طارق علي الجحاوي يدرس مرحلة مهمّة من تاريخ المسرح الليبي

الكاتب الليبي في كتابه يرصد واقع 'القضايا الاجتماعيّة في الأعمال المسرحيّة الليبيّة' قبل الحرب.
طارق علي الجحاوي: المسرح يحتل مكانا مهما في المجتمعات الحديثة

صدر حديثا عن دار الجابر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان ببنغازي الليبيّة كتاب "القضايا الاجتماعيّة في الأعمال المسرحيّة الليبيّة" للكاتب والإعلامي والناشط المسرحي الليبي طارق علي الجحاوي، تصميم الغلاف محمد حسن.

الكتاب عبارة عن دراسة تمتدّ على 206 صفحة تبحث في مدى اهتمام الكتّاب بالقضايا الاجتماعيّة المطروحة في الأعمال المسرحيّة الليبيّة - التي عرضت بين سنتي 2000 و2009 - من خلال التمهيد المعرفي باستخدام المنهج الوصفي للوقوف على مدى التزام كتّاب المسرح بهذه القضايا، بعد أن قام الباحث بتحديد الفئات الرئيسيّة والفرعيّة والمؤشّرات، ليسهل تحليل محتويات تلك المسرحيات.

هذا ونشير إلى أنّ الفترة التي اهتمّ الكاتب بدراستها مثّلت نطاق اشتغال حقيقي للمسرح الليبي ومدار زخم إنتاجي ملحوظ، حيث شهدت الفترة من 2000 إلى 2009 غزارة في العروض المسرحيّة بلغت 70 عرضا مسرحيا في مدينة بنغازي وحدها. مع كثرة الأعمال المسرحيّة وازدياد عدد روّادها وقلّة الدراسات حول هذه العروض أحس الباحث بضرورة دراسة هذه الأعمال المسرحية للتعرف على محتوياتها ومضامينها. 

تتكون الدراسة من أربعة فصول، يتناول الفصل الأوّل: الإطار المنهجي الذي يحتوي على مشكلة الدراسة وتساؤلاتها ومنهج الدراسة، والدراسات السابقة، بالإضافة إلى النظريّة الإعلاميّة المرتبطة بالدراسة، بينما يتناول الفصل الثاني: الإطار المعرفي الذي احتوى على تاريخ المسرح في مدينة بنغازي والقضايا الاجتماعية في المجتمع الليبي، أمّا الفصل الثّالث فقد عالج الإجراءات المنهجيّة التي تشتمل على الإجراءات المنهجيّة للدراسة ووصف المجتمع وكيفية تحديده، بالإضافة إلى تصميم استمارة تحليل المحتوى وتحكيمها، ووضع استمارة تحليل المحتوى في شكلها النهائي، والفصل الرابع: استعرض نتائج الدراسة وتوصياتها.

وفي إفادة لموقع ميدل إيست أونلاين أكّد طارق علي الجحاوي "أنّ المسرح يحتلّ مكانا مهمّا في المجتمعات الحديثة، باعتباره جزءا لا بدّ منه في تنمية الأفراد وتفاعلهم في مجتمعهم المحلي والإقليمي والعالمي، بالإضافة إلى تنمية إبداع وذوق وثقافة المتلقي وتوجيه الرأي العام، وهو أيضا يعبّر عن حاجات المجتمع الترفيهيّة وكذلك تركيزه على تناول المشاكل والقضايا الاجتماعية، باعتبار أنّ وجود مجتمع خال من المشاكل الاجتماعيّة يعتبر من الأمور متعذّرة الحدوث، بل هو مجتمع خيالي، والحقيقة التي يقرّها الواقع المعاش أنّ الحياة في أي مجتمع لها مظاهر إيجابيّة وسلبيّة وتختلف بدرجات حسب ظروف المجتمع وإمكاناته وطبيعة العلاقات السائدة فيه".

وفي سؤال عن مدى تمثّل البعد الاجتماعي في مدار الساحة المسرحيّة الليبيّة أضاف الجحاوي "يعدّ المسرح وسيلة من وسائل الاتصال المباشر وهو أساسا صاحب رسالة حضارية عظيمة وله دور كبير ليس في إمتاع الجمهور وحسب، ولكن في التعبير عن مشكلات وتطلّعات الإنسان، فلذا له أهميّة متمثّلة في التطرّق للقضايا التي تهمّ المجتمع الليبي، وكما هو معروف بأنّ من وظائف المسرح نقل تلك القضايا وتسليط الضوء عليها وإبرازها لمحاولة إيجاد الحلول أو تقديم الوازع أو وضع السلبيات أمام المتلقي وإن كان بشكل تضخيم ليتم تفاديها".

ومن هنا لاحظ الباحث أن معظم المسرحيات التي نشرت أو التي عرضت تلفزيونيّا أو على خشبة المسرح في بنغازي حتى وإن كان عددها مقنعا، إلّا أنّها لم تتعرّض إلى جميع القضايا الاجتماعية في المجتمع، حيث أشار إلى "أنّه بدراسة أهمّ المشكلات والقضايا الاجتماعيّة في المجتمع الليبي أوجدت بعض الدراسات: القتل، والبغاء، والتشرّد والبطالة والمشكلات الأسريّة... خاصّة وإن لكلّ مجتمع قضاياه واهتماماته وموضوعاته المتميّزة، حتّى عندما يعالج اهتمامات موضوعات إنسانيّة شاملة فإنّه يعالجها من وجهات نظر تخصّه وترتبط بأسلوبه المتميّز، ولهذا فإنّ المسرح الليبي بموضوعات متعدّدة يعدّ تحصيلا حاصلا لتلك الحقيقة، ومن معطيات هذا الالتزام ظاهرة المسرحيّة الاجتماعيّة وسيادتها على معظم المسرحيات التي قدّمت، فالكلمة التي تقال على خشبة المسرح لها تأثير خاصّ يصل مباشرة إلى المتلقي بدون وسائل نقل أخرى لذا تكون مؤثّرة ومقنعة وفعّالة خاصّة وأنّ المسرح يخاطب المجتمع بأسره: المتعلّم والأمي والصغير والكبير والرجل والمرأة".

كتاب مهمّ يستوعب بالدراسة مرحلة مهمّة من تاريخ المسرح الليبي قبل اندلاع ثورة التغيير السياسي التي كانت في جزء منها نتيجة للأوضاع الاجتماعيّة التي طرحت في العروض المسرحيّة وسبقت المعادلة السياسيّة. هذا البحث يساهم في سدّ فراغ في الساحة النقديّة والفنيّة المسرحيّة الليبيّة التي تسابق الخطى من أجل تجاوز مرحلة الحرب، والغياب شبه الكلّي لدور المسرح في المجتمع والفعل اليومي.

هذا ونشير لكون الكاتب إعلامي وأستاذ جامعي وناشط مسرحي انظمّ لفرقة المسرح الشعبي ببنغازي وشارك في أغلب الأعمال المسرحيّة (الديكور، الإضاءة، المساعدة في الإخراج، الإدارة المسرحيّة) وتقلّد مناصب إعلاميّة وثقافيّة متعدّدة.