شلال عنوز .. عمق في المعنى الشعري والروائي

قصيدة 'عندما يبكي الماء' للكاتب والشاعر والقاص شلال عنوز تتلبس قارئها وتشعره بعمق المبادئ، وروايته 'وكر السلمان' تحيل الى ان الحرية ضرورية لكل أديب لمساعدته على تفجير طاقته وعواطفه وللتعبير عن آمال الإنسان وأحلامه وهمومه وحاضره ومصيره.

من حقي ان افرح بصداقتي للكاتب شلال عنوز، شاعرا وقاصا، فقد وجدت فيه، مثقفاً تنبع موهبته من محبة الحياة، وعشق الجمال في الطبيعة والإنسان، وليس مثقفاً تنبع موهبته من الكراهية أو النقمة أو اليأس، إنه عاشق انساني من الدرجة الأولى، يملأ العشق وجدانه  بالعواطف النبيلة، وهي عواطف تفيض من هذا الوجدان على كل قضية  تتصل بمجتمعه .
منذ ان قرأت له قصيدته (عندما يبكي الماء) قبل سنوات ، ظل اسمه متجذرا في وجداني، فمفردة عنوان القصيدة، بقيت تحاكي ضميري، فكم عظيمة تلك التروية في هذا العنوان المبهر، قال فيها :
أيها الماء
لا تكترث لهذا اللغو
الهمجي
فصوتي هو الحقيقة
الآتية من
أعماق بابل
تشظيات كلكامش
وجع علي
حرارة دم
الحسين
 هذه القصيدة تتلبس قارئها وتشعره بعمق المبادئ  وهي نص بمستوى تركيبي متماسك، وملحمة تحكي واقعا مجتمعياً ملموساً وتبين التزام كاتبها، فالالتزام يعني حرية الاختيار وهو يقوم على المبادرة الايجابية الحرة من ذات صاحبه مستجيبا في ذلك لدوافع وجدانية من أعماقه، فالحرية شرط أساسي من شروط الالتزام وليس ملتزما صادرا عن قسر أو مجاراة أو نفاق اجتماعي.
اعرف أنّ الشعر عمل ذاتي أكثرَ من كونه كشفا لموقف معين وأن الشاعر يهتمّ بما يتصوره، ولا يبالي بالدلالة ولا يستعمل اللغة إلا جسرا لعالم من الخيال، لكن الاخ شلال يصر في كتاباته على الجانب الملتزم في فكره، مؤكدا ان الشاعر الملتزمَ لا يكتبُ لنفسه بل يكتب من أجل المجتمع بدافعين اثنين ذاتي وخارجي. 
فهو يتحسس مشاكل البشر، ويتأثر بها ثم يصوغها على حقيقتها وهذا يعني ان التزام الشاعر برؤاه  الوطنية جاء على وفق مرتكزات ومنهجية واعية الغاية منها هي حقيقـة الرؤية الفكرية الخاصة ونظرتها إلى الإنسان  وتقويمه نحو الكمال.
وحين اهداني روايته المتميزة (وكر السلمان) سارعت بقراءتها لقناعتي بموهبة كاتبها في المجال الثقافي  ففيها تلمست ان الحرية ضرورية لكل أديب فهي التي تساعده على تفجير طاقته وعواطفه ليستطيع التعبير عن آمال الإنسان وأحلامه وهمومه وحاضره ومصيره، فهي رواية مهمة، متمنيا قراءتها من الجميع .
يسعى الاخ المبدع شلال عنوز الى التطلع لغد جديد، والسير للأمام بخطوات واثقة ومحافظة علـى الثوابـت والأصول  والسعي نحو التقدم والرقي والتخلص من كل أشكال العقد الشعرية والروائية على مر العصور.
 وقد اختار الانحياز الكامل لرؤاه الادبية لكنه يرصد بواقعية اتجاهات المستجدات في الحقول الثقافية فاتجه بنتاجاته نحو القضايا الانسانية في الوطن والعالم بكل مكان محفزاً للبناء والعطـاء ومعـززاً للمواقف الايجابية  في الحياة، واقفا إلى جانب القيم الإنسانية والمثـل العليـا والمبـادئ السامية، عاكسا في عطاءاته الابداعية هموم البشرية وآمالها وإحـساسها بالحاجـة إلـى الـتآلف والتعاون وغير ذلك من الوسائل التي تقود إلى التطوير والتقدم والسلام .
وحين يتجه القارئ والمتابع الثقافي الى نتاجات الكاتب  ملتمساً مضامينه وموضوعاته، ومعرفة دافعيته وبواعث تجربته الابداعية سيجد ان هذا النتاج المفعم بالشجن صورة كلها بهاء ومحبة للإنسان والوطن. واخيرا يمكنني القول ان المبدع شلال عنوز لم يكن في عيون قارئيه كاتبا عادياً بل كان مخـزون ثقافـة شاملة ووعي راق وكل اعماله تعبر بعمق وصدق عن جانب من جوانب الحياة الرصينة.