الصحافة النسوية العربية.. أمسها أفضل من يومها

ضرورة وجود صحافة نسائية راقية فكراً وطرحاً وخطاباً تركز على قضايا المرأة وحقوقها.

من المفيد التذكير بلغة الارقام، فهي التي تمثل السنين، وهي التاريخ الذي يسجل، ويؤرخ. ويمكننا، ونحن نتحدث عن "صحافة المرأة بين الامس واليوم" ان نشير الى البعد الزمني بين ظهور اول صحيفة في العالم، وهي صحيفة أوكسفورد غازيت في العام 1665 في لندن وبين ظهور اول صحيفة نسوية في عام 1831 بأميركا. في التاريخين المذكورين، سنجد ان الفرق بينهما 166 سنة، وهي فترة زمنية طويلة نسبيا بين ظهور الصحافة وبداية نشأت الصحافة النسوية. اما بالنسبة لظهور صحافة المرأة، او ما اصطلح عليه الصحافة النسوية في عالمنا العربي، فقد كان صدور اول مطبوعة عربية، في العام 1894، في مدينة الاسكندرية، وهي مطبوعة حملت اسم "الفتاة". والمفرح بهذا الصدد ان المطبوعة العربية جاءت بفارق قليل نسبياً بين اصدار اول مطبوع نسوي في العالم وبين الاصدار العربي، وهو 61 عاما فقط.

اما في العراق، الذي يعد من الرواد في الاصدار الصحفي النسوي بعد مصر ولبنان وسوريا، فقد صدرت فيه مجلة باسم "ليلى" رأست تحريرها بولينا حسون وهي بعمر 27 عاما، من مدينة الموصل، ومن عائلة، امتهنت الصحافة، فهي ابنة عم الصحفي سليم حسون. وقد تصفحت عددها الاول الصادر في الخامس من تشرين الاول عام 1923، بدار الكتب والوثائق ببغداد، فوجدت ان اهتمامها تركز على مواد تدعو الى تحرير المرأة في كل ما تعنيه هذه الكلمة، في ظاهرة غير مسبوقة في وقتها. ورغم بساطة لغتها وعناوين موضوعاتها، لاحظت ان المجلة سعت بجهد اعلامي واضح الى خدمة قضايا المرأة وتوعيتها بحقوقها وواجباتها وتعريفها بدورها الفاعل في الحياة والمجتمع. ففي افتتاحية العدد 6 الصادر في 15 ايار 1924 نشرت نداءّ جريئا موجها الى الجمعية التأسيسية في العراق تطالبها بمنح المرأة حقوقها. استمرت المجلة بالصدور لغاية العدد 20 وهي تنشر في كل عدد المفيد والجديد، لاسيما المتعلق بأمور العلم والفن والادب والاجتماع وتهذيب الفتاة وتربية الاولاد وصحة الاسرة وسائر ما يختص بتدبير المنزل وكان اصدار المجلة شهريا. وفي عددها الاخير نقرأ مقالة، مفعمة بالحزن، تشرح رئيسة التحرير بولينا حسون للقراء الوضع المالي الصعب للمجلة.

توقفت "ليلى" المجلة النسائية الرائدة في العراق عن الصدور، لكن الصحافة النسوية في بلاد الرافدين ظلت تصدر. فبعد مجلة "ليلى" صدرت مجلة "المرأة الحديثة" لحمدية الاعرجي عام 1936، وفي ذات العام صدرت مجلة "فتاة العراق" وفي العام 1937 اصدرت اول كاتبة صحفية في العراق السيدة مريم نرمة مجلة "فتاة العرب" وبعد ذلك، تعاقبت الاصدارات ووصل الى اكثر من خمسين مجلة نسوية حتى اليوم.

بعد هذا السرد، وهو معروف تاريخيا، نقف امام سؤال: هل الصحافة النسوية اليوم، كانت بمستوى طموح ما كانت تنادي به الصحافة النسوية في الامس؟ بكل امانة اقول ان الامس كان ابهى في طروحات الصحافة النسوية في العراق، وربما في الوطن العربي والعالم، فقد كانت تطرح افكارا وخطابا تنويريا يدعو الى تحقيق المساواة في التعليم والوظيفة للمرأة، وتكثيف دورها في مجالات مجتمعية عديدة، وتأكيد حضورها في الادب والفن والعلوم وتسجل مكانتها في كافة المستويات والمسؤوليات. وساهمت في توعية المرأة وارتقائها في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك فلقد ساهمت في مواجهة أشكال الاستعمار المختلفة، حيث حثَّت المرأة على التعليم والانطلاق.

اما الصحافة النسوية الحالية، فمعظمها، ان لم أقل جميعها، اهتمت بظواهر الحياة، والابتعاد عن الجوهر. فنجد معظم الصفحات ملآى بصور تدل على رفاهية نجوم ونجمات السينما، وآخر صرعات الموضة. وبالرغم من اهمية ذلك، لكن ليس هي الاهمية القصوى. ففي كواليس المجتمع تقبع مشاكل كثيرة تعاني منها المرأة، ينبغي ان تتناولها الصحافة النسوية، منها ظاهرة سيادة المجتمع الذكوري، والعصبية القبلية تجاه المرأة والسلوكيات السلبية التي من الممكن أن تقع فيها في داخل المجتمعات التي لا زالت، تتمسك بالعادات أو التقاليد أو الأعراف أو العادات التي تنادي في عدم ‏إعطاء المرأة الحرية، وغيرها الكثير لا تسعها هذه المشاركة المتواضعة.

وفي ختام رؤاي، اؤكد على ضرورة وجود صحافة نسائية راقية فكراً وطرحاً وخطاباً تركز على قضايا المرأة وحقوقها، فالصحافة النسائية تملك إمكانات واعدة يمكن توظيفها في مجال التنمية الشاملة، من أجل أن تؤدي المرأة الدور المنوط بها في مجال التوعية والمجال الاجتماعي والسياسي، وتبني استراتيجيات إعلامية واضحة المعالم ومحددة بأطر زمنية واضحة تقود في النهاية إلى تحقيق أهداف واضحة تتمثل في تقديم صورة متوازنة وإنسانية للمرأة وتمكينها من المشاركة الفاعلة في العملية المجتمعية برمتها.