سوريا الروسية وأوكرانيا الأميركية
عبر سنوات الحرب السورية حاولت الولايات المتحدة أن تجد لها موقعا مباشرا في الصراع هناك غير أنها فشلت.
حتى حجتها في الحرب على الارهاب فتتها الميليشيات الإيرانية التي مارست نوعا من الانتحار في الدفاع عن الطريق التي تصل بيروت بطهران عبر الاراضي العراقية والسورية.
ربما كان مسموحا من وجهة نظر أميركية خفية لإيران أن تجتاح العالم العربي من أجل إحداث فوضى بنسب متباينة في الخرائط العسكرية الروسية. ذلك مجرد تكهن عملت الإدارة الأميركية على أن لا تكسبه قرائن تؤكد مصداقية شبهاته.
غير أن الثابت أن الأميركيين كانوا محرجين وهم يسعون إلى إزاحة كابوس السيطرة الروسية التامة على دولة هي جارة إسرائيل الأكثر نفورا.
لم تكن الإدارة الأميركية تنوي من وراء تدخلها العسكري اسقاط نظام الأسد في دمشق، ولكنه صراع قوى عالمي يتخطى الأسد وسوريا وثورة شعبها إلى آفاق المعادلات الأممية الكبرى.
لقد حققت روسيا سبقا ونالت حظوة على الأرض لأنها كانت موجودة أصلا في سوريا، سواء على الأرض من خلال قاعدتها العسكرية أو في العقل السياسي السوري الذي لم يخطئ حين وضع كل أوراقه في السلة الروسية.
غير أن ذلك السبق سيعود في ما بعد على روسيا بانشقاق جارتها الشقيقة عن إرادتها ومحاولتها التلاعب بمصائر، كان يجب أن لا تُمس بغض النظر عن نزعات النظام الحاكم في كييف.
لقد انمحت المسافة بين سوريا وأوكرانيا حين شعرت الولايات المتحدة أن فرصة الثأر لهزيمتها في سوريا قد حانت بغض النظر فيما إذا كان ذلك الثأر سيضع مصير الشعب الأوكراني على كف الشيطان.
لم تكن أوكرانيا في حاجة إلى أن تتحدى الثوابت الروسية وليس من مصلحتها أن تقوم بذلك. غير أن وصول شخص مثل زيلنسكي بأفكاره العنصرية إلى الرئاسة جعل التسلل الأميركي إلى أوكرانيا متاحا بل ومرغوبا به من قبل الطبقة السياسية الحاكمة في أوكرانيا.
تلك كانت فرصة الولايات المتحدة لكي تنتقم لهزيمتها في روسيا. وإذا ما كان الموضع الثأري الذي اختارته يعبر عن خطأ في التقديرات لا لأنه يقع في قلب أوروبا فحسب بل وأيضا لأنه يقع ضمن دائرة الأمن الوطني الروسي.
لذلك فإن التدخل الأميركي في أوكرانيا يعد فكرة انتحارية. غير أن الانتحار بأوكرانيا يمكن أن يكون حدثا صغيرا مقابل الإضرار بروسيا. أولا من خلال جرها إلى حرب مدمرة وثانيا لفرض عقوبات عليها لا يعلم أحد إلى أي مدى ستصل لكي يتم خنق روسيا. هل المطلوب أن لا تختنق روسيا لكي لا تكون موجودة قطبا في عالم متعدد الأقطاب؟
روسيا الموجودة في سوريا باعتبارها قوة كبرى لا يمكن أن تكون أقل من ذلك إذا ما تعلق الأمر بجارتها التي كانت يوما تحت سلطتها ولا يزال هناك ملايين الروس يقيمون فيها.
لذلك يمكن القول إن التحدي الأوكراني كان فارغا من أي معنى. هو الآخر نوع من الانتحار كما أن التحاق أوروبا في الصراع الأميركي الروسي يكشف عن غباء أوروبي لا يمكن سوى أن ينذر بعواقب وخيمة على الاتحاد الأوروبي الذي يواجه الكثير من التحديات المصيرية بعد خروج بريطانيا منه.
تجد الولايات المتحدة مصلحة في زعزعة استقرار القارة العجوز. فهي لا ترغب في وجود قطب رابع يضاف إلى الأقطاب الثلاثة (الولايات المتحدة وروسيا والصين). وهو ما يعني أنها وجدت في أوكرانيا مناسبة لتهميش روسيا والاتحاد الأوروبي معا. العدوان اللذان ينبغي التخلص منهما على المستوى الدولي. كان بوتين يتمنى لو أن زعماء أوروبا كانوا قد أدركوا تلك الحقيقة وتعاملوا بطريقة ايجابية مع موقفه الرافض لانتماء أوكرانيا إلى حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي.
لقد غلب التحزب الغربي على الرؤية الأوروبية المستقلة فتخلى الأوروبيون عن حيادهم في الصراع فلم تعد وساطتهم ممكنة. تخلى الأوروبيون عن وساطتهم في حين كانت روسيا تتوهم أن أوروبا بعد عقود وجدتها صارت في منجى عن الوقوع تحت تأثير الدعاية الأميركية. ذلك لم يكن صحيحا.
ما حدث يكشف أن أوروبا قد سقطت في الفخ الأميركي لأنها كانت هي الأخرى منزعجة من توازن القوى الذي خلقته روسيا بهيمنتها على سوريا. لقد دعمت أوروبا القوى المناهضة لنظام الحكم القائم في دمشق وكلها تنظيمات دينية متطرفة وكانت بوصلتها في ذلك أميركية.
يوما ما سيقول الأوروبيون "لقد خدعتنا أميركا". لم تكن سوريا شأنا أوروبيا لكي تتخلى أوروبا بسببها عن أوكرانيا الأوروبية.