حكاية من التراث الشعبي الإماراتي محور إصدار نقدي مصري جديد

عايدي علي جمعة: حكاية العقيلي واليازية الإماراتية فيها تراسل واضح مع السيرة الهلالية.

صدر مؤخرا عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة كتاب نقدي تحت عنوان: "رحلة البطل في حكاية (العقيلي واليازية)/ دراسة في التشكيل والتأويل" للناقد والأديب المصري غزير الإنتاج أ.د. عايدي علي جمعة أستاذ الأدب والنقد بكلية الإعلام جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب.

ويمتد الكتاب وهو من القطع المتوسط على 160 صفحة، يعالج بالدراسة والتحليل حكاية مشهورة من التراث الشعبي الإماراتي "العقيلي واليازيّة" من خلال تتبّع ملامح البطل عبر ثنائيّة التشكيل والتأويل.

وجاء هذا الكتاب عبر مقدّمة وخمسة فصول وخاتمة، نهضت المقدّمة بإلقاء الضوء على أهميّة الرحلة في الآداب عموما، ومنها بطبيعة الحال الأدب الشعبي، وما يكتنزه من طاقات مشعّة تظهر خصوصيّة الشعوب ومعادنها، كما ألقى الضوء على طبيعة البنية الكبرى في حكاية العقيلي واليازية.

وجاء الفصل الأوّل منها تحت عنوان: "الشخصيات في حكاية العقيلى"، حيث ألقى الضوء على طبيعة الشخصيّات التي سجّلت حضورا واضحا في هذه الحكاية، من هذه الشخصيّات شخصيّة العقيلي نفسه وحبيبته اليازية فائقة الحسن وشخصيّة والد العقيلي ووالد اليازية والأخ الأكبر للعقيلي وأخيه الأوسط، وشخصيّة الخادمة والراعي وكلّها شخصيّات إنسانيّة، ولكن هذا الفصل لم يكتف بإلقاء الضوء على شخصيّات إنسانيّة، وإنّما تجاوز ذلك إلى إلقاء الضوء على شخصيّات حيوانيّة مثل الناقة صيدح فائقة السرعة وجمل اليازية فائقة الحسن. وقد كشف هذا الفصل عن مدى الثراء والتنوّع الذي تمتّعت به الشخصيّات في حكاية العقيلي.

أمّا الفصل الثاني فقد رصدته الدراسة لينهض بإلقاء الضوء على "طبيعة البنية المكانيّة" التي كانت فضاء لرحلة البطل في هذه الحكاية. وقد كانت طبيعة المكان المحوريّة في هذه الحكاية تتمثّل في البادية، وما فيها من خصائص كان لها أثرها على طبيعة الشخصيّات الفاعلة في هذه الحكاية. وقد ظهرت الأهميّة الفائقة للمكان في رسم الكثير من ملامح هذه الحكاية وخلقها بهذا الشكل.

وفي الفصل الثالث تمّ إلقاء الضوء على "طبيعة الزمان" الذي تجلّت من خلاله رحلة البطل في هذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة. وقد ظهر من خلال التحليل مدى التعالق بين زمان هذه الحكاية وزمان السيرة الهلاليّة. كما تمّ إلقاء الضوء على الدور الفاعل الذي لعبه الزمان في عمليّة تشكيل هذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة، وظهورها بهذا الشكل.

في حين نهض الفصل الرابع بمهمّة محاولة تطبيق "وظائف القصّة" كما هي عند الناقد الروسى فلاديمير بروب على هذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة. وقد استطاع بروب أن يستخلص إحدى وثلاثين وظيفة للقصّة من خلال دراسته العميقة لمئة حكاية شعبيّة روسيّة موجّهة في أساسها للأطفال.

وعلى الرّغم من أنّ حكاية العقيلي واليازية وهي حكاية شعبيّة إماراتيّة لا تتوجّه في الأساس إلى الأطفال، وإنّما تتوجّه إلى من هم في مرحلة أنضج، فإنّ غواية منهجه كانت هي الدافع وراء هذه المحاولة من الباحث. وقد بدا من خلال التحليل ظهور الكثير من وظائف بروب في البنية الحكائيّة لهذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة.

أمّا الفصل الخامس والأخير، فقد جاء بعنوان: "نظرات تأويليّة" وهو يعدّ بالأساس محاولة لتلافي عيوب منهج فلاديمير بروب الذي ركز تركيزا كبيرا على العناصر الشكليّة والبنائيّة في الحكاية مهملا عناصر الدلالة فيها.

وقد نهض هذا الفصل بمهمّة كشف الكثير من تعالق هذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة وتجلّيات رحلة البطل فيها مع السياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي، وذلك من خلال إصاخة السمع إلى صوت البنية العميقة لهذه الحكاية الماتعة، ثم جاءت الخاتمة مستخلصة أبرز النتائج التي توصّل إليها هذا الكتاب.

وفي تصريح لموقع "ميدل إيست أونلاين" حول دوافع الاختيار على دراسة حكاية شعبيّة من الإمارات أفاد الدكتور عايدي علي جمعة "الحقيقة أنّ هناك دوافع كثيرة لإنجاز دراستي هذه، ومن هذه الدوافع انشغالي برحلة البطل في الأدب العالمي عموما، على نحو ما نجد في الملاحم القديمة، وقد كانت لي دراسات منشورة في هذا السياق تتناول رحلة البطل في الإلياذة والأوديسة وملحمة جلجاميش، وفي الأدب العربي خصوصا على نحو ما نجد من رحلة البطل في الحكايا والسير الشعبيّة".

وتابع "من الدوافع أيضا ما رأيته في حكاية العقيلي واليازية الإماراتية من تراسل واضح مع السيرة الهلالية ذات الحضور الفذ في الوجدان العربي. ومن الدوافع أيضا ما يظهر في هذه الحكاية الشعبيّة الإماراتيّة من بساطة آسرة ونهايتها بانتصار البطل بعد مغامرة فائقة ممّا يوفّر لدى المتلقّي حسّا عاما بالارتياح".

كما أنّها حكاية تتناول قصّة الحب اللاهب بين بطلها/ العقيلي من ناحية وبطلتها/ اليازية من ناحية أخرى، ولا شكّ أنّ الحب اللاهب له غواية خاصّة للمتلقي.

وعن الإضافة التي يقدّمها هذا التمشّي أضاف جمعة "أمّا عن جوانب الإضافة فهي إنجازي لكتاب يتفاعل مع هذه الحكاية الشعبيّة اللافتة، وهذا الكتاب ربّما ينهض بعمليّة تحفيز لباحثين آخرين يتناولون هذه الحكاية بطريقة أخرى، مما يساهم في حركة الثراء حول الأدب الشعبي العربي الذي يختزن طبيعة الشعوب العربيّة ورؤيتها للعالم".

وعن التمشّي التحليلي في هذه الدراسة أكّد جمعة "اعتمدت التفاعل مع هذه الحكاية الشعبيّة واضعا نصب عينيّ إلقاء الضوء على كيفيّة التشكيل الموجود في هذه الحكاية الشفاهيّة الإماراتيّة والتي وثّقها كتابة في مجلة تراث الإماراتية الدكتور راشد أحمد المزروعي، ثم انتقلت خطوة أخرى تجاه تأويل ذلك التشكيل، ولا شكّ أنّ التأويل يختلف من باحث لباحث، ممّا يعطي ثراء حقيقيّا لدراسة الأدب الشعبي".

الخلاصة العامّة التي يمكن الخروج بها من هذا الكتاب هي أنّ الأدب الشعبي في منطقتنا العربيّة ملئ بالكنوز الغالية، ومن الأهميّة بمكان توثيق كلّ تجليات هذه الكنوز ومن الأهميّة بمكان أيضا ضرورة التفاعل الكبير معها، لأنّ الأدب الشعبي ربّما يكون هو التجلّي الواضح لروح الجماعة التي يعبّر عنها، ومن الضروري بنفس القدر التفاعل مع هذا الأدب وفق منهج علمي يكشف عن كيفيّة تشكّله وما يمكن أن نتأوّله فيه.