خلفيات الوساطة الفرنسية إزاء التصعيد الإيراني الأميركي

هل ستتمكن المبادرة الفرنسية من لجم التصعيد الإيراني الأميركي عبر بوابة مفاوضات البرنامج البالستي؟

رغم التصعيد الحاصل في ناقلات النقط بين إيران والولايات المتحدة ودخول بريطانيا في هذا المسار التصعيدي، ثمة مبادرة فرنسية انطلقت لتخفيف التوتر وقبلها مبادرة ألمانية أنهيت في مهدها. والخلفية واحدة في كلتا المبادرتين، قاعدتها الأساسية هي جر طهران لمفاوضات جدية حول برنامجها الصاروخي الباليستي المرفوض إيرانيا في الأساس منذ انطلاق مفاوضات الخمسة زائد واحدا حول البرنامج النووي.

فإيران التي تمكنت خلال العقود الماضية من تكريس موقعها كدولة إقليمية متوسطة النفوذ، ارتكزت في ذلك على قواعد ثلاثة لحماية أمنها الحيوي وتكريس هذا الواقع الذي تتوجس منه دول إقليمية عدة، هذه القواعد البرنامج النووي والصواريخ البالستية وأذرعها الخارجية،.هذه الثوابت الايرانية سرعان ما اهتزت بعد وصول دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، وبخاصة بعد انسحابه من الاتفاق النووي. واليوم شرعت الولايات المتحدة في حرب ضد إيران عبر الحصار الاقتصادي والعسكري لكن دون الشروع حتى الآن في عمليات عسكرية نوعية. في هذا الوقت أعلن الأوروبيون عن معارضتهم للانسحاب الأميركي من الاتفاق وتمسكوا به، إلا أنهم عجزوا عن منع بعض شركاتهم الهروب من إيران. ومع تزايد التوتر تقدم الأوروبيون بمقترحات التوسّط بين واشنطن وطهران، كانت بمثابة نقل للشروط الأميركية بلهجة دبلوماسية مخففة إلى حد ما لطهران، الأمر الذي يفسر مثلاً فشل زيارة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس. إلى طهران، وحاليا تُعلق الآمال على وساطة قامت بها الدبلوماسية الفرنسية التي أوفدت إيمانويل بون، كبير المستشارين الدبلوماسيين للرئيس الفرنسي إلى طهران، الذي حمل مبادرة جديدة اتخذت طهران موقفا مبهما منها، فلم ترفض ولم تقبل، بحسب مصادر الرئاسة الفرنسية التي سرَّبت المعلومات لصحيفة "لو فيغارو"؛ لكن دبلوماسيا إيرانيا اعتبر المبادرة بأنها "أميركية أكثر منها فرنسية"، وكشف أن إيران رفضت ثلاث مرات استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بسبب عزمه إثارة موضوع الصواريخ الباليستية وسياسة إيران الإقليمية.

وعادة ما تلجأ الولايات المتحدة كما إيران، إلى أسلوب إدارة الأزمة بالأزمة بهدف إيجاد الظروف المناسبة لمراكمة الضغوط على طهران، فتضع البرنامج النووي في الواجهة رغم إدراكها أن طهران تلتزم بواجباتها حتى الآن في إطار الاتفاق النووي، إلا أن الهدف الأساس لا علاقة له بالبرنامج النووي، وإنما الحدّ من تطوير البرنامج الباليستي الإيراني. باعتبار أن سلاح الردع الفعلي والعملي الذي تمتلكه طهران وتعمل على تعزيزه وتطويره كماً ونوعاً وعلى نقله إلى حلفائها هو سلاح الصواريخ، وليس أي سلاح آخر.

منذ العام 2009 بدأت إسرائيل في مضاعفة الإعلان عن مخاوفها لدى الغرب من البرنامج الباليستي، على قاعدة أن دخول طهران نادي الصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية مثل صاروخ "سفير"، يعني إمكانية إنتاج أجيال صواريخ عابرة للقارات تصيب مدناً أوروبية وبالتالي سيكون خطرها فتاكا إن حُمّلت برؤوس نووية. وقد ظل هذا الملف عالقا في الاتفاق النووي، إذ أن قرار مجلس الأمن المتعلق بالاتفاق اكتفى بالطلب من طهران دون إلزامها عدم تطوير صواريخ يمكن تزويدها برؤوس نووية.

في العام 2015 تعمّدت طهران إجراء ابرز التجارب الصاروخية في يوم مصادقة البرلمان الإيراني على بنود الاتفاق النووي، وهو صاروخ "عماد" بعيد المدى والكامل التوجيه والذي اعتبر نقلة نوعية في البرنامج. وبذلك كانت التجربة رسالة واضحة بعدم التفاوض على صواريخها.

في المحصلة تعتبر طهران أن البرنامج الصاروخي هو برنامج استراتيجي لا يمكن التفاوض حوله، في وقت يقدر مراقبون أن طهران في وارد التفاوض على برنامجها النووي لجهة آليات التأخير في مقابل ثني الغرب عن ملاحقة برنامجها البالستي الذي تعتبره ركنا أساسيا في حماية أمنها القومي ووسيلة ردع في ظل عدم التكافؤ الجوي، فهل ستتمكن المبادرة الفرنسية من لجم التصعيد الإيراني الأميركي عبر بوابة مفاوضات البرنامج البالستي؟ أو أقله التوصل لتسوية ما عجز عنه قرار مجلس الأمن بخصوص الاتفاق النووي.