روبرتو بولانيو اللاتيني يتمرد على الواقعية السحرية

محمد الحمامصي
الشاعر والروائي الشيلي روبرتو بولانيو يعتبر صوتًا من الأصوات الروائية المجددة في الفن القصصي الأميركي اللاتيني المعاصر.
"مكالمة تليفونية" تتميز بتعدد أبعادها ودلالاتها، وشفافيتها التي تتبع العلاقات الإنسانية في تشابكاتها المختلفة
بولانيو عمد منذ محاولاته الأولى في الكتابة إلى العمل على ترسيخ فن طليعي حديث
بدأت تتضح سمات فن روائي وقصصي لاتيني محدث أكثر التصاقا بوجودية الإنسان اللاتيني المعاصر بشكل عام والشيلي بوجه خاص

يعتبر الشاعر والروائي الشيلي روبرتو بولانيو صوتًا من الأصوات الروائية المجددة في الفن القصصي الأميركي اللاتيني المعاصر. استهل نشاطه الأدبي بمجموعة من الدواوين الشعرية، ثم اتجه إلى الرواية والقصة القصيرة. واجتهد منذ البداية في خلق مدرسة أدبية جديدة في أدب أميركا اللاتينية بشكل عام، وشيلي بشكل خاص.
وتعد مجموعته القصصية "مكالمة تليفونية" التي صدرت أخيرا عن دار بتانة بترجمة أستاذ ورئيس قسم اللغة الإسبانية د. عبير عبدالحافظ، من أهم مجموعاته والتي تتميز بتعدد أبعادها ودلالاتها، وشفافيتها التي تتبع العلاقات الإنسانية في تشابكاتها المختلفة في ظل الانتشار الهائل لشبكات التواصل الاجتماعي والانفتاح المعلوماتي عبر الانترنت.
ولفتت د. عبدالحافظ إلى أن بولانيو عمد منذ محاولاته الأولى في الكتابة إلى العمل على ترسيخ فن طليعي حديث قادر على الخروج من أسر الظاهرة الأدبية، التي دشنت باسم الواقعية السحرية وصارت مثل سمة شبه ملزمة لنجاح أي منتج روائي صادر عن دول أميركا اللاتينية في فترة من الفترات. 
وقالت "تمرد الأديب الشاب مثله مثل باقة من الكتاب المجددين على تقنيات المدرسة المذكورة، ونجح مع مجموعة من الروائيين المعاصرين له، والأكثر حداثة منه مثل خورخي بولبي وسانتياجو رونكاجليولو وأندريس نيومان وغيرهم، في التمرد على النمطية التي سادت حتى حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم، وبدأت تتضح سمات فن روائي وقصصي لاتيني محدث أكثر التصاقا بوجودية الإنسان اللاتيني المعاصر بشكل عام والشيلي بوجه خاص، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات العلمية التي طرأت على المجتمع الدولي كافة، ومنها على سبيل المثال الثورة المعلوماتية وتقنيات شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، ما طبع بدوره وجوها وقوالب جديدة لأشكال التعبير الإنساني".

في تلك الحقبة كانت أغلب الأفلام التي تعرض في استوديوهات دور عرض "تشوروبوسكو" من طراز القصص المثيرة جنسيا، فضلا عن الأفلام الجنسية السادية، والأفلام الجنسية الكوميدية، أما أفلام الرعب المكسيكي فكانت تستند إلى نفس مدرسة سينما الخمسينيات في المكسيك بتأثير من مدرسة الفن الجداري.

ورأت أنه بالحديث عن الموتيفات السردية الأصيلة في أعمال بولانيو، يتصدرها بجدارة المشهد السياسي لبلاده في أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس سلفادور الليندي وما تبعه من حكم عسكري دكتاتوري، ظلت شيلي تئن تحت وطئته خصوصا شبابها ومفكريها لفترة طويلة. ويطل الملمح السياسي المذكور كنقطة ارتكاز أساسية ومحورا تلتف حوله شخصيات بولانيو ووحدات بنائه السردي.
وأشارت عبد الحافظ: تطل شخصية روبرت بولانيو نفسه، كمعادل موضوعي أحيانا، وضدي في أحيان أخرى، للكاتب نفسـه، وهو أول ما يلحظ من تشابه الاسمين. وقالت إنه في مجموع نصوصه السردية "مكالمات تليفونية" نرى نماذج متنوعة تنتمي إلى عوالم مختلفة وإحداثات زمانية متقاطعة، مثل الكاتب الشهير ذي الموهبة المحدودة، والكتّاب الشباب وموهبتهم الإبداعية الجديدة، فضلًا عن التماس مع أحداث تاريخية مثل الحربين العاملية الأولى والثانية، والتفاصيل التاريخية لبلاده، كما يكسر حواجز الأمكنة السردية منطلقا إلى فضاءات أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة، وإسبانيا والمغرب، وغيرها من الأماكن التي ينطلق فيها تيار السرد الجامح في تدفقه والسكن في نبرة حكيه.
وتزداد حيرة القارئ والدارس لنص بولانيو الحالي، إذ أن الشكل النهائي للكتاب يبدو في مجمله مجموعة من القصص القصيرة المتضمنة بدورها في مجموعات ثلاث منفردة، إلا أن صوت الراوي وأدائه الساخر الحالم في الوقت ذاته، يطرح النص في رداء روائي تنسج خيوطه منظومة الكاتب الراوية - البطل. إذ أن الصبغة الأوتوبيوجرافية الملفقة تعمل على أن ينحو العمل في هذا الاتجاه المضلل الذي لا يخلو من عنصري التشويق والتأمل المتلاحمين.
وأوضحت عبدالحافظ أن المرأة في الكون الروائي لدى بولانيو تطل في إطار هالة متكررة وأيقونة ثابتة، تستلهم الحدث وتصوغه في آن واحد، بهذا الشكل يتصدر العنصر النسائي المشهد الروائي في المجموعة البالغ عددها أربع عشرة قصة، والمقسمة إلى ثلاثة أقسام، يضم القسم الثالث أربع قصصا تتنوع بطلاتها ما بين الرفيقة السياسية المناضلة، والمراهقة التي تتلمس طريقها، وممثلة الأفلام الإيروتيكية، ولا يقتصر النموذج النسائي على جنسية أو فصيل اجتماعي بعينه بل يمتد إلى بلاد وثقافات متنوعة، يفسح لها بولانيو الطريق لتقدم وجهة نظرها فى الحياة والأشياء. 
وتبدو صورة المرأة عنده وكأنها امتداد طبيعي للصورة الطليعية التي منحها قبله بورخسوكورتاثار تحديدا في نموذجهما القصصي، والذي يكسر نمطية كيان وكينونة ووجود المرأة التقليدي في العمل الأدبي بصفتها فاعلًا أم مفعولًا.
وحول أسلوبية السرد عند بولانيو، قالت: "تتضح هذه البساطة والتسطيح الأفقي المتعمد في آلية الحكي، فضلا عن اللغة السردية المجردة التي يعمد فيها إلى إبراز الجانب الإنساني، بعيدا عن الانصياع لسطوة العبارة، متخذا من الحديث الذريعة المثلى لسبر أغوار شخصياته في وضوح وجلال، تتحد فيه المشاعر المتداخلة تارة، والمتناقضة تارة أخرى ما بين الحسرة والحنين إلى الوطن، والسخرية السوداء والدعابة الفلسفية إلى غيرها من مكونات الفلسفة لديه.  

نهاية الفيلم متوقعة
لا تخلو من شيء شاعري

وعلى الرغم من رحيل بولانيو المبكر، فإنه خلف نتاجًا غزيرًا في الرواية والشعر والقصة القصيرة، كما حصل على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة. مثل جائزة رومولو جاييجوس، وهي بمثابة نوبل أميركا اللاتينية، وجائزة مدينة برشلونة، وجائزة ألتاثور في شيلي. وترجمت أعماله إلى أغلب لغات العالم، كما كانت ولا تزال موضوعًا للبحث والدراسة من الأكاديميين وشباب الباحثين على مستوى العالم، وليس أدل على ذلك من الترجمة التي نقدمها للقارئ لمجموعته القصصية "مكالمات تليفونية".
من أجواء المجموعة:
كنت أفضل الأفلام الأوروبية، إلا أنني لم أستبعد الأفلام المكسيكية الإيروتيكية الحديثة وأفلام الرعب، وكانت جميعها لدي سواء.
أعتقد أن أكثر الأفلام التي شاهدتها هي الفرنسية، فيلما يتحدث عن فتاتين تعيشان بمفرديهما بمنزل بمنطقة على أطراف المدينة، واحدة شقراء والأخرى صهباء.
صديق الفتاة الشقراء هجرها وفي الوقت نفسه (أريد أن أقول في الوقت نفسه، وبالألم نفسه) فلديها مشكلات أخرى شخصية، فهي تعتقد أنها واقعة في غرام صديقتها.
الشابة الصهباء أكثر شبابًا وأكثر براءة والتزاما، بمعنى آخر هي أكثر سعادة (بالرغم من أنني في الوقت نفسه كنت شابًا وبريئًا وغير ملتزم ولكنني اعتبرت نفسي تعسا).
ويدخل في أحد الأيام شاب هارب من العدالة خفية إلى منزلهما، ويحتجزهما والمثير للعجب أن اقتحام المنزل يتم في اليوم نفسه الذي تقيم فيه الفتاة الشقراء علالقة مع الصهباء، وبعدها تقرر الانتحار.
 يدخل الهارب إلى المنزل عبر النافذة وفي يده مطواة، ويتجول بحذر في المنزل، ثم يصل إلى حجرة الفتاة الصهباء، يمسك بها ويقيدها ويسألها إذا ما كان هناك أناس آخرون يعيشون في المنزل، فتجيبه أنها وصديقتها الشقراء تعيشان في المنزل، فيقوم بتكميمها.
 لم يعثر على الشقراء في حجرتها، وبدأ في تفقد المنزل، وتزداد عصبيته في كل دقيقة إلى أن يعثر على الفتاة الشقراء ملقاة في البدروم، مغشيا عليها ويبدو أنها ابتلعت جميع أدوية المنزل، والهارب ليس بقاتل، في كل الأحوال ليس بقاتل للنساء فينقذ الشقراء، ويجعلها تتقيأ ويعد لها مقدار لتر من القهوة ويجبرها على تناول اللبن .. إلخ.
تمر الأيام وتتوطد العلاقة بين الهارب والفتاتين ويقص عليهما حكايته، فهو لص بنوك ومحكوم عليه بالأشغال الشاقة، قتل رفاقه السابقون زوجته.
تعمل الفتاتان في ملهى ليلي، وفي إحدى الليالي أو الأمسيات لا يعرف على وجه التحديد،  فهم يعيشون في منزل ستائره مسدلة على الدوام، يؤديان عرضا أمامه، ترتدي الفتاة الشقراء، فرو دب رائع وتلعب الصهباء شخصية المروضة، ينصاع الدب في البداية للمدربة ولكنه يتمرد بعد ذلك ويبدأ في تمزيق ملابسها ويجردها منها شيئا فشيئا، وفي النهاية تنهزم المروضة ويقفز الدب فوقها لا ليقتلها بل ليقيم معها علاقة عاطفية ويبدو هنا شيء يثير الدهشة، الهارب بعد لحظات تأمل يقع في غرام الفتاة الشقراء، لا الصهباء، أي يقع في غرام الدب.
نهاية الفيلم متوقعة، وإن كانت لا تخلو من شيء شاعري: في إحدى الأمسيات الممطرة يقتل الهارب اثنين من رفاقه القدامى ويهرب مع الفتاة الشقراء إلى مصير مجهول، بينما أجلس لرؤية الفيلم تنبهت إلى أنها رواية "السقوط" لـ "ألبير كامي".
وشاهدث أفلاما مكسيكية من الطراز نفسه تقريبا، نساء يتم احتجازهن من قبل رجال خارجين عن القانون، ولكن في النهاية تكتشف الجوانب الطيبة في شخصياتهم.
هؤلاء الهاربون يحتجزون سيدات ثريات وشبابًا، وفي أعقاب ليلة عاطفية يتم تمزيق أجسادهم بطلقات الرصاص، أو خادمات جميلات في منازل يبدأن من الصفر، وبعد المرور بسلسلة من الجرائم يتمكن من الوصول إلى السلطة والثروة. 
في تلك الحقبة كانت أغلب الأفلام التي تعرض في استوديوهات دور عرض "تشوروبوسكو" من طراز القصص المثيرة جنسيا، فضلا عن الأفلام الجنسية السادية، والأفلام الجنسية الكوميدية، أما أفلام الرعب المكسيكي فكانت تستند إلى نفس مدرسة سينما الخمسينيات في المكسيك بتأثير من مدرسة الفن الجداري.