في قضايا الجاسوسية لا بد من اجراءات أمنية احترازية لمنع تسرب المعلومات

محمد الحمامصي
اللواء محمود إسماعيل الخولي يطرح الكثير من القضايا في كتابه "قضايا الخيانة والجاسوسية  الجاسوسية والوعي الأمني".
وكيل المخابرات المصرية السابق يشير إلى وجوب اتخاذ الجهات الرسمية إجراءات أمنية احترازية لمنع تسرب المعلومات المهمة
الثقافة الغربية تتناول قضايا المخابرات والجاسوسية في إطار من الشفافية وحق المعرفة
الفيسبوك يعتبر مصدرًا مهمًا يجعل أي جهاز مخابرات يسعى وراءه

يتساءل الكثيرون منذ سنوات عديدة عن أهمية استمرار احتياج الدول لأجهزة مخابرات تقوم بتجنيد عملاء (جواسيس) للحصول على معلومات سرية تهم أمنها القومي من دول أخرى. ويعتقد هؤلاء أن وسائل التجسس الإلكترونية المتنوعة والتقدم التكنولوجي تفي بالغرض المطلوب بدون الحاجة إلى تكبد عناء تجنيد الجواسيس. ويرون أن المعلومات المتوفرة في المصادر العلنية المختلفة إلى جانب ما يتم الحصول عليه بالوسائل التكنولوجية لا يجعل هناك معلومات سرية أخرى إضافية تحتاج إلى عميل للحصول عليها.
وعلى الرغم من مشروعية التساؤل من وجهة نظر اللواء محمود إسماعيل الخولي وكيل المخابرات المصرية السابق، في كتابه "قضايا الخيانة والجاسوسية  الجاسوسية والوعي الأمني" فإن الإجابة عنه لدى جميع أجهزة مخابرات دول العالم واحدة، أنه لا غنى عن الجاسوس ـ المصدر البشري. ولذلك فإن كافة دول العالم، المتقدمة وغير المتقدمة، لديها أجهزة مخابرات تعمل على تجهيز ضباط مخابرات على أعلى مستوى من التدريب التخصصي للحصول على المعلومات السرية التي تهم أمنها القومي من الدول الأخرى. ولا شك أن هذا العمل يتسم بحساسية وخطورة شديدة على الضابط نفسه، وعلى العميل، وعلى العلاقات بين دولة الضابط والدول التي يمارس على أراضيها الجاسوسية، إذا تم كشفه أو كشف العميل أو كشف النشاط الاستخباري الذي يقوم به. ومن هنا، فإن ضباط المخابرات لا بد أن يتسموا بمواصفات خاصة وقدرات غير عادية، وهم دائمًا يعملون تحت ضغط عصبي ونفسي. 
يهدف كتاب الخولي الصادر عن دار العربي إلى توضيح أهمية التوعية الأمنية لدى المواطنين وخاصة الشباب، من خلال عرض أساليب عمل أجهزة المخابرات بصفة عامة، وأشهر قضايا الجاسوسية. موضحا أن "الثقافة الغربية تتناول قضايا المخابرات والجاسوسية في إطار من الشفافية وحق المعرفة، وذلك لدواعي أمنية في إطار التوعية الأمنية للمواطن والحفاظ على الأمن القومي للدولة، ولإعطاء دروس مستفادة للجميع، بما في ذلك أجهزة المخابرات وأجهزة الأمن المختلفة لتفادي الأخطاء التي حدثت بهدف عدم تكرارها، ولتطوير مستوى الأداء في عمل أجهزة المخابرات في الداخل والخارج".
ويعرض الخولي في هذه القضايا الملابسات التي جعلت هؤلاء الجواسيس يعملون لصالح جهاز مخابرات دولة أجنبية، ويخونون دولتهم. مؤكدا أنه "لا يوجد مقابل يمكن قبوله أو تبريره أو يوازي خيانة الوطن. وفي الأغلب الأعم ومهما طال الزمن فسيتم الإيقاع بالجاسوس الخائن وإلقاء القبض عليه. وبدلًا من أن يكون المرء بطلًا قوميًا يفخر بنفسه وتفخر به عائلته ودولته اذا أبلغ عن محاولة تجنيده، نجده يصبح خائنًا ويجلب العار والمهانة لنفسه وعائلته على مدى العمر. وفي النهاية لا شئ يظل مجهولًا ومخفيًا".
ويشير إلى أنه في إطار نشر هذه الثقافة الأمنية نجد أيضًا عددًا كبيرًا من الجامعات في أميركا والدول الأوروبية تدرّس مقررات أكاديمية في "المخابرات" والجاسوسية والأمن القومي، ومنذ عدة سنوات بدأ أيضاً تدريس هذه المقررات الخاصة بالمخابرات في الإمارات. وفي الوقت الذي نجد فيه ضباط مخابرات متقاعدين من وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ينشرون كتبًا أو مقالات موضوعية في إطار الشفافية والتوعية الأمنية والدروس المستفادة، نجد ظاهرة أخرى منتشرة بين ضباط الموساد (المخابرات الخارجية الاسرائيلية) فكثير منهم نشروا كتبًا لأسباب شخصية عن قضايا جاسوسية للموساد، منها أسباب مادية أو تصفية حسابات. 
ويلفت الخولي أن هناك عدة مواصفات توضح وتحدد أن هذا الشخص جاسوس وهي: أولا يعلم أنه يتعاون مع جهاز مخابرات أجنبي. ثانيا يتلقى احتياجًا في مجال المعلومات ويجيب عنه. ثالثا يتلقى مقابلًا لذلك، سواء مكافأة مالية أو هدايا أو خدمات. فإذا لم تكن هذه الأمور موجودة في العلاقة بين الشخص الأجنبي والمواطن فهي علاقة إنسانية عادية. أما إذا كان هناك شبهة شك في أي من هذه النقاط، فعلى المواطن أن يتخذ الإجراء الأمني اللازم بالإبلاغ".
ويشدد الخولي على وجوب اتخاذ الجهات الرسمية إجراءات أمنية احترازية لمنع تسرب المعلومات المهمة، ومن هذه الإجراءات تلك المتبعة في جهات حكومية أميركية وأوروبية وفي الشركات العالمية حفاظًا على أسرار عملها.
 ومن أهم هذه الاجراءات التي يضعها الخولي:ـ فرض نظام للسيطرة على الوثائق والمعلومات المهمة والسرية من حيث تحديد من لهم حق الاطلاع عليها، وإيجاد سجل لتحديد من الذي اطلع على معلومة معينة ومتى ولماذا وماذا فعل بها. وينطبق ذلك على المعلومات المحفوظة إلكترونيًا أو في الملفات الورقية.
ـ وضع نظام صارم لتصوير الوثائق والمستندات، يشمل بيانات الوثيقة، الشخص، التوقيت، عدد النسخ.
ـ الرقابة الإلكترونية على المعلومات المحفوظة إلكترونيًا وضبط عملية تحويل المعلومة من ملف إلى آخر، ونسخها في أقراص مدمجة أو بريد الكتروني وما إلى ذلك.
ـ فرض نظام لتواجد العاملين في أماكن عملهم، وعدم تحركهم وتواجدهم في أماكن أخرى بدون مبرر يتعلق بالعمل.
ـ وضع كاميرات مراقبة قي الطرقات وفي الأماكن الحساسة في المنشأة مثل غرفة الأرشيف، تصوير المستندات..
ـ تطبيق نظام تفتيش الأفراد بصورة مفاجئة بحيث يتم اختيار عينة عشوائية في مواقع وتوقيتات مختلفة.
ـ التنبيه على الأفراد بضرورة الإبلاغ عن أي شخص يحاول الاطلاع علي معلومة لا تدخل في نطاق اختصاصه.

الحقيقة المؤكدة في أمر الفيسبوك أنك لست وحدك في حسابك مع أصدقائك فقط أو الدائرة المحدودة التي تتصور أنها هي فقط التي تطلع على ما تنشره في حسابك

ويرى الخولي أن هذه الاجراءات الأمنية الاحترازية تتخذها جهات وشركات في دول أخرى، ولكن ما نركز عليه هنا هو الوعي الأمني، ذلك السلاح الشخصي الذي يجعل الفرد مدركًا لما هو خطر على الامن، وما هو ضد الأمن، سواء الأمن الشخصي أو أمن المعلومات. وإلى جانب ما تقوم به الأجهزة الأمنية المصرية في مجال الوعي الأمني، هناك أدوار أخرى مكملة يجب أن تنفذ؛ ويأتي في مقدمتها من حيث قوة التأثير "الإعلام" و"الدراما".
ويشير إلى أن الرأي العام يتأثر بما يعرض في وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت برامج أو ندوات أو مقالات. أو دراما. صحيح أن الدراما التليفزيونية من حين لآخر تقدم - بالتنسيق مع المخابرات العامة - مسلسلات من ملفات هذا الجهاز العريق، تبرز البطولات الوطنية، وترفع الروح المعنوية للمواطن، وتزيد من مشاعر حب الوطن والإخلاص له وزيادة الوعي الأمني. ولكن قد يكون من المكمّل لهذه المسلسلات، أن تكون التوعية الأمنية متضمَنة في المسلسلات التي تتناول موضوعات اجتماعية عادية، بحيث يمكن أن تتضمن بعض المشاهد موقفًا يتعرض فيه أحد أبطال المسلسل لعملية اقتراب منه من جانب ضابط مخابرات أجنبي يحاول تجنيده ليكون جاسوسًا، ويقوم المواطن بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة. سواء كانت إدارة الأمن في الجهة التي يعمل بها، أو مكتب المخابرات العامة في المحافظة التي يقيم بها. ولا شك أن هذا الجزء من المسلسل سيعلق بشدة في أذهان المشاهدين ويدعم عملية التوعية الأمنية. 
وإلي جانب ذلك من المفيد إنتاج المزيد من المسلسلات التي تسهم في زيادة الوعي الأمني بالتنسيق مع جهاز المخابرات العامة وتكون من واقع ملفات المخابرات العامة. بالإضافة إلى إعادة عرض المسلسلات السابق عرضها، من حين لآخر، لإتاحة الفرصة للشباب الذين لم يشاهدوها في حينه لمشاهدتها والاستفادة منها. وإلى جانب الإعلام هناك دور مهم للأسرة والمدرسة في غرس الوعي الأمني لدى الأطفال.
وينبه الخولي إلى أن العمليات الإرهابية التي تتعرض لها مصر منذ فترة ليست بالقصيرة هي من تخطيط أجهزة مخابرات أجنبية، بغض النظر عن القائمين بالتنفيذ. ويقول "من هنا يجب أن يكون هناك دور تربوي أمني تقوم به الأسرة مع أطفالها، ليدركوا خطورة وجود شخص غريب في المنطقة أو في السينما أو في سوبر ماركت أو أي منشأة ويكون حاملًا حقيبة ثم يتركها ويخرج. فيجب تعليمهم أهمية سرعة الإبلاغ عن ذلك. ونؤكد على أهمية وجود منظومة الكاميرات، الظاهرة والمخفية، في إطار نظام المراقبة الأمنية في الشوارع والمنشآت المختلفة.
ويؤكد ارتباطًا بدور الأسرة، أن هناك دور مهم للمدرسة مع الأطفال والشباب منذ الابتدائي إلى الثانوي. وليس المقصود وجود مقرر دراسي في الوعي الأمني. فقد يكون ذلك مفيدًا، ولكن الأكثر إفادة وتأثيرًا وفاعلية هو التلقين الشخصي والحوار مع الأطفال والشباب، مع إمكانية استخدام أفلام مصورة تعرض عليهم في الفصل ويعقبها شرح من خبير أمني يتم استقدامه للحديث مع الأطفال والشباب، قد يكون ضابطًا لا يزال في الخدمة ويتم التنسيق مع جهة عمله للقيام بهذه المهمة، أو يكون ضابطًا متقاعدًا لديه خبرة عملية سابقة.
ويدعو الخولي إلى وجوب الاحتراس وتوخي الحذر عند استخدام "وسائل التواصل الاجتماعي". ويضيف "إن الاستخدام الخاطئ للفيسبوك بصفة خاصة يسبب مخاطر أمنية شديدة، فأجهزة المخابرات والتنظيمات الإرهابية تستخدم هذه الوسائل وتخترق الحسابات الشخصية للأفراد لتجمع المعلومات الشخصية عنهم وعن عائلاتهم وأصدقائهم وتعاملاتهم وتحركاتهم وأدق الخصوصيات والعلاقات المتداخلة والشؤون المالية. ثم تقوم بتحليل هذه المعلومات لاختيار من ترى أنه يصلح للتجنيد وتحدد كيفية الاقتراب منه. أما التليفونات الحديثة المزودة بإمكانيات تكنولوجية حديثة فهي أيضًا تمثل خطورة شديدة على الأمن الشخصي؛ ولذلك فإن تعليمات الأمن المستديمة في الأجهزة الأمنية لكثير من الدول، والجهات الحكومية، والشركات الكبيرة العالمية تقضى بعدم إدخال التليفون المحمول إلى المبنى الذي تتواجد فيه المكاتب وغرف الاجتماعات. إذ يتم ترك التليفون المحمول في السيارة أو في الجراج الذي يبعد مسافة كبيرة عن مبنى المكاتب. ويرجع السبب في ذلك إلى أن جهاز التليفون يمكن أن يتحول إلى جهاز تسجيل أو تنصت على ما يدور في الغرفة من خلال تقنيات متقدمة يمكن أن تستخدمها أجهزة معادية".
ويضرب مثالا عن خطورة الفيسبوك، بالموقف الأمني الحرج الذي تعرض له السير جون سويرز، فقد كان من المقرر أن يتسلم عمله كرئيس لجهاز المخابرات الخارجية البريطاني MI6 في نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وعادة مثل هذه التعيينات تحاط بسرية عالية قبل استلام العمل. والذي حدث أن السيدة شيللي زوجته نشرت في يوليو/تموز 2009 على حسابها في الفيسبوك أخباراً عن الأسرة وأصدقائها وعلاقاتها الاجتماعية مصحوبة بعدد من الصور والكثير من التفصيلات، والغريب أنها لم تضع أية قيود حمائية على ما نشرته في حسابها، مما جعله متاحًا لحوالي 200 مليون مستخدم بغض النظر عن أماكن تواجدهم. وبمجرد رصد ذلك الأمر تم تنبيه وزارة الخارجية وMI6 وتم حذف ما نشر من تفصيلات شخصية وعائلية عنه. 
إذن الحقيقة المؤكدة في أمر الفيسبوك أنك لست وحدك في حسابك مع أصدقائك فقط أو الدائرة المحدودة التي تتصور أنها هي فقط التي تطلع على ما تنشره في حسابك. فالفيسبوك يعتبر مصدرًا مهمًا يجعل أي جهاز مخابرات يسعى وراءه؛ فهو يتيح إمكانية الوصول إلى ملايين الأسماء والعناوين والأصدقاء ودوائر المعارف والوظائف والأنشطة والحسابات البنكية وبطاقات الائتمان.
ويلفت الخولي إلى مصدر آخر للمعلومات تستخدمه أجهزة المخابرات التي تتابع الشؤون المصرية وهو صفحة الوفيات حيث اعتاد المواطنون الإعلان عن حالات الوفيات في الأسرة بالنشر في الصحف. والإعلان عن وفاة شخص في حد ذاته وإبلاغ المعزّين بمكان وتوقيت العزاء ليس فيه أي ضرر، ولكن الخطر يكمن في صياغة النعي التي تشمل الأقارب ووظائفهم وأماكن عملهم تفصيلًا وتحديدًا، ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى التباهي والتفاخر بالمناصب والوظائف. ولعله يكون من الأفضل أن يراعى الاختصار في مثل هذا الأمر والاكتفاء بالبيانات الأساسية والأقارب من الدرجة الأولى - بدون وظائف وجهات عمل - بالاضافة إلى مكان وتوقيت العزاء.
وتشير قضايا الجاسوسية التي تناولها الخولي إلى أن الكشف عن العملاء الخونة كان نتيجة عمل إيجابي من جانب شخص لديه شعور بالمسؤولية وحس أمني، حيث تنبه إلى تصرف معين وساوره بشأنه الشك، وقام بالإبلاغ عنه، أو شخص مسؤول ظل يبحث عن الثغرة الأمنية التي يحدث تسرب المعلومات السرية من خلالها، ولم ييأس وظل يبحث إلى أن توصل إلى المتسبب في الخسائر الأمنية التي تضر بالأمن القومي للدولة. إذن الإيجابية والشعور بالمسؤولية والوعي الأمني هي الصفات التي يجب أن يتحلى بها المواطن منذ طفولته.