صراع "كسر عظم" بين الولايات المتحدة وإيران من أجل تشكيل الحكومة في العراق

 ثمة صراعات شيعية شيعية للوصول إلى منصب رئيس الوزراء لا تقل اهمية عن الصراعي الأميركي الإيراني.

حامد شهاب

من يتعمق في مجريات الصراع الأميركي الإيراني الذي يصل الى حد "كسر العظم" بين الطرفين، يرافقه توجه خليجي ليكون له يد أيضا في العراق، وان كانت ضعيفة، يجد ان كل تلك الأطراف تشترك في هذا الصراع الدامي، حيث يسعى كل طرف من جهته لفرض إرادته في موضوع تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، بما يخدم مصالحه، وقد توضحت تلك المعالم ومحاورها على الشكل التالي:

1.  إن كلا من الولايات المتحدة وإيران شجعتا تشكيل قطبين أو مجموعة أقطاب ضمن الطائفة الواحدة (الشيعية، السنية، الكردية، التركمانية، وباقي الأقليات) لتكوين محورين يتنافسان في النهاية، ويسعى كل طرف الى أن ينتصر فريقه في نهاية المطاف، إنطلاقا من مبدأ تمسكهم بالكتلة الأكبر.

2.  سعت الولايات المتحدة الى تشكيل محور من النصر وسائرون ومن بعض القوى السياسية الشيعية والسنية، على أساس أنه خارج دائرة الاصطفافات الطائفية، وكذا شجعت ايران محور الفتح ودولة القانون لتشكيل محور يضم قوى الحشد الشعبي وقوى سنية لكي تشكل بالمقابل الكتلة الاكبر، وكان الكفة في البداية تميل الى أرجحية تلك الكتلة لكي تكون الأكبر. الا ان الولايات المتحدة لم يرق لها ان ينتصر هذا المحور في النهاية، ولهذا سعت الى تفكيكه بأية طريقة، وهو ما حدث مؤخرا في لقاء جناحي حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي وحيدر العبادي، لتشق جناح الفتح، وتقلل من فرص تحكمه بالقرار وفي تشكيل الحكومة المقبلة بمفرده مع ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، الذي كان خصومه من طائفته نفسها وهم من يناصبونه العداء ولا يريدون لحزب الدعوة ان يعود مرة اخرى ليتسلم قيادة السلطة في العراق وبخاصة جناحي سائرون والحكمة اللذين سعيا لحرمانه منها بأية طريقة. لكن حزب الدعوة برغم التنافس بين جناحيه حاول مرة اخرى ان يلتقي مجددا يوم الاحد بائتلافيه لكي يظهر وحدته في ظرف عصيب يواجههما، وان كانت الوحدة بين الائتلافين هشة، لكن هذا التحرك كان بوحي من الولايات المتحدة التي شعرت ان الطرف الايراني سينتصر اذا ما حكم جناح الفتح دولة القانون في تشكيل الحكومة العراقية، وعملوا بشتى الطرق على نسف توحدهما، ويبدو انها حققت بعض أغراضها في توجه كهذا، للوقوف بوجه المحاولات الايرانية الداعمة لجناح الفتح بأن تكون الكتلة الأكبر.

3.  لقد شعر كل من تحالفي القرار والنصر ان سائرون خذلهما أكثر من مرة، وان وعود قيادات الطرفين في الليل سرعان ما ينتهي مفعولها في النهار، وأيقن كل من العبادي ورئيس تحالف القرار أسامة النجيفي أن مضيهما في مشروع تحالف الاصلاح كان طعما أراد من خلاله سائرون أن يستخدمهما كورقة مؤقتة ويقصمهما في اللحظة المناسبة، وربما شعر العبادي أنه في مواجهة خديعة كبرى وبخاصة في أول جلسة استثنائية للبرلمان لمناقشة اوضاع البصرة المستعرة وتحريض محافظها ضد العبادي، ان الأخير أدرك أن التحالف مرة أخرى مع دولة القانون قد ينجيه من مغادرة السلطة بعد أن وجد معارضة شديدة من كل من الفتح وسائرون لتوليه السلطة لولاية ثانية وصدور بيان مشترك بينهما يرفض تولي العبادي ولاية ثانية، وشعر العبادي أنه وقع ضحية مؤامرة دبرت في ليل كما قال. ولم يتحرك سائرون لرفض الجهات التي اتهمت بالفساد للحيلولة دون تبوئها مراكز قيادية في سلطة القرار، لكن جناح المالكي والفتح دعمهم حتى النهاية، ومرت المؤامرة من وجهة نظر أوساط تحالف القرار على الأقل، وبقيت الأطراف الأخرى الحليفة لسائرون أيضا في حيرة من أمرها.

4.  إن الولايات المتحدة تدرك أنها ما تزال تدعم تولي العبادي لولاية ثانية حتى نهاية المطاف، باعتباره الحل الوسط والجهة الأكثر هدوءا واعتدالا في المواقف، في مواجهة ايران التي تريد ان تفرض مرشحها لرئاسة الوزراء المقبلة بالقوة، وهي تعمل على خلق الاصطفافات حول محور العبادي لتفكيكه بأية طريقة.

5.  إن كل المرشحين الذين ظهروا الى الواجهة ومنهم عادل عبدالمهدي من طرف التحالف الشيعي وحتى برهم صالح من الطرف الكردي لم يجدا دعما من إيران، وكان قبلهم الفياض وطارق نجم واخرون، ووصل عدد المرشحين لرئاسة الوزراء الى اكثر من خمسة أشخاص، وكل يومين او ثلاثة تظهر أسماء جديدة، بحجة انهم لم يجدوا دعما من المرجعية. لكن ايران رفضت تولي عبدالمهدي وبرهم صالح لرئاستي الوزراء والجمهورية كما قيل، وهي تريد شخصيات قريبة منها من جناحي الفتح والمالكي، وما يزال الصراع يحتدم بين جناحي الطالباني والبارزاني حول منصب رئاسة الجمهورية وكل يدعي احقيته بالمنصب، ولم تترك الولايات فرصة الا وشتت اوصال أي تفكير ايراني بالتحكم في سلطة القرار العليا في العراق، وما يزال التنافس على أشده بينهما.

6.  إن دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص ربما شعرت انها انتصرت بتولي محمد الحلوسي لرئاسة مجلس النواب، ولولا دعم المالكي والفتح لجناح الحلبوسي (السني) المكون من الكرابلة والخنجر لما فاز الاخير بالمنصب، وان فوزه يعد من وجهة نظر قيادات تحالف القرار الذي يرأسه النجيفي يعد نكاية بهم، إذ سعى محور الفتح ودولة القانون لحرمان قيادات الوطنية والقرار من الوصول الى هذا المنصب وفازت الرغبة الايرانية الداعمة للحلبوسي في نهاية المطاف، والذي تعده ايران انه أقرب الى أجنحة الحشد الشعبي، لكي يرضخ لقراراتها عندما تريد أن تبسط هيمنتها على مقدرات المحافظات السنية، ووجدت في الحلبوسي من يمثل هذا الدور وعملت على دعمه بشتى الطرق، ونجح هذا الدعم في نهاية المطاف، كما تريد ايران ان تفرض قرارها في قضية منصبي رئيسي الجمهورية والوزراء، لكنها تواجه عراقيل جمة من الولايات المتحدة التي لا تريد للجناح المحسوب على ايران ان تكون له الغلبة في التحكم بمقدرات العراق.

7.  ومن المعروف أن التنافس الايراني الاميركي الان هو في أشده، وبخاصة خشية ايران من تطبيق العراق للعقوبات عليها، وهو الذي يسبب لها مصدر قلق كبير لايران هذه الايام، كما ان ايران لا تريد ان تخرج من الساحة العراقية دون ان تكون هي المهيمنة على سلطة القرار في العراق، وتجد في أطرافها الموالية لها انها هي العقبة بوجه الطموحات الأميركية الساعية لإخراجها من العراق، أو على الأقل تقليم أظافرها في هذا البلد.

8.  قد يكون بمقدور العبادي الحصول على ولاية ثانية، في حالة عدم توصل بقية المرشحين الى توافق اميركي ايراني، اذ ما ان تظهر شخصية من اطراف التحالف الوطني السابق حتى تجد المعارضة لها من اكثر من طرف، ثم يعاد ترشيح أخرى وتعود الدائرة الى المربع الأول، وأظهر العبادي حتى الان أنه هو الحل الوسط الذي تجد فيه الولايات المتحدة الداعمة له حتى نهاية المطاف أنه الجهة الأكثر اعتدالا من بين كل المرشحين الذين طرحوا حتى الان. كما ان المالكي لا يريد ان يخسر حزب الدعوة تماما مقاليد السلطة، وهو يرى أقرب مقربيه يقفون ضد توليه أي منصب في سلطة القرار وفي اي موقع، ولهذا عاد الى التوافق مع العبادي لكي ل ايخسر حزب الدعوة كل أوراقه.

9.  ان دعم المرجعية لأي مرشح لرئاسة الوزراء، ليس هو كل شيء أو هو الأساس في نجاح أي مرشح، ولكن التوافق الدولي الاقليمي والمحلي بين الاطراف العراقية المتربعة على عرش السلطة، هي من تحسم الأمر في نهاية المطاف.

هذه هي قراءة سريعة لمجريات الامور في العراق، ويتبين في الاسابيع القليلة المقبلة ملامح توجهات من هذا النوع، وكما أوضحناها ضمن هذا الاستعراض لواقع الصراع الاميركي الايراني الخليجي المرير على تحديد معالم قيادة المرحلة المقبلة في العراق.