رعاة الخراب لا يقبلون التفاوض

العراق الذ يحلم به الشباب لا يمكن ان يقوم في ظل عملية سياسية يديرها مغامرون هواة لا علاقة لهم بالوطنية.

أغرب ما في العراق أنه في الوقت الذي يمر فيه الشعب بأزمة مصيرية تبدو الطبقة السياسية الحاكمة غير مهتمة بتلك الأزمة، لأنها لا تشكل خطرا على استمرار وجودها في الحكم. وهو أمر لا يحدث إلا في العراق.

لم تبذل تلك الطبقة جهدا لامتصاص صدمة الاحتجاجات ولم تسع حتى إلى احتوائها ولو صوريا.

ردود الفعل جاءت على شكل تصريحات هادئة لا تمت إلى جوهر المسألة بصلة، فهي لا تعد بشيء إيجابي يمكن القيام به في المرحلة القادمة، إضافة إلى أنها لا توحي بأن هناك طرفا يمكنه أن يتبنى بعض مطالب المحتجين عمليا من خلال برنامج حكومي.

لقد تعاطف معظم السياسيين العراقيين مع المحتجين ورددوا المعزوفة ذاتها التي تفيد بأن حق التظاهر قد ضمنه الدستور. في الوقت نفسه كانت التظاهرات تُقمع وصولا إلى قتل عدد من المحتجين الشباب.

الحكومة وحدها وجدت نفسها في دوامة ما يحدث وهي لا تملك شيئا تفعله. لا لأنها حكومة تصريف أعمال، مقيدة الصلاحيات بل لأن أية حكومة سواها لا يمكنها أن تفعل شيئا على مستوى تلبية مطالب المحتجين.

ذلك لأن ما يمكن أن يطلق عليه مجازا بالنظام السياسي في العراق أقيم على أساس توزيع ثروات البلد على الأحزاب التي أقر وجودها الأميركان يوم احتلوا العراق. لذلك لم يظهر حزب جديد عبر الخمسة عشر سنة الماضية.

كانت هناك تحالفات كبيرة وصغيرة تغير اسماءها بين حين وآخر، غير أن الأحزاب والكتل السياسية التي حُظيت برعاية ومباركة المحتل ظلت تتحكم بالعملية السياسية من غير أن تشعر بأن هناك طرفا يهددها بالإزاحة.

اختفت بعض الشخصيات التي لم تكن أساسية في العملية السياسية التي خطط لها الأميركان كما هو الحال مع غازي عجيل الياور ونصير الجادرجي وعبدالكريم المحمداوي وعدنان الباججي وموفق الربيعي ومحسن عبدالحميد  وأخذ الموت محمد بحر العلوم وعبدالعزيز الحكيم وأحمد الجلبي وقد تشهد المرحلة المقبلة غياب إبراهيم الجعفري وعادل عبدالمهدي واياد علاوي غير أن شيئا من التغيير لن يقع.

ما يفكر به العراقيون وبالأخص الشباب المحتجون من تغيير لا يمت في حقيقته بصلة إلى العملية السياسية التي صممها العقل الأميركي من أجل الاستمرار في مشروع الاحتلال إلى أمد غير منظور.

إن عراقا يحلم به أولئك الشباب لا يمكن ان يقوم في ظل عملية سياسية يديرها مغامرون هواة لا علاقة لهم بالوطنية ولم يعرضوا أوراقهم على الشعب باعتبارهم دعاة مشروع وطني.

لذلك فإن العراق المحلوم به لا يمكن أن يرى النور حتى لو تنازل السياسيون وقبلوا بمبدأ التفاوض مع المحتجين، وهو أمر مستبعد.

إن صورة العراق في العقل الأميركي لا يمكن تهشيمها عن طريق التفاوض مع ممثلي العملية السياسية التي أقامها الأميركان على أساس نظام المحاصصة الحزبية. وهو ما يُعتبر أمرا غير قابل للنقاش.           

لا يملك أي من رموز العملية السياسية أن يغير شيئا.
الحل الوحيد يكمن في أن تتبلور من بين صفوف المحتجين قيادات تكون مخولة للتفاوض مباشرة مع الأميركان بعد تخطي الحكومة الصورية في العراق. وهو ما يبدو أمرا صعبا في المرحلة الحالية، غير أن استمرار الاحتجاجات يمكن أن ييسره ويجعله وسيلة واقعية لإنهاء حالة الغموض.

فالعراق كما هو الآن حالة خاصة، لا يمكن مقارنتها بدول أخرى.

سيكون ضروريا أن يتفاوض العراقيون مع الأميركان مباشرة من أجل انهاء الاحتلال بدلا من أن يترك الأميركان عملاءهم ينفذون مشروعهم في تدمير البلد.

ما حدث عبر اثنتي عشرة سنة من حكم حزب الدعوة هو دليل على أن المحتل الأميركي سلم الحكم لمَن يرعى الخراب في غيابه.