رياض موسى يكشف خفايا جائزة القصب للإبداع المسرحي

أمين عام جائزة  صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي يؤكد أن مهرجان قرطاج قدم كل الممكنات اللائقة بالجائزة. 
إستكمال ملف التسجيل في منظمة (اليونسكو) ضمن برامج حفظ حقوق المبادرات الدولية
تخصيص مبلغ مالي مناسب مع قلادة ذهبية تليق بحجم الجائزة إبتداءً من دورتها المقبلة 

يعد الدكتور صلاح القصب عراب مسرح الصورة في العراق، فضلا عن كونه واحداً من الأسماء المثيرة للجدل الفني والجمالي، فهو مخرج من طراز خاص، أثبت حضوره في تجارب مسرحية متنوعة، اعتمد فيها على مسرح الصورة الذي أصدر فيه بيانات موجهة عدة، شكلت بمجملها فضاءً نظرياً لتجربته البصرية المتفردة، تتوافق مع مسرحه الإبداعي الذي تكون عبر مسيرة مسرحية متنوعة، منها مسرحياته: هاملت، العاصفة ، الملك لير، ماكبث، طائر البحر، الشقيقات الثلاث، الخال فانيا، أحزان مهرج السيرك، الخليقة البابلية، حفلة الماس، عزلة في الكريستال، الخادمات، عطيل، عرض أزياء، ثورة الزنج، محاكمة لوكولوس، والحلاج. 
القصب قال عن تجربته في مسرح الرؤى: "إنني لا أتعامل مع نص من النصوص التي دونتها ذاكرة المسرح والدراما، إنني أبحث في النص الذي يشغل مخيلتي، ويدفعني إلى دوائر السحر والهلوسة، وأبحث عن النص الكوني الذي يبحث عن الإنسان، وسط تراجيديا هذا الكون المرعب، الذي يسحق الإنسان وتراثه العظيم، ولهذه الأسباب وغيرها جاءت (جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي)، التي أعلن عن انطلاق أعمال الدورة الأولى لها في العام 2018، وهي جائزة تمنح تقديراً وتثميناً لشخصية عربية أو مؤسسة أو هيئة ثقافية أو فنية أو إدارية، وقد حققت حضوراً وتميزاً في إرتقاء الذائقة الجمالية وفتح فضاءات جديدة لديمومة الحراك المسرحي العربي خلال العام 2017، ويتم الترشح للجائزة عن طريق إحدى المؤسسات أو الهيئات الثقافية أو الفنية أو يتم الترشيح من قبل الأمانة العامة للجائزة، وتضم الأمانة العامة للجائزة في عضويتها شخصيات ثقافية وفنية وأكاديمية لها إنجازات مؤثرة في رسم وتوجيه مشهد الحياة الثقافية والفنية العربية الراهنة. 
وتواصلت - مؤخراً - مداولات اﻷمانة العامة لجائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي بشكل متصاعد، عبر الفضاء الرقمي استجابة لشروط السلامة الصحية في الظرف الراهن، وجرى التداول في المقترحات التي تقدم بها أعضاء الأمانة بخصوص ترشيحات الجائزة لدورة عام 2020، والتي أسفرت عن ترشيح عدد من الشخصيات. وأكد الأمين العام للجائزة أن الأمانة العامة منفتحة على جميع المسرحيين والمثقفين، وستحظى مقترحاتهم باهتمام الأمانة العامة للجائزة التي تقف على مسافة واحدة من الجميع ﻻ سيما أنها تضم في عضويتها مجموعة من النقاد والمسرحيين العرب الذين أسهموا في تشكيل المشهد المسرحي العربي، وبغية الوقوف على فكرة وطبيعة وشروط  منح هذه الجائزة، كان هذا الحوار مع الدكتور رياض موسى سكران الأمين العام لهذه الجائزة، التي ربما تعد الأولى من نوعها تكريماً للمخرج الكبير الدكتور صلاح القصب عراب مسرح الصورة في العراق والعالم العربي. 

قد يكون المرشح في إحدى الدورات القادمة شخصية عراقية، ولكن ليس لأنه عراقي من موطن إبداع القصب ضمن رؤية مناطقية ضيقة ومحدودة الأفق، بل لأنه مسرحي عربي له منجز إبداعي وحضور وشاخص ومؤشر، أستحق عليه هذه الجائزة

قال د. رياض موسى: إنطلقت فكرة الجائزة في مهرجان طقوس في الأردن، في شهر يونيو/حزيران عام 2018 حيث كان المهرجان قد أعد طقساً أحتفائياً بالدكتور صلاح القصب عبر ندوة بعنوان "الطقس في مسرح الصورة" وعقدت هذه الندوة مرتين، مرة في قاعة ندوات المهرجان، ثم عقدت ثانية في الجامعة الأردنية، وخلال أيام المهرجان طرحت فكرة أن نقدم لأستاذنا الدكتور صلاح القصب شيئاً يليق بمكانته ودوره المؤثر في المسرح العربي، وقد تفاعل الأخوة والأصدقاء مع هذه الفكرة، وكان بينهم مدير مهرجان طقوس الدكتور فراس الريموني والدكتور عدنان المشاقبة والدكتور عبدالرضا جاسم، وهم جميعاً من طلبة الدكتور صلاح القصب، مع مجموعة من الأصدقاء والأخوة المسرحيين العرب، فكان المقترح هو تقديم شيء يبقي اسم صلاح القصب حاضراً في المشهد المسرحي العربي، وكانت خطة الجائزة مرسومة ومكتملة في ذهني.
كانت دعوتي لمهرجان القاهرة الدولي في الدورة (25) لعام 2018 فرصة لإستكمال مشروع الجائزة، حيث تتواجد نخبة من المسرحيين العرب، وكان سؤالهم الدائم وحديثهم اليومي هو صلاح القصب، وما أحدثه من هزة جمالية في أرضية المسرح العربي، وإن ما نجده في كثير من التجارب المسرحية العربية المهمة والمؤثرة الآن، هي امتداد لتجربة صلاح القصب في مسرح الصورة. وهكذا اتفق الجميع على أن صلاح القصب هو مؤسس مسرح الصورة في الوطن العربي، لا سيما أن ندوة تلك الدورة من المهرجان كانت بعنوان "فلسفات الجسد"، وكانت أبحاث الندوة تتماهى وتتداخل وتشتبك إلى حد كبير مع الحديث عن عروض مسرح الصورة وعن تعاضد فلسفة الجسد مع آليات تشكيل الخطاب في مسرح الصورة لصلاح القصب، فتمنى أحد الأصدقاء المسرحيين العرب لو كان أحد محاور الندوة قد خصص لمسرح الصورة، واقترح آخر ندوة أخرى في مهرجان آخر لهذا الموضوع، وهكذا توالت المقترحات طوال أيام مهرجان القاهرة، وبدت المقترحات والآراء ووجهات النظر تتوالى بطريقة العصف الذهني، حتى إذا ما طرحت مقترح الجائزة صاح جميع الحاضرين "مبادرة راقية تليق بالقصب"، وقال لي المسرحي الكبير عبدالكريم برشيد بهدوئه المعهود وبلهجته المغربية الجميلة: "هنيئاً لك هذا الوفاء"، وعلق الدكتور عبدالواحد بن ياسر بصوته الجهوري ولغته الأنيقة "والله يا دكتور رياض أنا أغبط القصب عليك"، وتوالت كلمات الإطراء والدعم والتشجيع التي اختصرت الزمن ودفعتني لمفاتحة الصديق الحميم الدكتور حاتم دربال مدير دورة مهرجان قرطاج في حينها، والذي تفاعل مباشرة بشكل إيجابي مع الموضوع فقال: "يسعدني أن أشارككم في تقديم كل ما يليق بمكانة أستاذي الدكتور القصب في المسرح العربي".
هكذا كانت فكرة الجائزة، وهكذا ولدت من رحم البيئة المسرحية ومن خضم تجمعات المسرح العربي وشخصياته المؤثرة في صناعة الحياة المسرحية العربية والدولية، والجائزة الآن أصبحت تقليدا سنوياً راسخاً، ويطمح الكثير من الشخصيات والمهرجانات والفرق والمؤسسات بأن تحظى بها أو تكون من نصيبها. ونحن الآن في الأمانة العامة للجائزة قد استكملنا ملف التسجيل في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن برامج حفظ حقوق المبادرات الدولية المقامة بشكل، دوري ضمن تجمعات وملتقيات مسجلة ومعترف بها دوليا وبإشراف شخصيات لها حضور وإنجازات مؤثرة في أحد أشكال التراث الثقافي.
وأوضح رياض موسى أن الهدف من الجائزة مرتبط عضوياً بشروط منحها، فهي تمنح تقديراً وتثميناً لشخصية عربية أو مؤسسة أو هيئة ثقافية أو فنية أو إدارية حققت حضوراً وتميزاً، في الإرتقاء بالذائقة الجمالية وفتح فضاءات جديدة لديمويمة الحراك المسرحي العربي، ويتم الترشح للجائزة عن طريق إحدى المؤسسات أو الهيئات الثقافية أو الفنية أو الفرق المسرحية، أو قد يتم الترشح بناءً على مقترحات وتصويت أعضاء الأمانة العامة للجائزة. فالشرط الأساسي الذي أعتمد في الترشح وفي القرار النهائي في منح الجائزة هو الإبداع والتميز في الحضور والتأثير الفاعل للمنجز الذي يفتح فضاءات جمالية ترتقي بالثقافة المسرحية العربية، فقد يكون الإختيار فرقة مسرحية أو قد تكون هيئة ثقافية أو قد تكون شخصية مسرحية مؤلفاً أو مخرجاً أو ناقداً أو ممثلاً، فالتميز والأثر الإبداعي والقيمة الجمالية تفرض نفسها بقوة على المشهد وعلى رؤية أعضاء الأمانة العامة للجائزة وبالتالي قرار منح الجائزة.

وتابع قائلا: يكفي الحاصل على هذه الجائزة فخراً أنها تحمل اسم صلاح القصب، هذا الاسم الذي قاد بوصلة الذائقة الجمالية للمسرح العربي عبر أعماله المسرحية وبياناته وتنظيراته لمسرح يحاكي منطق العصر ويؤسس لثقافة المستقبل، وهذا بحد ذاته يشكل طموحاً وأمنية للكثيرين في الحصول على الجائزة، لكن الأمانة العامة للجائزة إرتأت أن يكون للجائزة ثقلاً مادياً مرافقاً لقيمتها المعنوية، فعملت على تخصيص مبلغ مالي مناسب مع قلادة ذهبية تليق بحجم الجائزة، وفي هذا الجانب أتوجه باسم أعضاء الأمانة العامة للجائزة بالشكر والعرفان للفنان العالمي نصير شمه لتواصله الدائم ومتابعته وحرصه، كما أتوجه بالشكر والإمتنان لوزير الثقافة العراقي الدكتور حسن ناظم، ووزير الثقافة التونسي الأسبق الدكتور محمد زين العابدين المدير الحالي لقسم الثقافة والإتصال بمنظمة (الإيسيسكو)، والدكتور الشاعر نوفل أبو رغيف المدير العام في وزارة الثقافة العراقية، والدكتور زهير شمه ممثل الجالية العراقية في تونس، لإسنادهم الكبير ومتابعتهم الحثيثة واهتمامهم وتواصلهم وتقديم الدعم الدائم لتسهيل عمل الأمانة العامة.
ويوضح د. رياض موسى أن الدورة الجديدة 2020 تتميز عن الدورات السابقة بوجود عدد من المستشارين لعمل لجائزة وإبداء المشورة في بعض مفاصل الجائزة، بناءً على مقترح أعضاء الأمانة العامة، وهم أيضا مجموعة لامعة من المسرحيين العراقيين والعرب أسهمت في خلق روح جديدة في عملنا، إضافة إلى وجود أعضاء الأمانة العامة، وتواصل الجميع بشكل مستمر.
ويؤكد موسى أن تفاعل إدارة مهرجان قرطاج الدولي للمسرح كان إيجابياً لدرجة عالية مع الجائزة، وتعامل القائمون على إدارة المهرجان كجزء من تقدير كبير واعتزاز من مسرحيي تونس باسم وشخصية الدكتور صلاح القصب وحضوره الدائم في جميع دورات مهرجان قرطاج، فضلاً عن دوره الكبير في تشكيل الذائقة المسرحية العربية، ولما قدمه من منجز حاضر ومؤثر في رؤى جيل من المسرحيين العرب، هذا الحراك الإيجابي تمخضت عنه الولادة الرسمية للجائزة وإعلان إنطلاقها في أهم وأكبر المهرجانات المسرحية العربية، وهو مهرجان قرطاج المسرحي الدولي في تونس، في ختام الدورة (20) لسنة 2018، ولأن مهرجان قرطاج يمتلك قيمة رمزية عالية في فضاءات المسرح العربي، فقد آثر أعضاء الأمانة العامة للجائزة أن تعلن في دورتها الأولى عبر منصة هذا المهرجان، وقد توجت بها شخصيتان مناصفة هما الفنانة التونسية الرائدة زهيرة بن عمار والفنان التونسي الرائد رؤوف بن عمر، وشاءت المصادفة أن تأتي الدورة (21) من المهرجان بتتويج شخصية تونسية أيضاً بالجائزة وعلى منصة قرطاج ذاتها، وهو الكاتب المسرحي الدكتور عبدالحليم المسعودي، ولأن مهرجان قرطاج فتح ذراعيه لإحتضان هذه الجائزة وتقديم كل الممكنات لدعم عمل الأمانة العامة للجائزة، صار التتويج بالجائزة ضمن بروتوكولات حفل ختام المهرجان، فكان الواجب الأخلاقي والعرف الدبلوماسي أن يتعامل أعضاء الأمانة العامة بالمثل، فكان القرار أن تكون منصة قرطاج هي الأفضل عربياً لإعلان جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي، حتى وإن كانت الشخصية التي تحظى بالجائزة شخصية عربية غير تونسية. 
وأضاف: ليس هنالك ما يمنع من منح الجائزة لمن يستحقها ضمن شروطها الفنية ولائحتها التنظيمية، سواء كان عراقياً أم مصرياً أو تونسياً أو من أي بلد عربي، فالجائزة ليست مناطقية أو محلية مقيدة بحدود جغرافية أو بيئية معينة، إنما هي كما يوضح عنوانها "جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي"، والجائزة اليوم بما تمتلك من ممكنات وما فتحته من آفاق، دخلت بثقة إلى فضاءات الإبداع الدولي والعالمي، وأنا شخصياً كأمين عام للجائزة وناقد مراقب للمشهد المسرحي العربي، أرى أن المسرح العراقي يضم نخبة لامعة من المبدعين، فهنالك العقل الجمالي المتفرد الدكتور عقيل مهدي، والفنان الكبير عزيز خيون، والفنان مقداد عبدالرضا، والسيدة المبدعة الدكتورة عواطف نعيم، والدكتورة المتألقة شذى سالم، والكاتب المسرحي فلاح شاكر، وأستاذ فن التمثيل المبدع الدكتور هيثم عبدالرزاق، والمبدع المتميز رائد محسن، والكاتب المجتهد علي عبدالنبي الزيدي، والكاتب الجميل مثال غازي، والفنان المبدع فيصل جواد، والكاتب المسرحي الحداثي خزعل الماجدي. والقائمة تطول جداً بأسماء أخرى مبدعة، وكلهم يستحقون هذه الجائزة وغيرها، وقد يكون المرشح في إحدى الدورات القادمة شخصية عراقية، ولكن ليس لأنه عراقي من موطن إبداع القصب ضمن رؤية مناطقية ضيقة ومحدودة الأفق، بل لأنه مسرحي عربي له منجز إبداعي وحضور وشاخص ومؤشر، أستحق عليه هذه الجائزة.