رائحة المرأة بين العلم واللغة

العلماء يعتقدون ان هناك سبع روائح أساسية فقط تتركب منها كل الروائح الأخرى، والعرب يعرفون عالم الروائح ويميزون بين أنواعها كما يتعرفون على روائح النباتات والحيوانات والحشرات، ويتوقفون طويلا عند رائحة الجسم وعلى الأخص جسم المرأة.
'إجماع شمي' ما على رائحة معينة، وخاصة بالنسبة للروائح الكريهة
العلم يعتبر أن لكل إنسان بصمة لرائحته المميزة التى ينفرد بها وآية قرانية تدل على ذلك
تجارب علمية للوصول إلى ما يعرف بـ'الشم المرئي'

ما الذي يحدث للإنسان أو الحيوان عندما يشمُّ رائحةً ما؟ وما الذي يحدث في المخ من عمليات معينة عندما تصل إلى أحد مراكزه أو خلاياه العصبية هذه الرائحة أو تلك، وكيف يستطيع المخ تمييز الروائح، ما بين الزكية والخبيثة، أو بين الطيبة والكريهة، وكيف تدلنا رائحة ما على أن هذه النبتة هي الياسمين، أو القرنفل، أو الثوم أو البصل، قبل أن نراها؟ أو أن هذا الطبق الموجود على مائدة الطعام به أسماك أو برتقال أو تفاح، دون أن نكشف عنه؟
كما أن هناك روائح نعرفها على الفور رغم أننا قد لا نكون رأينا المسبِّبَ لها، مثل "النفتالين"، الذي يعد واحدا من أقوى الروائح، له جسم أبيض لامع متبلر ذو رائحة قوية ونفّاذة، ويستخدم في صنع المواد الملوَّنة.
إن الشمَّ من أبسط وسائل تمييز الأشياء دون رؤيتها. وكل ما حولنا من أشياء له رائحته المميزة التي يمكن التعرف عليه عن طريقها، لكن حاسة الشم الآدمية لا تستطيع تمييز كل هذا الكم من الروائح، فمعظم الفقاريات ذات حاسة شم أقوى من الإنسان، وهي تستخدمها في البحث عن طعامها والتعرف على أعدائها ووليفها، لذلك كان على الإنسان الاستعانة ببعض هذه الحيوانات في بعض الأحيان لرصد الروائح التي يعجز عن رصدها (استخدام الكلاب مثلا). 
ويعتقد العلماء أن هناك سبع روائح أساسية فقط يتركب منها كل الروائح الأخرى (مثلها مثل الألوان الأساسية، وهي: الأرزق والأحمر والأصفر) لكنهم لم ينجحوا بعد في تحديدها، وتتوالى التجارب العلمية في هذا الشأن، في محاولة للوصول إلى ما يعرف بـ"الشم المرئي"، وتعتمد تلك التقنية على فكرة التغير اللوني الذي يحدث في مجموعة من الصبغات عند تعرضها لبخار المواد الكيميائية المختلفة أي للروائح.
ويعتقد العلماء أن هذه الأنف الجديدة أكثر حساسية من 10 إلى 100 مرة عن أنف الإنسان في استشعار العديد من المركبات، ويمكن استخدامها في مصانع الأطعمة والمشروبات للكشف عن تواجد النكهات والإضافات المختلفة بالمقادير الصحيحة في تلك المنتجات أو تحديد التالف منها، وفي مصانع الروائح لكشف المنتجات المزيفة وفي أماكن تفتيش الأفراد وأمتعتهم للكشف عن وجود النباتات المحظورة أو المخدرات وذلك بمجرد تمرير الجهاز على الأمتعة. 
ولكن هل تختلف رائحة الشيء الواحد من إنسان إلى آخر، بمعنى أنني أشم رائحة الخلّ، بينما الرائحة نفسها يشمها شخص آخر بطريقة أخرى، فيقول إن تلك الرائحة ليست رائحة الخل، وإنما رائحة النعناع، بينما يرى ثالث إنها رائحة المشمش .. وهكذا؟
تكمن الإجابة في الطريقة التي تُشفر بها خلايانا العصبية تلك الرائحة. فمن الشائع أن ندرك رائحةً واحدة تهيمن على أخرى. ذلك نتيجة اختلاف خلايانا العصبية في "عملية تفسير الرائحة"، وفق أستاذ العلوم البيولوجية في كولومبيا ستيوارت فيريستين.
يضيف "فيريستين" في تصريحات لمجلة "العِلْم" أن التأثيرات القمعية والمعززة للروائح تقع في أعماق خلايانا العصبية، وتلك التأثيرات تختلف من شخص إلى آخر، ما يؤكد اختلافنا الفريد حتى على مستوى نظمنا العصبية.

'الماء العاشق' تعتبر ان ما من إنسان إلا ويتعطر لأسباب كثيرة
'الماء العاشق' تعتبر ان ما من إنسان إلا ويتعطر لأسباب كثيرة

لكن السؤال لا يزال مطروحا، هل الرائحة التي أشمُّها أنا غير الرائحة التي يشمها شخص آخر لنفس الشيء؟
لو حدث هذا – ونحن نشمُّ مئات الروائح يوميا – لفسدت الآراء وتعارضت حول الواقع حولنا، وبالتأكيد هناك إجماع شمي ما على رائحة معينة، وخاصة بالنسبة للروائح الكريهة، أو التي تحمل ضررا ما. فقد يشم شخص رائحة عفونة طعام ما، على أنها رائحة طيبة ويبدأ في تناول هذا الطعام، فيصاب بنوع من أنواع التسمم.
إن نظام حاسة الشم يتعامل مع مدخلات معقدة للغاية، عادةً ما تكون خليطًا من الروائح.
تقول موسوعة "ويكيبيديا" إن الرائحة - أو الأريج - هي الخاصية التي تمتلكها بعض المركبات الكيميائية المتطايرة في الهواء على الأرجح بتركيز منخفض جداً، والتي يدركها الإنسان أو الحيوانات الأخرى بواسطة حاسة الشم. ومن الممكن أن تكون الرائحة زكية كرائحة الورود أو العطور أو الفاكهة، وقد تكون رائحة كريهة كرائحة القمامة أو عوادم السيارات. ومعظم المواد التي تملك رائحة هي مركبات عضوية مثل "الفينولات".
وفي موسوعة "معرفة" نجد أن الروائح odor، هي مركبات كيمياوية متطايرة ناتجة من مواد طبيعية أو مصنَّعة يتحسس بها الجهاز العصبي عن طريق حاسة الشم التي تعكس الحالات الانفعالية والسلوكية للإنسان أو الحيوان. وتوجد أجهزة تقنية حديثة، حسَّاسات، تتحسس بالغازات التي تتحول إلى لون أو إشارة رقمية أو صوتية أو ضوئية أو بيانية.
ويخبرنا العلم أن لكل إنسان بصمة لرائحته المميزة التى ينفرد بها وحده دون سائر البشر أجمعين، والآية 94 فى سورة يوسف تدل على ذلك. قال الله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ}. ففى هذه الآية الكريمة تأكيدا لبصمة رائحة سيدنا يوسف التي تميزه عن كل البشر، والتي شمَّها أبوه النبي يعقوب على مسيرة ثمانية أيام. واستغلت هذه الصفة المميزة أو البصمة فى تتبع آثار أى شخص معين، وذلك باستغلالها مثل كلاب "الوولف" التي تستطيع بعد شم ملابس إنسان معين أن تخرجه من بين آلاف البشر.
ولا شك أن هناك روائح تبعث على السعادة والابتهاج والنشوة والحركة والثقة بالنفس والتفاعل أو الاسترخاء. كما أن هناك روائح تبعث على الخمول والإيذاء والضرر والنفور والتقزُز والعنف، لذا نجد أن هناك عطورا تباع بأغلى الأثمان، لمجرد التفنن في تركيبتها فلا يستطيع أحد تقليدها، بل إن هناك شركات عالمية ضخمة لصناعة العطور وتسويقها عالميا، ومهما بلغت أسعارها فلها زبونها ومشتريها. 
وفي روايتي "الماء العاشق" قلت: "ما من إنسان إلا ويتعطر لأسباب كثيرة، ولا فرق بين فقير وغني، بين مسلم ومسيحي ويهودي وبوذي وزرداشتي ووثني، الكل يتعطر، ولا يوجد عطر حرام وعطر حلال، ولكن يوجد عطر غال وعطر رخيص. عطر (مضروب) وعطر أصيل، عطر ذو رائحة نفّاذة، وعطر لا رائحة له، وليس فيه سوى اسمه، وهناك عطر رجالي وعطر أنثوي، وحديثا عطر للأطفال".
وقد عرف العرب عالم الروائح واستنشاقها وميزوا بين أنواعها، وإن لم يجروا تجارب علمية أو عملية على ما يحدث في المخ عند استنشاق رائحة ما، إلا أنهم عرفوا الفروق الدقيقة جدا بين رائحة ورائحة، وكيف تتحول الرائحة الطيبة إلى رائحة كريهة، وما الذي يحدث للبن أو اللحم أو الشراب – على سبيل المثال – إذا تُرك عددا من الأيام، كما عرفوا روائح النباتات والحيوانات والحشرات وغيرها، وتحدثوا عن رائحة الموت، ورائحة الموتى، وذُكرت الروائح بمسمياتها المختلفة في الكثير من أشعارهم ومعاجمهم اللغوية. كما توقفوا طويلا عند رائحة الجسم، وعلى الأخص جسم المرأة، وما ينبعث منه من روائح قد تكون زكية، وقد تكون غير ذلك. ومما قاله العرب عن رائحة المرأة:
يُقال للمرأةِ إذا كانت رائحةُ فَمِها طَيِّبَةً: رَشُوف. أي أن رشوفًا صفةٌ للمرأةِ إذا كانت طيبة الفم. أما إذا كانت طيبة رائحة اليد، فيقال لها: أَنوف. أي أنَّ أنوفًا صفةٌ للمرأة إذا كانت طيبة ريح اليد. أو ريحها طيبة بعامة. فيقال: امرأة أنوف.
ويُطْلِقُ العربُ لقب بَهْنَكَة: على الشابة الخفيفة الطيبة الريح. أما بَهْنَانة، فصفةٌ تُطلق على المرأة إذا كانت طيبة النَّفَسِ والريحِ عموما. والوَذِرَةُ: المرأة الكريهة الرائحة. والفَشُوش: المرأة التي يخرج منها ريحٌ عند الجماع. والمَرْدَقُوش (أو البَرْدَقُوش): طِيبٌ تجعله المرأة في مُشْطِها. وهو أيضا الزعفران. والعِنْفِصةُ: المرأةُ المُنْتِنة الريح. أما العَاتِكة، فهي المرأة المُحْمَرَّة من الطِّيب. والعَلِيْلَة: المرأة المُطَيَّبَة طيبًا بعد طيب. والجَخَرُ: رائحةٌ مكروهة في قُبُل المرأة. والنَّشْرُ يُطلق على ريح فم المرأة وأعطافها بعد النوم. ورَثَمَتِ المرأةُ أنفَها بالطيب: لطَّخَتْه. وأَقْتَرَتِ المرأةُ: تبخَّرتْ بالعود. والخُمْرَةُ: أشياء من الطيب تُطلى بها المرأة لتحسِّن وجهها. أما السَّفَط (جمع: أَسْفَاط) فهو ما يُعبَّأ فيه الطِّيب، وما أشبهه من أدوات النساء.
وقال شاعر:
إني ذَمَتْني ريحُها حين أقبلتْ ** فكدتُ لِمَا لا قيتُ من ذاكَ أَصْعَقُ
وذمتني: أي آذتني.
بينما قال المتنبي:
يضمها المسكُ ضمَّ المستهامِ بها ** حتى يصيرَ على الأعكانِ أعكانا
والأَعْكان: (اسم) جمع عُكْنَةُ، والعُكْنَة: ما انطوى وتَثنَّى من لحم البطن سِمَنًا. والعكْنَاءُ من الجواري: ذات العُكَنِ.