احوالها.

لكن تلك العلاقات بدأت بتوترات وحالات من عدم الإنسجام وربما الإضطراب ما بعد منتصف الثمانينات ونهايتها، حيث شهدت سنوات ما بعد 1988 أكثر تلك السنوات التي كانت هناك غيوم وسحب كثيفة بدأت تعكر سماء تلك العلاقات، ولم تمطر تلك الغيوم لأغراض سقي أواصر تلك العلاقة او ترطيبها بقدر ما رافقتها من عواصف هوجاء، إنقلبت فيها حالة التوازن رأسا على عقب، وبخاصة بعد إن قام الأميركان بتزويد إيران بصفقات أسلحة في القصة المعروفة بفضيحة "إيران غيت" أو "إيران كونترا" في عام 1986، ومنذ ذلك التاريخ ومكائد الأميركان مع العراق لم تنقطع. وجاءت أحداث الكويت في 1990 لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، حتى وصلت تلك العلاقات إلى ادنى تدهورها، وراحت حملات البيت الأبيض وماكنة الدعاية الاميركية والغربية عموما تنسج آلاف الفبركات واكاذيب الدعاية السوداء عن العراق وشعبه، وتحرض إسرائيل على مهاجمة العراق، متهمة إياه بأنه يريد تطوير أسلحة نووية وكيماوية لتعريض أمن إسرائيل والامن القومي الأميركي للخطر، وما تبعها من حملات التفتيش على أسلحة الدمار الشامل التي أعقبت دخول العرق الى الكويت وما جرته من ويلات ومصائب على شعب العراق.

وحتى بعد سقوط النظام في العراق عام 2003 وبعد الاحتلال الاميركي لهذا البلد لم يكن لدى الإدارة الأميركية سوى إخضاع هذا البلد كليا لأهدافها ومطامعها في المنطقة، وثبت بالدليل القاطع أن الديمقراطية التي تشدق الأميركان بجلبها الى العراق لم تعد عليهم سوى بالويل والثبور، حتى في فترة جلب من وجدت فيهم أنها فرضتهم على العراقيين وسلمتهم السلطة، في توجه لتحريض طائفة على أخرى وتسليمها مقدرات البلد، لكنها هي نفسها انقلبت الآن على الادارة الاميركية وراحت تهاجمها بشراسة منقطعة النظير.

ولا ندري عن أي فصل من فصول تلك العلاقة ستتحدث عنها السفيرة الأميركية عن العلاقات الأميركية العراقية، كما تود هي أن تكتب ضمن تغريداتها أو مذكراتها الرسمية، وهي الضليعة بالملف العراقي، وكيف لا وهي ضابطة المخابرات المتمكنة من نفسها ومن ادواره وكأنها هي من تقود البلد وتقبض على مقدرات السلطة. وسننتظر ايضا كيف يكون بمقدور رومانوسكي أن ترسم صورة وردية عن تلك العلاقة، وهي نفسها التي اشتكت كثيرا من أن السلطة نفسها تدعم عناصر مناهضة للوجود الاميركي، حتى ظهر مفهوم للتندر ساد بين العراقيين عمن يعارضون أميركا أو يهاجمونها، مفاده أن هناك من يصافح يدها في النهار وما أن يجن الليل حتى ينقلبوا عليها عقربا وهم يريدون لدغها في أية لحظة.

وكلنا ربما نعترف بحقيقة أن مهمة رومانوسكي صعبة للغاية، وهي قد واجهت حالات إخفاق طوال فترة تولي مهمتها في العراق، تلك التي أريد لها أن تكون بحالة أفضل من السابق، وأن تمارس ضغوطا على رموز العملية السياسية كبارهم وصغارهم، وتشعرهم بفضل أميركا عليهم، وعليهم في المقابل أن يعترفوا بحقيقة أنهم لولا ألاميركان ما كان بمقدورهم أن يجلسوا على كراسي السلطة ولو للحظات، وأن أميركا إن أرادت أن تنسحب من العراق، فأول من ينسحب ويهرب هم الساسة الحاليون، قبل الجنود الأميركان، لأنه لن يكون بمقدورهم مواجهة غضب عراقي وتشنج وتوتر طائفي يصل حد الإحتراب، وربما تنتقل بالبلد الى حالة من حالات الحرب الأهلية في أقل تقدير، بعد الفوضى العارمة التي ستجتاح العراق إن أراد الاميركان الإنسحاب فعلا، أو مجرد إجراء تجربة إنسحاب شكلية لمعرفة كيف يتصرف الساسة العراقيون الذين يناصبون الولايات المتحدة العداء، في العلن ربما لكن في السر ربما من يظهر خلاف ذلك، وهل بمقدورهم ان ترتدي أرجلهم النعالات (أو "الشحاطات") لأن الاحذية قد يصعب لبسها بسهولة، وهو ما يذكرنا بقصة هروب ساسة الكويت في التسعينات قبل أن تطأ أقدام العراقيين أرضهم، وهو ما لم نكن نتمناه للإخوة في الكويت من كثير من العراقيين.

وينبغي على السفيرة رومانوسكي أن تدرك حقيقة لم تنتبه اليها حتى الآن، وهي أن كفة التوازن الطائفي العراقية قد تأرجحت كثيرا، وهي الآن في أشد حالات الإضطراب والتوتر والشعور بالمرارة من الطائفة الاخرى التي ترى أن الأميركان هم أكثر من إستهدفوها، واصابتهم بأضرار فادحة، ولم تفطن الى دورهم في بناء دولة العراق طوال عشرات العقود من السنين، حتى إختلت حالة التوازن العراقية وأصابها الدوران والضياع.

والسفيرة رومانوسكي على عكس من سبقوها من السفراء الأميركان الذين يوصف كثير منهم بالغباء وضآلة حسن التقدير للمواقف، كان من المفترض أن تعيد بعضا من حالة التوازن الى المعادلة العراقية المختلة، كونها عرفت أسرار اللعبة الخطرة في العراق وغاصت في أعماقها، لكنها حتى الآن بقيت محاولاتها خجولة ولم ترتق الى تمنيات أغلبية كبيرة من العراقيين تحطمت إرادتهم كليا، بسبب سياسات أميركا، ولم تنظر الى دورهم مكانتهم كما ينبغي، وهو مأ أوصل الإدارة الاميركية الى هذا المأزق الكبير، الذي ستنجم عنه آثارا سلبية خطيرة، إن لم ينتبه الأميركان الى خطيئتهم الكبرى ويعيدوا تصحيح تلك المعادلة لكي تعاد لها حالة التوازن، إن أريد للعلاقات العراقية الاميركية أن تعيش حالات إستقرار ترتقي الى طموح ملايين العراقيين الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة ولم تعد ترعى مصالحهم الوطنية او تضعها كما تستحق في الإعتبار، وهذه خطيئة الاميركان على كل حال التي يعاني ملايين العراقيين من مراراتها الكثير.

ولنا في حلقات مقبلة الكثير مما نريد أن نؤشره عن مسار العلاقات العراقية الاميركية، وما نتوقعه لها من نتائج ربما لم تكن تبشر بخير بكل تأكيد، وننتظر ما تؤشره لنا السفيرة رومانوسكي من مفاجئات.