خسر الكرد رهانهم على الديمقراطية

ضاعت الخصوصية الكردية في دهاليز ووهم الخصوصية العربية الوطنية المفترضة.

كثيرا ما يتعرض السياسيون واصحاب السلطة الى اخطاء تكتيكية بسيطة وهم يخوضون المعترك السياسي ويديرون شؤون البلاد، ولكن سرعان ما يعالجونها ويضعون لها الحل المناسب. قد يعمدون الى الاستقالة ومعاقبة الذات اذا ما رأوا ان الخطأ يقتضي ذلك. هذه طبيعة البلدان المتقدمة، فلا يوجد فرق كبير بين الخطأ الكبير والخطأ الصغير. كلاهما خطأ يجب ان يعاقب مرتكبه مهما كان منصبه ومكانته في المجتمع والدولة.

ولكن في في البلدان المتخلفة لايقيم للخطأ الاستراتيجي الكبير الذي يدمر بلدا اي اهمية تذكر فضلا عن الخطأ الصغير. فالقائد الضرورة لا يسأل عما يفعل ويتصرف حسب هواه وبما تمليه مصالحه الشخصية ونزواته الطائشة، فهو فوق القانون. فقد ارتكب صدام حسين خطأ تاريخيا عندما غزا الكويت وتحدى المجتمع الدولي، ومازال العراق والمنطقة يعانيان من تداعياته القاتلة. والحزبان الكرديان ارتكبا خطأ استراتيجيا كبيرا عندما تخليا عن اقليمهما المستقل اداريا وسياسيا عن بغداد منذ 1992 ولم يعلنا الاستقلال بعد سقوط الدولة العراقية، بل اعادا عقارب الساعة الى الوراء وارتضيا ان يخضعا للنفوذ العراقي ثانية وشاركا في تشكيل الدولة من جديد جريا وراء سراب الديمقراطية العراقية والوعود الكاذبة للاحزاب الشيعية الحاكمة بتطبيق المادة 140 واعادة المناطق كردية المغتصبة الى الاقليم، متناسيان ان الديمقراطية لا يطبقها اناس غير ديمقراطيين، وان الافكار الطائفية المبنية على اساس الانتقام والثأر لايمكن ان تبني دولة ديمقراطية، فراهنا على حكم الاحزاب الميليشياوية الدموية على تسوية القضية الكردي من خلال الدستور والمباديء الديمقراطية، فخسرا الرهان ووضعا الشعب الكردي في ازمة غير قابلة للحل.

وازاء الخرق المستمر لبنود الدستور من قبل تلك الاحزاب الشيعية واستعمال البرلمان كمطية لتحقيق اهدافها التوسعية، وقف الكرد عاجزين أمام هذه التجاوزات بسبب وجودهم الضعيف وغير المؤثر في البرلمان العراقي، فهم يمتلكون أقل من ربع المقاعد في البرلمان (50 مقعدا او اكثر بقليل من مجموع 325 مقعدا). لذلك فهم دائما بحاجة إلى أصوات الكتل الأخرى الكبيرة لتعطيل أو تفعيل مشروع سياسي كبير. في حين أن الدستور العراقي في العهدين الملكي والجمهوري يشير إلى أن العراق شراكة بين قوميتين رئيسيتين ومكونين أساسيين، عربي وكردي، والدستور البعثي أيضا يقرر أن العراق مكون من قوميتين رئيسيتين، القومية العربية والقومية الكردية، في حين أن النظام «الديمقراطي» الجديد يؤكد على أن العراق يتشكل من عدة مكونات رئيسية، وهي «المكون الشيعي والمكون السني والمكون الكردي والمكون التركماني والمكون اليزيدي والمكون المسيحي.. إلخ»، وهذه المكونات بدورها تتشكل من احزاب مختلفة لا تحصى وكل حزب يسعى الى تحقيق مكاسب كبيرة من خلال العملية الديمقراطية. وفي النهاية لا يمكن لاي حزب او مكون التوصل إلى حل نهائي في أي قضية مفصلية كبيرة ما لم تتوافق عليها جميع هذه المكونات والاحزاب المتناقضة فكريا وطائفيا وعرقيا، وهذا شبه مستحيل، وأبرز مثال على ذلك المادة 140 الدستورية التي ما زالت تنتظر توافق الكتل والمكونات والإثنيات المختلفة منذ سنوات من دون نتيجة.

وفي خضم انشغال الأكراد بمتاهات العمق العراقي وانهماكهم بمشكلاته وأزماته الكثيرة، ومحاولاتهم المتواصلة للتوفيق بين الفرقاء السياسيين في خلافاتهم الطائفية وصراعاتهم السياسية، وتقديم مبادرات تلو مبادرات لهذا الغرض، تميعت القضية الكردية وفقدت جزءا كبيرا من تفردها وخصوصيتها القومية لصالح الخصوصية العراقية العربية.