رجاء حميد رشيد تستعيد أباها عبر كتاب

نخبة من رواد الثقافة والصحافة في العراق شاركوا في كتابة مواد كتاب 'حميد رشيد كما يراه الإعلاميون'.

قبل أكثر من خمسة عقود رحل المترجم والصحفي الرائد حميد رشيد، بعد مسيرة طويلة قضاها في مجالي الترجمة والصحافة، لكن الذي حصل هو أن عائلته فقدت إرثه الصحفي والترجماني، بعد التخلص منه كون الراحل كان من معارضي السلطة آنذاك.

وبعد كل تلك السنين ومع سقوط النظام البعثي، بدأت العائلة رحلة البحث عن إرث الراحل، وكلفت بالمهمة ابنته الصحفية رجاء التي تعمل في المكتب الإعلامي لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، والتي بدأت بالتقصي عن أصدقاء ورفاق والدها، من المثقفين والصحفيين والمترجمين لتخرج لنا بكتاب يؤرشف للراحل الكبير.

فعن دار نايا للفنون المرئية والطباعية والنشر، صدر كتاب "حميد رشيد كما يراه الإعلاميون" لمؤلفته الكاتبة والإعلامية رجاء حميد رشيد، وجاء الكتاب في أكثر من مئة وخمس وعشرين صفحة من القطع المتوسط.

وشارك في كتابة مواد الكتاب نخبة من رواد الثقافة والصحافة في العراق، الذين عاصروا الكاتب والإعلامي والمترجم الراحل حميد رشيد.

وجاء في مطلع الكتاب إهداء جميل من المؤلفة، فضلاً عن كلمة شكر وتقدير من قبلها لكل من أسهم صدور الكتاب.

وفي الاستهلال الذي كان تحت عنوان "أفتقدك أبتاه" والذي كتبته المؤلفة نفسها جاء ما نصه "جاءت فكرة تأليف كتابي هذا بعد أحداث عام 2003 بعد أن سنحت لي الفرصة للتعرف على أصدقاء وزملاء أبي في مهنة المتاعب، فقبل هذا التاريخ وفي زمن العهد البائد، كانت الكلمة ثمنها غاليا وقد يدفع الشخص حياته مقابل كلمة".

أما المقدمة التي جاءت بعنوان "رأيت أبي بعيونهم وعرفته أكثر بكلماتهم" فقد جاء فيها ما نصه "بدأت بالبحث والتقصي للتعرف إلى الصحفيين الرواد ممن كانوا زملاء وأصدقاء أبي رحمه الله، فضلاً عن زياراتي الكثيرة لأرشيف دار الكتب والوثائق وجمع المعلومات من خلال ما نشر عنه في الصحف والمجلات خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم".

كما تضمن الكتاب شهادات كتبها صحفيون من رواد الصحافة العراقية، حيث بلغ عدد الشهادات (18) شهادة تتحدث عن سيرة الصحفي اللامع والراحل الكبير حميد رشيد.

الصحفي الرائد محسن حسين جواد كانت له أولى الشهادات حيث كتب ما نصه "كان حميد رشيد مثالاً للصحفي الذي يعتز بنفسه وقدراته الصحفية، وعندما أسسنا وكالة الأنباء العراقية كنا نتوقع أن يكون هو مديرها، لكننا لم نعلم أننا في الوقت الذي انشغلنا في العمل الصحفي اليومي منذ أوائل مارس/آذار إلى أوائل نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1959 كانت الحكومة قد كلفت المحامي أحمد قحطان على أن يكون هو المدير العام، وهذا ما حدث فعلاً، وفي الأيام الأخيرة لعملنا في الإذاعة، جاءنا أحد الموظفين وطلب ما أعددناه من أخبار في ذلك اليوم ليطلع عليها أحمد قحطان الذي كان يجلس مع مدير الإذاعة والتلفزيون آنذاك ذو النون أيوب، فثارت ثائرة حميد رشيد ورمى الأخبار على الموظف وترك الإذاعة ولم يعد للعمل مطلقا رغم كل توسلاتي".

بينما كتب الصحفي فخري كريم رئيس تحرير صحيفة المدى ما نصه "حميد رشيد بالنسبة لي لم يكن صديقا عابرا أو أخا ارتضيته ولم تكن أمي قد ولدته، بل هو إضافة قيمية تجسدت في إنسان لم يشبه غيره ممن بدأت رحلتي معهم، فقد كان علامة فارقة رافقتني، وكم كانت سعادتي كبيرة إنني لم أشهد رحيله، لأنه بذلك ظل حيا في ذاكرتي".

بينما كتب الباحث والصحفي حسن العلوي شهادة مهمة جاء فيها "كان حميد يعمل مثل نملة مخلصة تعدّ لشتاء صعب، وكنت أنا من حزب آخر، كنت بعثيا وكان شيوعيا، وما اختلفنا مرة ولا اضطرخ الخلاف بيننا، فبقينا نهمس مع أنفسنا وكان كل واحد منا هو الآخر، فقد كنت أفكر بطريقته، وكان يحترم طريقتي".

أما الإعلامي المغترب خالد الحلي فقد استذكر زميله بالقول "كانت للصديق الراحل حميد رشيد اهتمامات عديدة خارج إطار العمل الصحفي البحت، فقد كان مثقفا موسوعيا، وكانت قضايا السياسة والمجتمع والفكر والإبداع والثقافة بمفهومها العام من مشاغله الدائمة، وفي هذا الإطار كان يستضيف في داره جلسات سياسية وأدبية، تعرفت في إحداها على الشاعر الكبير مظفر النواب لأول مرة في حياتي، عندما جاء في زيارة مفاجئة، وكان يومها مطاردا ومطلوبا من الجهات الأمنية، بعد هروبه من سجن الحلة مع مجموعة من السجناء السياسيين".

الصحفي المخضرم زيد الحلي كانت له شهادة أيضا حيث كتب ما نصه "عندما نتذكر حميد رشيد، نستذكر مواقفه في تجذير القيم المهنية العالية، فلم أره يوما يغتاب أحدا، أو يشر إلى نقيصة ما في سلوك أحد الزملاء، وأيضا نستذكر مساهماته مع زملاء آخرين في تأسيس شواهد وشواخص إعلامية مهمة في الحقل الصحفي والإعلامي".

وكانت للصحفي الرائد صادق الأزدي كلمة جميلة استذكر فيها زميله الراحل بالقول "كان المرحوم حميد رشيد من أكفأ المحررين الذين عرفتهم الصحافة العراقية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، وكان يؤدي أكثر من عمل في الجرائد التي عمل فيها، ولا يحصل إلا على القليل، ومن هنا جاء اضطراره إلى العمل في أكثر من جريدة، وكان حميد رشيد قد تعلم اللغة الإنجليزية وأجادها من غير معلم، وصار من المترجمين المرموقين".

القيادي في الحزب الشيوعي العراقي ورئيس تحرير جريدة طريق الشعب كتب عن الراحل شهادة رائعة جاء فيها" لا بد لي من الإشارة هنا إلى أن حميد رشيد كان من القلة النادرة في العراق يومذاك التي تتذوق الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية وتتمتع بالاستماع إليها، وأن فضلاً كبيرا في ذلك يعود إلى إتقانه الإنجليزية، فلولا ذلك لما استطاع الإطلاع على الكثير".

وكتب الصحفي الرائد سجاد الغازي شهادة قال فيها" يخيل لي أن الرحل الكبير حميد رشيد ربما كان في سلوكياته قد تأثر بالأدبيات الصوفية، وبخاصة في زهده، فقد وجدت في مقام مرتبة المحبة عند الصوفية أثره الكبير في الحد من العنف، وهو كماركسي كان صادق الإيمان عن إقناع عميق وتفهم موضوعي، بعيدا عن التعصب".

كما وردت في الكتاب مقالات وحوارات كثيرة مع مجايلي الراحل الكبير، أشارت جميعها إلى عبقرية حميد رشيد وتفرده عن زملائه بفيض ثقافته الموسوعية وخلقه العالي ومهنيته المميزة.

واحتوى الكتاب أرشيف صور توثق لحياة الراحل على مستوى العمل سواء كانت صور مع زملائه أو صور لمنشوراته في الصحف والمجلات العراقية.