'سلوقيات وطرائد' قصائد مؤجلة من ثنائية الأشياء الرمادية

مجموعة عبدجبر الشنان الشعرية تطالعنا بتمظهرات سيميائية من وجع الفواجع تبوح بموت مؤجل، هي مخاضات مندفعة من أعماق الشاعر الوجدانية وصولا إلى مسارب وعي القارئ، تلك ثنائية ما بين الموت والحياة جسدتها نصوص من التناغم الداخلي وغنائية المفردة.

اصدر الشاعر عبدجبر الشنان ديوانه الأول "سلوقيات وطرائد" عن دار الينابيع السورية.

وتطالعنا المجموعة الشعرية بتمظهرات سيميائية من وجع الفواجع  تبوح بموت مؤجل يلوح بافق رمادي لاينتظر، هي  مخاضات مندفعة من أعماق الشاعر الوجدانية وصولا إلى مسارب وعي القارئ .تلك، ثنائية ما بين الموت والحياة، جسدتها نصوص من التناغم الداخلي وغنائية المفردة.

وهنا يكشف لنا الشاعر عن مخاتلة واصفة للمفردة الشاعرة والقلقة، تلك نوازعه النشطة، تنتاب الشاعر في لحظة اقتناص حميمي من ارتشاف الالم السديمي نسجها في تناسق نثري أثيري لا حدود لمؤثراته ودوافعه جاعلا من قصائده معادلا موضوعيا لغربة روحه المسهدة.

اقتباس:

يتفادى سقوطي

عليه

داهمه ضجر

مال

بلهجة

من غبار-----ص 5

ونمضي في استطلاع ملامح هذه الهيئة المبتدعة لنقبض على مزيد من معالم هذا الحزن السومري فنقع على تجاعيد لاعهد لنا بها من اليباس والانطفاء، هذه اللوعة المتسلطة على ضمير الشاعر ومسارب رؤاه والتي لايجد بد من فضحها على الرغم من رمادية المصير المحتوم والتي لاتعني بالضرورة ديمومة المأساة بقدر ما قد تفضي إلى "الموت"حياة جديدة

ولهفة اللقاء للاصدقاء الغائبين عنه من زمن.

اقتباس:

وفي الصباح مثل التهم

نفيق

لتدرك مصائرنا

بلهفة شرسة ص 14

في قصائد أخرى نجد أشياء الشاعر حاضرة في وجدانه (الاصدقاء والخمر والمرأة) يشكلان عالم الشاعر القابض على الجمر فيسعى إلى الانشراح والتمرغ في نعيم الوهم والحلم كي تنجلي عنه كربات الحزن وسحب البؤس باليقين المشدود إلى مخيلة خصبة إلى هذه اللحظة حتى يتعدى ذلك وبدون تردد إلى ذكر أسماء ندمائه في عنوانات قصائده .فصورهم تعيش معه وكأنها اللحظة (عقيل على، ادم حاتم، فاضل الحلاق، حامد الذيقاري، علوان سعيد ---الخ)

ترويض: في أحضان الظلمة.

اقتباس:

الكأس

سادر في غفوته

يوقظه صمتي

رؤوسنا تزمجر والخمرةص 20

---ذهول:لأني عشقت

صحبتك المؤنسة

اقترفوا الانصراف في وطن مهمل---ص 49

"الانزياح المعنوي" يسلكه الشاعر في نظم قصائده عبر ما يسمى بتراسل الحواس، فالشاعر هنا بدا رمزيا فترجم أفكاره كي يرسلها في نسق شعري منظم على ظلال جدران ذاته المخبوءة في اللاوعي، فكل ما يرشح للمتلقي من معاني وأفكار ومعالم ليس ألا من قبيل التفسير الذاتي، والتحسس الفني ألمتاني من رهافة التذوق الجمالي.

اقتباس:

صدا نيئ

لأنك جوار صخبنا

نقترف صمتا كثيرا

ولاتاسف

لأيام عتقتها

عبثا – عن خيبات تليق بنا ص 68

كل النكسات والهزائم وعقم الفصول وكساد المواسم وضروب القحط واليباس وقوافل الموت في ساحات الوغى وتدافع الأيام والآجال ولو أمعنا النظر فيها في تقاسيم القصيدة لتبين إن هناك مشهدية تعاقبية ما بين "سلوقياته وطرائده" التي لا تهدأ أبدا بمحمولاتها الموحية التي اهتدى إليها بجدلية الفصول الأربعة والتي لا تهدأ أبدا "مابين الجنة والنار"، "الوجود والعدم"، "الحياة والموت" فتلك اللوحة التي تكاملت معالمها شيئا فشيئا لتتسع دائرة دوامة الخراب .

اقتباس:

علامات فارقة

أولئك

الذين نسوا أيديهم

فوق مجامر الحروب ---خلسة—ص 108

وهنا يوغل الشاعر في عذوبة الكلمات والمجازات إلى الحدّ الأقصى للتفوّق على مرارة الحياة،وقد تتوارى قصائده حيث يبدأ الوجود، ويتجسّد اندفاعه في البحث عن الدفء في مدن تمارس عنفها على نفسها،  في عالم يخلق مفارقاته المأساوية وصدماته المعاكسة لأحلامه التي لا تستطيع نفضها عنه لأنه بها فقط يبقى ويستمر.

اقتباس:

محنة عذبة

كان متواريا بين الحياة والموت

كان بلا وطن يتجاهله

كان من المفروض

أن يرسم بيتا

يأويه بظلاله من التجوال----ص  118

وأخيرا نقول لقد تضرج قلم الشاعر هاهنا وهو ينقل احتدام تلك الثنائية المروعة بكل إيحاءاتها وإيماءاتها الساكنة في دفاتر الزمن الغارب وذاكرة المدينة والاصدقاء المغيبون لازالوا حاضرين في ذهن وضمير الشاعر، زورق صغير على مويجات نهر الفرات العذب كل صباح يستيقظ على جلبة المدينة الغارقة بالحروب والموت والوداع.