رزكار فقي عولا يحزم ريشه ويمضي ليتركنا بين رقص ألوانه

الفنان التشكيلي العراقي الفقيد كان خطاطاً وكتب الشعر وقدم أكثر من عشرة معارض فردية كما شارك في الكثير من المعارض الجماعية المحلية والدولية كما عمل أستاذاً في معهد الفنون الجميلة بأربيل قبل ان يغادرنا.

الأربعاء وفي مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق غادرنا الفنان التشكيلي رزكار فقي عولا كضحية من ضحايا جائحة كورونا عن عمر يناهز السابعة والخمسين (1964 - 2021).

كان خطاطاً، وكتب الشعر، قدم أكثر من عشرة معارض فردية، وشارك في الكثير من المعارض الجماعية في كل من أربيل، دهوك، السليمانية، رواندوز، بغداد، ايران، سورية، المانيا، بريطانيا ... إلخ.

كما عمل الفقيد أستاذاً في معهد الفنون الجميلة بأربيل قبل ان يغادرنا وهو الذي كان يجعل للفن فتنته، ويوقظه من روحه لئلا يجزم الرحيل قبله، يروض الألوان لتلون كما يشاء هو روحه وروح المكان على مدار الكلام، فهو يتحرك في رحابها برؤية بيانية علّه ينبني عليها خطابه، مأخوذاً بالجدة، مفتوناً بها في غاية الدقة، وكأنه ينجز عشقه وهواه، كأنه يحقق رغبته في إحتوائها، فلا سبيل أمامه ليتجنب البسيط، الطيب، فيطارد الفتنة لإبراز قيمها الفنية حتى تفي حاجاته، ومن منطق الإيمان بالألوان وبقدرتها على إنشاد النشيد مهما كانت محاطة بخصال مفعولة بها، فهو يمارس عليها نوعاً من إنفتاحه على دروبها منذ لحظة حلولها في فضاءاته، لا تخذله ريشته حين يلوذ بها ليرتادا معاً تلك الدروب وتلك الفضاءات علهما ينتشلان منها ما هو طافح بالإندفاعات والحياة، طافح بالحس الإنساني والجمالي، ما يضعه في حضرة خيال نشط يرتقي به وبتفكيره، وبشعوره بوصفه تجديد لطاقاته، وتجسيد لقيمه المعرفية منها والجمالية، وفي ضوء تقبله للبدء في رؤية احتمالات مفتوحة لمعايشة أبعاد جديدة من الموضوعات الفنية، وبإمكانات جديدة في مناطق جديدة من العمل الفني من الأهمية بمكان أن يكشف العلاقات القائمة بين مفرداتها وفقاً لمنطق الضرورة اللا موضوعية الذي تنسجم مع دوافعه الصارمة وهي تسبر مساراته مفعماً به وبنفسه التي بقيت أمينة لعمليات تشكل عوالمه الداخلية ولحركاتها المرسومة بصدق بغية التعرف على تفاصيلها بكل مفاتيحها.

رزكار وبدرجة كافية من التجريب يسرد تجريدياته اللونية، تسوده رغبة كبيرة في الوصول إلى حالة من التشبع، إن كان عبر عدد من عوالم الألفة بينه وبينها، أو عبر حالة تجعل منها (من تجريدياته) في إمتزاج بشكل تكاملي موزعة على فترات متقاربة حتى يزيد من عوالم الألفة بينها، وهذا ما يزيد من عوالم الرغبة لدى متلقيه في التعرض لها واكتشافها من جديد والإستمتاع جمالياً بها، ويسترسل بها، فما ينبعث منها كافية للإشارة إلى روعة أسلوبه، واتفاقها مع وسائله التعبيرية في إبراز رؤيته وقيمها، التي ستيسر عملية الاقتراب منها والتعرف عليها والتواصل معها، وفهمها، أو التخاطب حولها، فخبراته لا تقف عند مجال التخيّيل ورفع مستوياتها، بل ترفع من شعور متلقيه أيضاً بالاستمتاع وإيقاظ أحلامه النائمة في التخوم، فهو يؤكد أن عدم واقعية عالمه الخيالي له آثاره المهمة في تكنيك فنه، وبأن نشاطه وخبراته الفريدة والخاصة في دمج أو صهر الواقع الداخلي بواقعه الخارجي تتسم بالحيوية والتلقائية، وعلى نحو خاص حين تبدأ ذكرياته القديمة بالانبعاث، ولا تحجب أطروحاته الفنية الخاصة التي تجمع بين اللون وحالاته وهو يسترد وهجه وعنفه، أو إبتسامته ورقتها، فالجمع بين الشيء ونقيضه هي من مواصفات العمل الفني حسب تعبير فرويد، فهذا الإهتمام الكبير الذي يفعله رزكار مع خلطات ألوانه نابع من بهجته الانفعالية كقيمة فنية، وكقطب جمالي نحو تحقيق حاجات تعبيرية له ولمتلقيه معاً، دون الوقوف عند حدود العمل الفني الفردي، بل من خلال مادتها الخاصة، أو لغتها، أومن خلال بنياتها وعلاقاتها الداخلية ببعضها التي تجعله يكتسب قيمة جمالية متحققة من اللعب الخاص بالضوء واللون، التي تجعله يكتسب قيمة معرفية أيضاً حين يعطي كل الأهمية لللاشعور وجوانبها السلوكية، فما يثيره رزكار جمالياً من خلال أعماله والتي يحيطها بنغمات جميلة وممتعة له ولنا بصرياً يجعل منها معزوفات موسيقية تعمل في تنشيط منابع خياله، مع تحفيز كبير لعمليات الخلق وهذا ما كان يجعله في حالة متميزة من النشاط الدائم والتي تدعوإلى التأمل الطويل . 

رزكار فقي يعرف تماماً كيف يحافظ على حقوله اللونية حتى تثمر، وهو على دراية تامة بكل أسرارها، تلك الأسرار التي لا تمنح مفاتيحها إلا من كان عاشقاً لها، وملهماً بتفاصيلها، محباً لحديثها، ساعياً إلى الإقامة فيها، لا أساس من التعالي، بل على أساس من الحس المشترك واللغة المشتركة، حينها سوف ينكشف كل منهما للآخر على أنه الأجمل، هذه الفلسفة التي سعى رزكار لخلقها، ولقطفها هي ذاتها التي جعلته يعتمد في إظهارها على إحالاته الذاتية التي تحولت إلى وقائع لونية وتشكيلات تجريدية تطيع أوامره ومشاعره ومواقفه حين توضع تحت مساءلاته، فهولا يفقد الأسس التي تؤنسن لغته اللونية، ولا يهدرها وراء عزل أو وصف بنيات تجربته، أو وراء ما يهدف منها، بل يؤصل الأسس التي تجعله مستديماً في طريق بحثه، الأسس الضرورية التي يجعل من مشروع بحثه حقيقة معرفية وجمالية محكومة بالنجاح التي بدأت أظهرت بوادرها من انتقاله من حقول واقعية تعبيرية إلى حقول تجريدية تذهب بك إلى الحد الأقصى من الإحساس الجمالي.