رسائل احتجاج مبطنة في رواية 'الحيوان وأنا'

أمجد توفيق في روايته الجديدة يكشف حقيقة أن الحرب هي لعبة سياسية قذرة مهما كانت مسبباتها.

تتنوع اشتغالات الروائي أمجد توفيق السردية، فما بين التسجيلي المعتمد على ذاكرة متسعة الرؤى، وما بين الواقعي المبني على الحدث اليومي المدوّن، يقدم لنا هذا السارد متعة قرائية مختلفة، تذهب بنا إلى حيث تنشيط منظومة التلقي التي نحتاجها.

في روايته الجديدة "الحيوان وأنا" الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة/وزارة الثقافة والسياحة والآثار، يضعنا توفيق على سكتين تلتقيان في النهاية على حقيقة أن الحرب هي لعبة سياسية قذرة مهما كانت مسبباتها، فهي بالتالي لا تضرّ سوى الشعوب التي تكون الضحية الدائمة، كون الساسة المتناحرين ليسوا سوى مخرجين لا يقفون خلف الكواليس، بل هم من يتصدرون الخطاب الشفاهي، لكنهم يزجون بضحاياهم في المحرقة.

في المقدمة التي سبقت السرد الروائي كتب الناقد المغربي محمد معتصم ما نصّه "هذه رواية أنتجها عقل منخرط بوعي في الحاضر والواقع، من أجل بناء مستقبل واضح ومضيء للإنسان الحر ذي الكرامة والفاعل الحيوي في إنتاج المعرفة والأدب والسرد والتاريخ حيث يظهر جليا وعي الكاتب بصيغة الخطاب الذي سينِضُم داخله المحكيات السردية الوظيفية التي تقوم بتوسيع المعنى أو السردية الخطابية التي تقوم بتركيب السرد ومضاعفته".

الرواية تشتغل على ثيمة مهمة أسس لها صاحب النص عبر الدفع برؤى فلسفية مغايرة تطرح كثيرا من الأسئلة التي يحتاجها الناص لتدعيم نصه، وتلك الثيمة هي "الاحتجاج الساخر" وأقصد الكوميديا السوداء التي وظف لها كثير من الشخوص والحيوانات لتمنحنا، فهو يعتمد المداورة في تقديم الشخوص، ولا يترك له بطلاً معينا، بل هو وعلى طريقة كرة القدم يقدم لنا أكثر من مهاجم ساخر، أو أكثر من بطل، لكن ثمة بطل وهمي يمسك بخيوط الرواية فشخصيات مثل "أبورامي" و"موج" و"نبيل" و"ذكرى" وأخيها وزوجته والسجين الهارب ليست شخصيات غير مؤثرة في الرواية، لكنها ليست هي المتحكمة في صناعة الحدث الذي أراد له الروائي أن يقدم إدانة واسعة لما يحدث في بلده، فالشخصية الرئيسية "دانيال علي موسى" هي المعنية بصياغة الخطاب الروائي، وهو المؤهل ليكون ساعي البريد بين الروائي والمتلقي لإيصال رسالته السردية المعترضة على ما يحدث في البلاد من سياسات هوجاء صارت تحرق أخضر الوطن ويابسه، لكنه وتلك تحسب للروائي لم يقدم لنا رسالة مباشرة على شكل خطاب سياسي خالص، بل حاصرنا بكثير من السرد المشفّر.

الرواية ليست خالية من الرمزية، فالسارد ترك كثير من المدلولات دال ومدلول ولعل اختياره للأسماء، سواء كانت الأسماء البشرية أو الحيوانية، لم يأت اعتباطا، بل تركها تدلّ على ربط الأحداث بالدين والمجتمع والسياسة:

دانيال) دلالة مسيحية)، علي) دلالة مسلمة)، موسى) دلالة يهودية)، وكذلك أسماء الحيوانات فهي لها دلالات أراد لها الراوي أن تكون دالة على ما يضمره.

رواية "الحيوان وأنا" في مجمل أحداثها، تشكل وثيقة احتجاج عالية الصوت كتبت بلغة رصينة وخطاب سردي مذهل، ورسالتها الكبيرة المتمثلة في إدانة الصراع الأزلي للثالوث الديني الباحث عن الإمساك بالسلطة العالمية أو الكونية بصورة أشمل، وهو الصراع الذي يتسبب ويقود الحروب التي كانت السبب الرئيس في جميع الكوارث والمصائب التي تعيشها الشعوب.

كما أن رواية أمجد توفيق لم تترك ما يحدث في العراق على الحياد، بل وجهت كثيرا من أحداثها وحواراتها نحو إدانة ما جرى في العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، حيث الحروب المجانية وتقديم المصالح الشخصية والحزبية على مصلحة الشعب والوطن.