رزان إبراهيم تقدم رؤى وتأملات في البنية السردية للرواية التفاعلية

الرواية التفاعلية هي الرواية التي تلقفها منتجوها في عالمنا العربي بتأثير من الغرب كما العديد من الأنماط السردية الجديدة، وبتأثير من سطوة وسيط جديد تقدم من خلاله النصوص السردية.
كثير من الروايات التفاعلية لم يكتمل فنيا ولا فكريا ولا حتى تفاعليا
الرواية التفاعلية ترفض الحلول الجاهزة، وتعارض تطورا بشريا يتسم بالخطية

تتناول ورقة الباحثة الأردنية د.رزان إبراهيم نمطا سرديا جديدا يجسد تعالقا حيا بين الأدب وعلوم تكنولوجية تخلقت معها تقنيات بصرية وسمعية متنوعة، من شأنها السماح بانتقال المعلومات بيسر وسهولة في ظل نظام عالمي جديد حمل شعار التلاقحات الثقافية التي جاءت بها عولمة اختفت معها الحدود، وساهمت في شيوع  ظاهرة الرواية التفاعلية موضوع هذه الورقة.
وتقول إبراهيم – في المشاركة التي قدمتها في ملتقى الشارقة للسرد "الرواية التفاعلية .. الماهية والخصائص" الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان خلال الفترة من 17 – 19 سبتمبر/أيلول 2019 – إن الرواية التفاعلية هي الرواية التي تلقفها منتجوها في عالمنا العربي بتأثير من الغرب كما العديد من الأنماط السردية الجديدة، وبتأثير من سطوة وسيط جديد تقدم من خلاله النصوص السردية، بما استدعى تنظيما مختلفا للمادة الحكائية. 
من هنا تطرح الورقة تساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا النمط الجديد، مع محاولة لفهم إجراءات قرائية جديدة تتواءم وتغيرات بنائية لافتة على مستوى الأحداث والشخصيات والزمان والمكان والافتتاحيات التمهيدية، والراوي والمروي له اللذين يتعالقان على نحو خاص في رواية يكون المروي له فيها حاضرا دائما في ذهن المؤلف الذي يشكل بنيته السردية إرضاء للمروي له، ورغبة في التأثير به وجذب انتباهه. 
وعن الرواية التفاعلية: المصطلح والبنية توضح الباحثة الأردنية في الجلسة التي ترأسها الناقد د. صلاح فضل أننا بصدد الحديث عن شكل روائي يستخدم النص المتفرع ومؤثرات الملتي ميديا المختلفة، أما الكاتب فقد يكون شخصا واحدا يتحكم بالمسارات السردية، ويمنح القراء اختيارات التوجه لنقاط مختلفة في النص، كما يمنحهم فرصة التعليق عليه، بما يفتح الباب على مشراعيه لتنقل حر بين المسارات السردية المختلفة التي يحتويها النص. وقد نقع على رواية تفاعلية من نمط آخر يبقى قيد الكتابة إذ يشترك في تأليفه أكثر من كاتب. وفي الحالتين لا بد من كاتب يكون عالما بالتقنية الرقمية وقادرا على تطبيقها بحرفية، وعلى دراية ببرمجيات مرفقة مع النص الحكائي، مهمتها تحديد الكيفية التي يتقدم بها القارئ في القراءة النصية، من ذلك على سبيل المثال - تزويد البرنامج بما يحول دون تعريف القارئ بنتائج يخشى السارد البوح بها مبكرا، ولربما تزويدها بما يكبح عمل بعض الروابط، بما يرفع من درجة متعة القارئ وشغفه لمعرفة المزيد. 

ما قدمته الباحثة من ذكر لسمات الرواية التفاعلية يدخل في الصميم من أدب ما بعد حداثي يشكك بفكرة الأصالة في الأدب، ويزيل الحدود بين الأجناس الأدبية وبين الأشكال الفنية

من هنا - تقول الباحثة - صرنا نتداول مصطلح النص المتفرع الذي تعرفه (مايكروسوفت إنكارتا) بأنه يتضمن نظاما قادرا على تخزين صيغ مختلفة من المعلومات بإمكانيات تسمح بوصولها للنص الروائي، وكذلك صرنا نسمع عن برنامجي (story space) أو   (new   novelist) اللذين يسمحان بالوصول إلى النص، مما يؤكد ما ذكرناه سابقا من ضرورة أن يكون مبدع هذا الجنس الجديد ماهرا في توظيف الخصائص التي تتيحها تقنية النص المتفرع والتي تسمح بالربط بين النصوص خلافا للنمط الخطي، عدا عن روابط معدة يتيحها جهاز الحاسوب ضمن برنامج معالجة الكلمات التي من شأنها تظليل الكلمة المراد ربطها بنص آخر.
على الرغم من كثرة الشروحات، فإن مصطلح الرواية التفاعلية – كما ترى رزان إبراهيم - ينطبق على كل رواية تحدث فيها مشاركة، ويكون للمتلقين فيها دور ما.
وفي سياق الحديث عن البنية السردية للرواية التفاعلية، ترى الباحثة أنها تؤثث فضاءها بعناوين داخلية تسمح بقراءة النص منعزلا، وهي العناوين التي تتقدمها روابط قابلة للتنشيط، يتم من خلالها المرور بالعقد السردية، مما يعمل على تعزيز إمكانية الانتقاء بتقديم صورة مصغرة ومركزة عن الأحداث أو الشخصيات التي تستثير فضول القارئ، وتغريه للخوض في فضاءات متنوعة تأخذه عبر أزمنة متقلبة من خلال تقديم عقدة أو تأخير أخرى، فيقع القارئ في تقلبات زمنية، وتصبح الطريق ما بين البداية والنهاية متشعبة وغير يقينية تغري بالمضي بحثا عن معنى يكتشف القارئ مع كل توغل له فيه أنه يتسرب من بين الأصابع، بما يطرح سؤالا إن كان من شأن الرواية التفاعلية تدمير المعنى وإحالته إلى شظايا متناثرة. 
لو أخذنا نمطا من الروايات التفاعلية يشترك في كتابتها أكثر من شخص، كما يحصل في بعض المنتديات العربية على الشبكة، فإن معاينة لهذه الروايات قامت بها إحدى الباحثات انتهت بنتيجة أن كثيرا منها لم يكتمل فنيا ولا فكريا ولا حتى تفاعليا، كما تظهر الباحثة تعالقات ثقافية لافتة مردها أدباء أو قراء يختلفون في جذورهم. علما أن طبيعة هذه الروايات التفاعلية التي تسمح بدخول القراء على مختلف مستوياتهم، كان له أثره الواضح في تعددية المستويات اللغوية ما بين الفصحى واللهجات المحلية، مع ملاحظة غياب واضحة للمتخصصين بالأدب وحضور لافت للعادي وما دون العادي في بعض الأحيان. 
يلفتنا في الدراسة أيضا أن جنس النساء يكون طاغيا في هذه المنتديات، وكثير منهن تكتب بأسماء لا نعرف إن كانت حقيقية أو مستعارة، مع ملاحظة طغيان جنس الإناث أيضا على القراء اللواتي ينتمين إلى سن صغيرة. علما أن المتابع لهذه المنتديات يلاحظ أن الرواية تكتب على شكل أجزاء، ينشر على الأغلب واحد منها في الأسبوع الواحد، وقد يتم نشرها في أكثر من منتدى مع إمكانية تغيير اسمها واسم أبطالها، بما يؤدي إلى ضياع حق المؤلف، وقد تنقل في ذات المنتدى لعدة مرات. 
وتشير إبراهيم إلى أنه يغدو من الطبيعي أن نربط بين الفئة العمرية التي تنتمي إليها الكاتبات والقارئات معا وسمات أخرى وقفت عليها الدارسة؛ منها أن بعض العناوين حملت أسماء بعض الأغاني بعيدا عن موضوع الرواية، وأن أبطال الرواية هم من صغار السن أيضا، وكثير منها يرتكز على قصص حب مرتبكة ساذجة أو أحداث تراجيدية، وكثيرا ما تزخر نصوص المنتديات بتفاصيل اجتماعية تعبر عنها وفرة من الشخصيات في غمار سلسلة من الأحداث والمفاجآت. عدا أنها تتسم بالطول البالغ الذي يتيحه نظام النشر المتسلسل، هذا إن اكتملت الرواية. يضاف إلى هذا مجموع الأخطاء اللغوية التي يمكن الوقوف عليها فيها. علما أن هذا لا يعني أن ساحة المنتديات برمتها تنطبق عليها كل هذه السمات، فهناك روايات لا ينطبق عليها المذكور سابقا.  
وعن سلطة القارئ وأثرها في معمارية البنية السردية الجديدة للرواية التفاعلية توضح الباحثة أن فيرجينيا وولف كانت قد دعت رفقاءها الروائيين لتماس أكبر مع التجربة الإنسانية الحياتية، فهل نكون مع هذا الحضور الكثيف لمعلومات تتساقط علينا بلا حدود أكثر قربا من هذه الدعوة؟ وتقول: هنا ينتابني وأنا أرقب بعضا من المنتديات التي تنشر فيها الرواية التفاعلية شعور بالقلق تجاه نصوص محكومة بإرادة الحاسب الإليكتروني بكل الاحتمالات الممكنة التي يفرضها؟ فهل وقعت هذه الأنماط الروائية في حالة من التشتت والملاعبة الروائية والتشظي المبالغ فيه أم كانت أكثر قربا من التجربة الإنسانية الحياتية المتنوعة؟ وكيف تتأثر البنية المعمارية للرواية التفاعلية بقارئ جديد يعوم في فضاءات حرة؟ 
يذكر أن نسقا لا خطيا كالذي قدمنا له ستترتب عليه بنية حكائية تعتمد تقنيات التناوب والتجاور والتقطيع للمادة النصية وتوزيعها في مقاطع متعددة في بناء القصة، وهو ما يأتي من حيث المبدأ غير منقطع عن الرواية التجريبية التي يتنازل فيها الراوي عن وظيفته في الإمساك بيد المتلقي وتوجيهه إلى أبعاد النص ودلالاته. وإن كنا بصدد تأمل معمارية الرواية التفاعلية فنحن سنصادف حالة سردية تتقاطع مع ما عرفت به الرواية الحداثية من مرونة وتشظ وانفتاح وتنوع في المساءلة والاستكشاف. وهي رواية تتعدد فيها الحبكات، ويغدو معها القارئ هو مسير الحكاية، في وقت تتوالد فيه الحكايات لتتواجد معا في الوقت نفسه، وتتاح لها فرصة اتخاذ أشكال مختلفة من القراءات المختلفة في أوقات مختلفة. وهو ما تتخلق معه حالة من التوتر يبذل معها الناقد فور اكتمالها جهدا كي يعيد بناء القصة والتفاعل معها بطريقة تقوم على تركيز يسمح له بإعادة عناصر القصة المشتتة المتفرقة وتشكيلها في ذهنه، ليصل إلى نتائج متكاملة تتحقق بعد قراءة نص حافل بالعديد من الترابطات. 
في هذا السياق وبدءا من العنوان، يبدو  للباحثة جليا أنها تتحدث عن علاقة مختلفة بين الكاتب والقارئ، أصبح معها الطرف الثاني جزءا حيويا من بيئة العمل وأكثر تفاعلية  interactive معه، مع حضور واسع ممتد لوجهات النظر المتعددة. 
يضاف إلى ما تقدم أننا مع هذا النمط التفاعلي الذي تتحقق معه أكثر من قراءة بتنا نلاحظ نصوصا بحكم التفرع الذي تعتمده قد غدت خلوا من نقطة بداية أو نهاية واحدة محددة، فتصبح النصوص خير معبر عن الاتفتاح الحقيقي والاحتمالات غير المتوقعة التي تزدحم بها الحياة الحقيقية، لنكون قادرين على الحديث عن وسيط قادر على التعامل مع الأفكار المتصارعة عن طريق فيض معلوماتي في تشكلات لا تنتهي من الجمل والصفحات، بفضل عقد من المعلومات تربطها روابط، وتتيح للرواية أن تنضاف إليها الرسوم والأصوات والأشكال الجرافيكية المتحركة باستخدام روابط زرقاء، وقد تتراءى لنا هوامش على متن، ترتبط بالموضوع وتقدم إضاءة لفهم النص اعتمادا على تلك الوصلات.

وترى رزان إبراهيم أن تأملا للبنية السردية المتاحة وفقا لما أسلفنا يحيلنا إلى قارئ يعبر أرجاء السرد حرا يصنع خياراته أو مساراته الخاصة فيما يحب أو فيما يفضل قراءته، وكل ما عليه أن ينقر على رابط دون غيره، أو يختار شخصية معينة، وبالتالي يصبح بإمكان القارئ الواحد أن يقرأ الرواية الواحدة عدة مرات، كل مرة بطريقة مختلفة، وبإمكان عدة قراء أن يقرؤوا رواية واحدة، كل بطريقته وفقا للمسار الذي يختاره.  هنا نستذكر سلطة القارئ التي حلت مكان سلطة المؤلف، والتي تتجلى من خلال الحرية الممنوحة للقارئ كي يدخل إلى النص ويغير مساراته بمجرد النقر على الروابط، ولربما تجاهل بعضها الآخر لصناعة قراءاته الخاصة، أو بما هو ممنوح له بالاشتراك فعليا في الكتابة بالدخول في متن الرواية، وهو ما يستدعي تساؤلا فيما إذا كانت هذه الروابط تثير فوضى مقصودة فنيا!
وفي ظن الباحثة أن تمييعا للحدود بين الكاتب والقارئ الذي يكون مطلعا على مراحل تخلق العمل التي كانت حكرا على الكاتب وحسب من شأنه خلق فوضى من نوع ما، فالقارئ يعيد ترتيب النص من جديد انطلاقا من العقد التي يضعها الكاتب أمامه على شاشة الحاسوب، بما يدفعنا للتفكر مليا في دينامية اللعب الحر التي يخوضها القارئ، ويصبح من حقنا التساؤل آنئذ عن دور يمكن للناقد أن يقوم به في إطار مسارات سردية وعلاقات غير محددة تطبع علاقات الشخصيات مع بعضها البعض مع خلط مقصود بين الأمكنة، بل ومحو لكثير من المحددات المتعارف عليها في السرد. 
وهي تعتقد أن هذه الفوضى التي تحل بالعمل سببها ما أسلفنا من تفصيل حول روابط تسمح بتنقلات زمانية ومكانية وثيمية تأخذ القارئ أحيانا إلى مواقع بعيدة عن العالم الحكائي، وأحيانا روابط إضافية تسمح للسارد بتقديم شروحات وتعليقات تتعلق بحدث معين داخل مجرى السرد، ولكنها حالة، أي الفوضى تبقى محكومة في اتساعها أو ضيقها بانسجام العقد واتساقها، فإما تنتظم ضمن بنية يسودها التقارب تجعلها في حالة من الارتباط العضوي، أو تتشظى وتتنافر لو لم يحسن السارد استخدام الروابط التي هي بمثابة الخيط الناظم الذي يلم الشتات ويقوم بعملية التقريب الزماني والمكاني، ولربما قامت باستثارة القارئ للبحث عن تأويلات تكمن وراء هذه الروابط. 
وعن تمازج الثقافات في الرواية التفاعلية الواحدة توضح إبراهيم أن نظرة متأنية في بنية الرواية التفاعلية تدفعنا باتجاه إدراك تلك العلاقة التي تربط هذ الجنس الفني بعولمة تسمح بموضوعات مفرطة في حريتها، تتحرك بسرعة في سياقات غير مسبوقة، مع ملاحظة أنها تعمل من خلال تمازج ممنهج يسمح بالحديث عن رواية ما بعد حداثية اتخذت شكلا جديدا يمنحنا تنوعا مذهلا من القناعات والأفراد مع محاكاة ساخرة للعالم، ليبقى من المناسب دائما الإقرار بأن هذا النمط الروائي الذي يعد واحدا من إفرازات عالم اليوم، يفتح الباب واسعا باتجاه تمازج الثقافات في الرواية الواحدة بما يساهم في خلق أنواع جديدة من العقول والشخصيات القادرة على التفتح والازدهار في السياقات العولمية الجديدة، ولربما المساهمة أيضا في تشكيل الوعي الما بعد قومي، بمعنى أن انفتاحا على القراء سيكون له دوره الفاعل في تشكيل الطريقة التي يفكر بواسطتها الأفراد حول حيوات البشر خارج حدود أقاليمهم الخاصة فيغدو فكرهم عولميا. 
وتدلل على ما تقول بهذا المزيج الثقافي الياباني البريطاني الذي خلفه إيشيغورو في روايته )بقايا النهار/  (the remains of the day  بما يتناسب والتعقيدات العولمية الخاصة بالتنوع الثقافي على الأرض والتلاقح بين أمزجتها المختلفة، ولربما المناجاة مع الآخرين واستثارة النزعة التشكيكية تجاه بعض المعتقدات والمفاهيم في بعض الأحيان، لنكون في نهاية المطاف قبالة رواية تهدم الحدود بين اللغات الإنسانية سامحة باختراق الفصيح بالعامي والعربي بالغربي، بما يمكن أن نعده لغة سردية تختفي فيها الحدود الجغرافية والعرقية في إطار مناخ كرنفالي بعيد عن الشكل التقليدي للرواية الورقية.
وتتوقف الباحثة د. رزان إبراهيم عند تعالق الرواية التفاعلية مع الأدب ما بعد الحداثي، وتقول: إن كانت ما بعد الحداثة كفلسفة تعترف بقوى قاهرة تتحكم بالمجتمع، بما يدفعها لرفض وجود حقيقة مطلقة، وإن كنا نعرف عنها انتقائية تتجلى في اعتماد أعمالها الفنية على عناصر مستمدة من أجناس أدبية متعددة وتيارات وأساليب مستلة من مصادر متباينة، فإن هذا يعد مؤشرا على موقف عدائي اتخذته ما بعد الحداثة تجاه حداثة أسلوبية تحرص على صفاء الشكل وضرورة البعد عن الهجنة التي يسببها المزج بين مختلف الأجناس الأدبية. من هذا الباب وجدناها تعترض على ما تسميه السرديات العظمى، وتطرح فكرة مركزية تكمن في نفي وجود قصة لها بداية ونهاية تزعم أنها تمتلك الحقيقة، لاعتقادها أن المجتمع المعاصر متشظ ويتعذر فهمه كوحدة كلية. وهو ما يأتي منسجما مع ما قدمنا له من سمات لرواية شهدنا فيها ميلا باتجاه تحجيم أبعاد الهوية المتعلقة بالجنس الأدبي. ولو ذهبنا باتجاه ما هو أبعد من هذا، فإنه يصبح بإمكاننا التذكير بحالة من التشظي تتفق وما كان إيهاب حسن قد استعان على توصيفه بأسطورة أورفيوس.

هناك شيء مباغت ملغز ضبابي غير يقيني ينتظره، مما يجعل السرد شبيها بمخاطرة تأخذ شكل متاهة تضيع بين طياتها الحكاية

يصبح بإمكاننا بالمثل عقد مقارنة بين نهج ما بعد حداثي ورواية تفاعلية يحضران على النقيض من حداثة تملك مفاتيح الحقيقة المطلقة. من هنا رأينا الرواية التفاعلية ترفض الحلول الجاهزة، وتعارض تطورا بشريا يتسم بالخطية، أضف إلى ذلك رؤية تحليلية خرجت بنتيجة أن معنى الأشياء لا يكمن في فائدتها، بل في حيازتها، والنتيجة جماهير لا تكف عن الاستهلاك. ومع تنامي قوة التكنولوجيا ووسائط الاتصال الجماهيري، وطغيان التلفزيون والإنترنت وتنامي ظاهرة الواقع الافتراضي الذي لم يعد بالإمكان تمييزه عن الواقع، صرنا نلاحظ تآكلا يطال جميع السرديات العظمى، كما الإيديولوجات والمعتقدات، بما يسمح لنا بالقول إن ظاهرة ما بعد الحداثة وأشكال النزعة الاستهلاكية الغربية ماثلة في نمط الرواية التفاعلية قيد الدراسة، وأنها تمارس أثرها الكبير علينا حين نلمس فيها زوالا لافتا للحدود بين الثقافة الكلاسيكية العليا والثقافة الشعبية الدنيا - وهو من نتائج العولمة - التي تحتفي بثقافات سائدة ذات صبغة شعبوية متأثرة بسائر منتجات التكنولوجيا السمعية والبصرية.  
وعطفا على ذلك فإن ما قدمته الباحثة من ذكر لسمات الرواية التفاعلية يدخل في الصميم من أدب ما بعد حداثي يشكك بفكرة الأصالة في الأدب، ويزيل الحدود بين الأجناس الأدبية وبين الأشكال الفنية، فيخلط بين النثر والشعر واللوحة، بما قد يعده البعض ناشزا عن الرواية، نافيا مفهوم الاكتمال الذي سبق للحداثة أن طرحته، مستبدلا إياه بمفهوم الهجنة المعبر عن نزعة ما بعد حداثية بامتياز، مستدرجا مشاركة القارئ مستدعيا لها، عاكسا إلى حد كبير التشظي الاجتماعي الذي أصاب المنطقة العربية، بل وعاملا على إزالة الحدود بين الأدب الرفيع وبين الأدب الجماهيري، مغلبا المحلي على العالمي، ومؤثرا ما هو هامشي على المركز. 
عموما لا نلغي شعورا يتملك قارئ هذا النمط الروائي مع كل نقرة ينقرها بأن هناك شيئا مباغتا ملغزا ضبابيا غير يقيني ينتظره، مما يجعل السرد شبيها بمخاطرة تأخذ شكل متاهة تضيع بين طياتها الحكاية، بما يجيز القول إننا نقف قبالة جنس فني ينبني على أساس اللعب الحر مع تبادل مستمر بين الأصل والأثر، تسمح بإعادة تركيب العقد وفكها وإعادة تجميعها من جديد، فيصدق على القارئ الذي يسهم في بناء المعنى والربط بين العقد، ومن ثم اكتشاف فكرة التعدد والانفتاح، يصدق عليه أنه يمر بمتعة القراءة والكتابة التي تشبه لعبا طفوليا ممتعا.