رئيس لدولة لا وجود لها

كل الطبقة السياسية اللبنانية بمختلف أطيافها لا قيمة فعلية لها.
هل الرئيس اللبناني مجرد شاهد على بلد "ذاهب إلى الجحيم"
ميشال عون يُفاجئ زعيم حزب الله أحيانا بولائه المبالغ فيه
ورطة الجنرال صارت عائلية بعد فرض العقوبات الاميركية على جبران باسيل

يمر أحيانا في الأخبار اسم ميشال عون. ما هذا الميشال عون؟ هل هو سيء الحظ أم مجرد نقلة في لعبة شطرنج؟

قال تعليقا على حدث فاجع "البلد ذاهب إلى الجحيم" وهو يقصد لبنان الذي هو رئيسه والذي سبق له أن دخل حربا إدعى أنها من أجله.

إذا كان البلد الذي تتزعمه ذاهبا إلى الجحيم من غير أن تقوى على إيقاف ذهابه فهل أنت مجرد شاهد؟

لم يقع عون بالصدفة في لعبة "لبنان". نعم صار لبنان لعبة يتمكن من الدخول إليها من أجل المساهمة فيها كل مَن يصل إلى واحد من مفاتيحها.

عون وإن كان رئيسا فإن المفتاح الذي بيده لا يصلح للاستعمال إلا إذا فحصه حزب الله وحدثه وأعاده إلى الاستعمال، لكن لزمن محدود.

الرئيس ميشال عون تم احضاره من باريس ليكون رئيسا وكان متوقعا أن

يذهب إلى قفص المحاكمة بسبب جرائم حرب قيل إنه ارتكبها.

كان حزب الله قد أخر الاستحقاق الرئاسي سنتين من أجل أن يفرض مرشحه الجنرال الذي ما كان عليه سوى أن ينحني طاعة للحزب الذي فرضه على لبنان من غير أن يتذكر أن مسيحيته هي التي كانت أساس وجوده في السلطة وهو الأساس الذي يقول فريق من المسيحيين إنه خانه.

ما يؤكده البعض أنه رضي لنفسه أن يكون واجهة مزيفة لحزب الله في مقابل أن يكون رئيسا. منصب هو استحقاق مسيحي صار المسيحيون ينظرون إليه بازدراء كما أنه لم يعد يعنيهم.

من وجهة نظرهم فأن عون في كل ما فعله لم يكن حريصا على التوازن الطائفي الذي أقيم على أساسه النظام الطائفي في لبنان.   

لم يكن حزب الله يحركه من وراء ستار. ولم يكن تنفيذه لأوامر وتعليمات حزب الله ليتم بناء على تشاوره مع الفريق السياسي المسيحي الذي لم يظهر حماسة تُذكر لتعيينه رئيسا للجمهورية. كان ينطق بما تلقاه عن طريق التلقين. فهو أحيانا يُفاجئ حسن نصرالله زعيم حزب الله بولائه المبالغ فيه.

ما هذا النوع من الرؤساء الذي يمثله ميشال عون؟

يبلغ عون من العمر الخامسة والثمانين سنة. وهي سن يُحسد عليها ولكنها لا تؤهله لقيادة بلد إشكالي ذي أزمات متعددة وشائكة ومركبة ومستعصية على الحل مثل لبنان.

في الجانب الآخر فإن لبنان الذي عُرف عربيا بحيويته الشبابية واتصاله بالعالم بطريقة معاصرة بدا واقعا في المأزق بين شخصين مسنين يتحكمان بمصيره. ميشال عون ونبيه بري (ولد عام 1938).

ذلك وضع مناسب لحزب الله لكي يضع رئيس الوزراء "السني" تحت إبطه. 

وإذا ما عرفنا أن جبران باسيل هو زوج ابنة ميشال عون قد وضعته الولايات المتحدة تحت العقوبات بسبب ولائه لحزب الله فإن ورطة الجنرال صارت عائلية. وهو ما يعني استحالة فك الارتباط الذي صار مصيريا.

جبران يقاتل على جبهة مسيحية زعيما هو الآخر بعد أن كان ممثلا لعمه ومحتميا به. أكسبته العقوبات الأميركية نوعا من المكانة المميزة لدى حزب الله. ولكن الجنرال صار أسير الحماقات التي يرتكبها صهره.

في لبنان كل شيء جائز ومقبول. وبالأخص بعد أن انتصرت الطبقة السياسية على الشعب وهو ما أصبح مؤكدا بعد انفجار الرابع من آب. وكما يبدو فإن حزب الله، وهو متعهد إيراني للهيمنة على لبنان، كان في حاجة إلى ذلك الانفجار ليؤكد أن كل شيء في لبنان حتى رئيسه صار تحت السيطرة وأن أحدا حتى لو كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لن يستطيع أن يفك وثاق البلد الذي يتمتع رئيسه بالجنسية الفرنسية وبصفة لاجئ سياسي في فرنسا.

في ظل تلك الهيمنة فلا دور لأحد في لبنان.

كل الطبقة السياسية بمختلف أطيافها لا قيمة فعلية لها. مَن يحتمي من أفراد تلك الطبقة بحزب الله انما يقوم بذلك ليس لدوافع وطنية أو عقائدية بل ليجد سندا قويا للاستمرار في عمليات الفساد بعد أن صار معلنا أن حزب الله يقود جيشا من الفاسدين هم المسؤولون عن الانهيار الاقتصادي الذي انتهى إليه لبنان.

ألا يشعر الجنرال وهو المقيم في قصر بعبدا بحراجة موقفه أمام الشعب اللبناني الذي صار يرى بعينيه المنتصرين عليه يمارسون حياتهم المترفة والباذخة فيما تضيق سبل العيش أمامه؟    

وإذا كان الرئيس قد غسل يديه من إمكانية أن ينجو من الهلاك ذلك البلد الذاهب إلى الجحيم فإين تقع الضرورة في استمراره رئيسا؟ هل يستهويه الذهاب إلى الجحيم باعتباره رئيسا إلى ذلك البلد؟

ليس موقفه صعبا. الأصعب من كل شيء أن لا يستطيع الرئيس التخلص من الخضوع لفكرة أن القوة التي وضعته على كرسي الرئاسة هي نفسها التي جعلت كرسيه معلقا في الهواء بعد أن محت كل أثر للدولة.

أصعب ما يمكن أن يقوله اللبنانيون عن رئيسهم إنه رئيس لدولة لا وجود لها. ولكنها الحقيقة.