حول تفاقم الجريمة والعنف الاجتماعي

نظام مرتبك يفتقر للقدرة على مساعدة أي شخص ويدفع بالكثيرين الى نظام العدالة الجنائية بدلا من نظام الرعاية الصحية.
فيض من التعليقات التافهة على مواضيع جادة ومهمة في مواقع التواصل
لا يجوز التراخي في تطبيق القانون لئلا تضييع الحقوق ويطمع المجرمون

يكفي أن يكتب الفرد بعض التعليقات او الجمل لتعرف مستوى تفكيره، وربما أبعاده النفسية والسلوكية، ويكفي ان تختلف مع شخص لتكتشف من سلوكه وردود فعله العدوانية حجم عقله. 
في تجربة مثيرة رتبت لها مؤسسة دراسات اميركية حول انعكاس المستوى العقلي على كتابات الافراد، كشفت الدراسة أن نسبة كبيرة من التعليقات والكتابات القصيرة والسريعة في مواقع التواصل الاجتماعي ( تويتر - الانستغرام -الفيس بوك -الواتساب) كفيلة بكشف نوعية العقول التي تتعامل معها. 
 واستطاع الفريق من كشف تفاهة ٣٣٤ شخصا رغم ان كتاباتهم كانت جادة وليست هزلية، وتعليقاتهم على مواضيع مهمة وليست هامشية، لكن تعليقاتهم بحد ذاتها كانت هامشية وغبية. 
اذا تابعنا المواقع والبرامج الحوارية، واطلعنا على اسلوب المتحاورين عند نقاش قضايا إختلافية، تتعلق بمواضيع سياسية أو دينية او غيرها، نلاحظ حجم العنف اللفظي الكامن خلف الكلمات، بما يعكس استعداد كل طرف لتصفية الطرف الآخر او ايذائه. 
قال لي صديق وهو باحث واستاذ في احدى الجامعات الاوربية، ان سخافة العقول تتضح مباشرة بعد كتابة اربع جمل متتالية، وربما أقل ويسري ذلك على  طريقة الكلام والسلوك. 
قرأت ايضا بحثا نفسيا متميزا يتحدث حول الاشخاص الذين يعيشون نشوة الانتقام من خصومهم وأنهم اشخاص في الغالب يحملون عقول طفولية جدا، او غبية جدا. 
مثاله الصريح هو كثرة الجرائم الواقعة على النفس (الجرائم السيارة) والتي تنتشر في الشوارع بشكل ملفت للنظر، فخلال ثلاثة اعوام شهدت البلاد جرائم مروعة وبشعة راح ضحيتها شباب وفتيات ابرياء، ذنبهم الوحيد هو التقاؤهم (عمدا أو محض صدفة) باشخاص يحملون شهوة الانتقام والقتل والايذاء. 
الموضوع مهم جدا، ويرتبط باستقرار المجتمع، وبضرورة الاهتمام بالرشد الاجتماعي، فنحن كثيرا ما نتعامل مع اشخاص نفترض فيهم الرشد والنضج لكننا نكتشف لاحقا انهم غير اصحاء، وغير اسوياء ولديهم ميول انتقامية وعدوانية. 
وان كانت  الدراسات اليوم يمكن ان تكتشف تفاهة شخص من كتابته لبضع كلمات، فمن المعيب أن نتأخر في انشاء مراكز ابحاث تكتشف مبكرا حالات الانحراف وتضع خططا علاجية، فكثير من الافراد كان يمكن علاجهم واعادة تأهيلهم قبل أن يتحولوا الى مجرمين. 
وهذا ما أشارت له الرابطة الوطنية للبنادق في الولايات المتحدة وهو أن الأسر التي تحاول الحصول على المساعدة لأحد أفرادها من المصابين بمرض عقلي تواجه نظاما مرتبكا لا يعمل بكفاءة ويفتقر للقدرة على مساعدة أي شخص يحتاج له ويدفع الكثيرين من المرضى العقليين إلى نظام العدالة الجنائية بدلا من نظام الرعاية الصحية.
الحد من الجرائم السيارة ( زميل يقتل زميله- شاب يقتل ابن عمه- شباب يهجمون بالسكاكين على مواطن - قاطع طريق يطعن سائق ويسرق سيارته وأمثالها من الجرائم) وردع مرتكبيها إنما يأتي عن طريق: 
1. توجيه وارشاد نفسي مكثف للاطفال والشباب، وهذا يعني ضرورة وجود مراكز رصد نفسية وسلوكية مهمتها تقويم سلوك الافراد ومتابعتهم، في المدارس، والمعاهد، والاندية. 
2. حث الاسرة على ترك (السلبية التربوية) والزامها بتوجيه الابناء وارشادهم، وتوفير (خط ساخن) تلجأ اليه الاسرة لمعالجة اي حالة غير سوية (عنف، مخدرات، انتقام،..). 
3. تشديد العقوبات الجزائية، وتنفيذ بعضها في العلن والتعجيل بذلك، حتى تكون رادعا حقيقيا للاخرين. فمن غير المقبول التراخي في تطبيق القانون بما ينتج عنه تضييع الحقوق وجرأة المجرمين، وتعريض حياة مجتمع كامل للمخاطر.