خذوا النفط بالليرة. ما هذا الكرم؟
"خذوا النفط بالليرة". ذلك هو العرض الإيراني من أجل انهاء الأزمة الاقتصادية قي لبنان. وهو عرض مسل فيه الشيء الكثير من الفكاهة المبكية.
يمكن للمرء أن يتذكر حكاية الكيك والخبز التي الصقت بالملكة الشابة ماري انطوانيت. وهناك أيضا حكاية "الجكليته" التي تشفي من كل الأمراض وهي حكاية حقيقية روج لها شيخ دين شيعي بين أتباعه في العراق.
حزب الله الذي هلل للعرض الإيراني باعتباره قمة الكرم الإنساني يمزج الذل بالسخرية في حزمة واحدة يقدمها للبنانيين نوعا من العزاء في وقت، عز فيه الخبز. وهو ما يشير إلى أن الأزمة وصلت إلى منحدر خطير.
هناك حقائق تتعلق بدورة الدولار في المنطقة صار اللبنانيون ومعهم العراقيون يتداولونها في ما بينهم ليكشفوا من خلالها الدور الذي لعبته الميليشيات الإيرانية وفي مقدمتها حزب الله في تهريب العملة الصعبة إلى إيران.
وإذا ما كان حسن نصرالله يفاخر بولائه المطلق للولي الفقيه في إيران التي كانت تدفع راتبه الشهري ورواتب منتسبي الميليشيا التي يقودها فإن المعادلة صارت اليوم معكوسة بعد أن انخفضت الإيرادات المالية الإيرانية بفعل العقوبات الأميركية فصار على حزب الله أن يزود الجمهورية الإسلامية بما تحتاجه من عملات صعبة.
وجد حزب الله الأبواب أمامه مفتوحة للدخول في سوق العملة العراقية واللبنانية فكان يحصل على الدولار بيسر في العراق من خلال واجهاته المصرفية التي يسر لها حزب الدعوة شراء الدولار من البنك المركزي العراقي وهو ما جعله مهيمنا على سوق العملة في لبنان.
وليس من باب المبالغة القول إن الحزب أشرف على تحويل مليارات الدولارات إلى إيران في محاولة لتعويضها عن الخسائر التي منيت بها بعد أن انخفضت صادراتها النفطية إلى الربع.
لعب حزب الله دورا خطيرا في إدارة عمليات نهب العملة الصعبة من العراق ولبنان. بحيث يمكن اعتباره المسؤول الأول عن الأزمة المالية التي يمر بها لبنان والتي وصل تأثيرها إلى الخبز.
اما حين يعد الحزب اللبنانيين بأن إيران ستبيعهم النفط بالليرة فإنه يكشف عن أن البلد الذي سرقهم ليس في إمكانه أن يقف معهم في محنتهم إلا من خلال عملية سرقة أخرى تنطوي على قدر هائل من التخريب الاقتصادي المضاف. فشراء النفط بالليرة يعني مزيدا من الانهيار في سعر صرفها في مقابل العملات الصعبة.
يومها سيؤدي حزب الله دور السمسار الذي يلعب بسعر الصرف في السوق المحلية السوداء نتيجة ما تمكن من الحصول عليه من أموال بسبب المتاجرة بالنفط. وتكون النتيجة أن إيران قد باعت نفطها بالدولار الذي ستقبضه من حزب الله.
اما اللبنانيون فإنهم يكونون قد اشتروا النفط الإيراني باضعاف سعره في السوق العالمية. ناهيك عن الاضرار التي ستلحقها العملية بنواحي الاقتصاد الأخرى.
كل ذلك يقودنا إلى استنتاج ليس جديدا.
خارج منطلقات التضليل العقائدي لا يمكن لإيران أن تؤدي دورا نافعا في المنطقة. في إمكانها أن تؤسس تنظيمات مسلحة خارجة على القانون. في إمكانها أن تتبنى فرقا عقائدية فوضوية. في إمكانها أن تكون تاجر سلاح يبيع بالآجل. عدا ذلك فإن إيران لا تملك شيئا لكي تقدمه لأتباعها.
وإذا ما كانت إيران هذه المرة تعرض النفط بطريقة محتالة على اللبنانيين فلأنها حُرمت من تصديره بالطرق القانونية.
وكما أرى فإن اللبنانيين لن يُخدعوا بالعرض اللبناني. لا لأنه عرض استعراضي ينطوي على الكثير من الخداع بل لأن لديهم ما يكفيهم من مصائب إيران. أليس حزب الله الذي دمر حياتهم هو صناعة إيرانية بامتياز؟