رومانوسكي والعراق والعلاقة مع إيران

تقف الولايات المتحدة ساكنة أمام تحول العراق إلى حديقة خلفية للنشاط الاستراتيجي الإيراني.

كان الكثير من المتابعين للشأن العراقي، وبخاصة من يتابعون مجريات وتطورات العلاقات العراقية الأميركية ينتظرون بفارغ الصبر ما تود السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي التعبير عنه من رؤى وتوجهات وعن مواقف نستطيع من خلالها أن نضع مؤشرا لتصاعد أنماط تلك العلاقة أو أنها تسير في مفترق طريق لايمكن التنبؤ بما ستؤول اليه الأوضاع في هذا البلد من تطورات.

تتذكرون أنه قبل ثلاثة أسابيع كانت رومانوسكي قد وعدت العراقيين بأنها ستكتب كل خميس ما تود الإفصاح عنه من تطورات تلك العلاقة بين العراق والولايات المتحدة وكيف ترسم ملامح مستقبلية لطبيعة تلك العلاقة يأملون منها العراقيون أنها ستكون ذا طابع تطميني يعدهم بأنهم سيكونون في أفضل حال من خلال الدعم السياسي والإقتصادي الأميركي الذي سيقدم للعراق.

لكن ثلاثة أسابيع مرت ولم نر أو نسمع أن السفيرة رومانوسكي قد كتبت أو غردت بشأن الطريق الأمثل لوجهة نظر بلادها أزاء الطريقة التي ترسمها الإدارة الاميركية ويكون بمقدورها مساعدة العراقيين للتغلب على أزماتهم لكي تسير الأوضاع الى الحالة الأفضل التي يتمنونها.

وما عبرت عنه رومانوسكي من تغريدات خلال إسبوعين كان يرد على الضربات التي تلقتها السفارة الاميركية ببغداد من مجاميع مسلحة وهي تناشد رئيس الوزراء الإلتزام بتعهداته أزاء حماية البعثات الدبلوماسية ليس إلا.. وهو رد فعل طارئ لا علاقة له بما وعدت به من إشارات أو تلميحات يمكن أن ينتظرها الرأي العام العراقي لمعرفة ما تود الإدارة الأميركية إتخاذه من سبل لتحسين اواصر تلك العلاقة والإسهام في إستقرارها ونموها نحو الأفضل.

أما التغريدة الأخرى يوم الثلاثاء فهي تحث الشباب العراقي لكي يكون لهم دور في مواجهة أزمة المناخ وهي لم تدخل في إهتمام العراقيين وفي أولوياتهم، بل أنها ليس مساسا أو تأثيرا مباشرا بحياتهم اليومية فأزمات العراق أكبر من أن تحلها أزمات المناخ.

بل أن أزمات المناخ تركها العراقيون لرئيسهم الذي لم يترك الرجل دولة في المنطقة او خارجها إلا وزارها وأستمتع الرجل في جولات سياحية لدول عديدة لم يجن منها العراقيون سوى إرهاقا لميزانيتهم من حجم إنفاق الإيفادات الكثيرة التي كان بإمكانها أن تحل ازمات العوائل الفقيرة وعوائل الشهداء والمعدمين ورواتب المتقاعدين المأساوية وما تعانيه شرائح عراقية كثيرة من مرتبات متدنية وعيش يكاد يكون بشق الأنفس.

ولا ندري لماذا صمتت النائبة عالية نصيف التي كانت تتابع أخبارا من هذا النوع وتتلقفها مع نواب آخرين لغرض إثارتها في دوائر النزاهة والإعلام، لكن عطلة البرلمان حالت دون تناولها كما يبدو بالرغم من أن هذا ليس موضوعنا على كل حال.

كنا نتابع في السبعينات والثمانينات والتسعينات وصولا إلى الالفية كتابا أميركيين أو مستشارين أمنيين كبارا للرؤساء الأميركان مثل هنري كيسنجر أو زبينغو بريجنسكي أو غوندليزا رايس ونظرياتها في الفوضى الخلاقة وآخرون كثيرون، وهم يرسمون لنا مؤشرات وملامح عن أوضاع المنطقة وعن مستقبل العلاقات العراقية الأميركية سلبا أو إيجابا أي في ظل تحسنها أو تدهور أحوالها، ولكل منهم لديه وجهة نظر في كيفية التعبير عن تلك الرؤية بما يدعم وجهة نظر بلاده ازاء العراق، وكنا ننتظر من السفيرة رومانوسكي وهي سفيرة فوق العادة، وضابطة مخابرات من الطراز الأول ولها صلاحيات واسعة لدى الرئيس الأميركي، في تقرير مستقبل العلاقات العراقية الأميركية أن يكون لديها ملامح لخارطة طريق لإنتشال علاقاتها مع العراق من تلك الأزمات.

كما لم نر مخططو استراتيجية أميركان منذ سنوات وقد غابوا عن الظهور في الإعلام، وكأن الولايات المتحدة تعيش حالة إنحسار وجدب فكري وقيمي وحتى أخلاقي لدى راسمي الإستراتيجيات الجدد ومخططيها، ولم نجد ضمن تفكيرهم ما يرسم ملامح لشكل النظام السياسي الدولي الجديد، والمؤشرات التي يمكن أن ينتظرها العالم للتعامل معها كتصورات ومناهج عمل للمستقبل.

المشكلة التي تواجهنا كمتابعين للشأن العراقي أن هناك شكاوى أميركية من تدخلات إيران الكثيرة والمتعمقة في الشأن العراقي، بالرغم من أن الكثيرين يدركون حقيقة تناسق الأدوار وتكاملها بين الولايات المتحدة وإيران، فهما أكثر بلدين لديهما هيمنة كاملة على مقدرات العراق..

ومع كل أواصر العلاقة غير المنظورة شكليا بين إيران والولايات المتحدة وكيل الإتهامات المتبادلة بينهما، إلا أنه من الملاحظ أن وسائل التقارب والتفاهم بينهما في الرسائل المشفرة والإشارات المتبادلة وأحيانا تقوم بتلك المهمة المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت عندما يريد ألاميركان إيصال رسائل سريعة لإيران لتقوم بترطيبها ورشها بالعطور المحببة للنفس الإيرانية لكي تعبر عن إرتياحها لها عند إستكمال المباحثات معهم بروج إيجابية متفائلة في الأغلب بالرغم من أن العراق في الأغلب لم يدخل في دائرة إهتمامات بلاسخارت في تلك المباحثات.

بل أن تلك العلاقات الوطيدة بين الولايات المتحدة وإيران تبدو أكثر بكثير من وسائل الإفتراق والتباعد وما يجمع بينهما من تعاون وتنسيق وترابط في الأهداف والتوجهات الإستراتيجية في مختلف المجالات بشأن أحداث المنطقة وتطوراتها وفي الشأن العراقي هو تنسيق شامل وعضوي ويكاد كل واحد منهم يكمل دور الآخر، بشكل مغاير تماما مما يتحدثون عنه علنا لوسائل الإعلام.

هذا النفاق الأميركي الإيراني المشترك والإزدواجية في التعبير عن الرؤى والتوجهات والمصالح والأهداف وما يرافقهم من عمليات تضليل وخداع للرأي العام العراقي والاقليمي يرسم أدوارا خطيرة لتطورات المنطقة ويبدو أن العراق طوال تلك السنوات التي تعدت العشرين عاما من نظام سياسي فرضوه على الشعب العراقي ما يزال كلا الطرفين يسهمان بإستمراره برغم أن نظامهم السياسي كما يؤكد مراقبون يعاني من سكرات الموت في كل لحظة لكنهم يدخلونه في كل مرة بغرف الإنعاش عله يكون بمقدورهم إطالة أمده لسنوات قادمة.

أن أواصر العلاقات الأميركية الإيرانية هي أكثر بكثير من نظيرتها بين الولايات المتحدة والعراق، بل أن العراق تحول الى مجرد حديقة خلفية لإيران لتنفيذ أجندتها في المنطقة، وهو أمر يدخل المتابعين للشأن العراقي وللعراقيين على حد سواء في حالة إستغراب وتساؤلات مثيرة للقلق عما تخبئه الأقدار للعراق وللعراقيين من تطورات، قد تكون شديدة الوطأة على بلدهم في قادم الايام.