ضربة "تأديبية" لا تكبح جماح الحوثي

سياسة بايدن لا تميل إلى اجتثاث الخطر من جذوره.

مخطئ من كان يعتقد أن التحالف الدولي "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة قد وضع اجتثاث الخطر الحوثي الإيراني هدفا إستراتيجيا حاسما يعيد الأمن إلى الجزيرة العربية وضمان سلامة الممرات البحرية من هجماته الإرهابية.

هدف تكتيكي محدود رسمته واشنطن لحلفائها بعيدا عن دور "حارس الازدهار" المحتشد بقدراته العسكرية المتطورة في البحر الأحمر أساطيل وبوارج وغواصات، بدأ بالتحذير المتواصل من خطورة استمرار الحوثي على سلامة الملاحة البحرية قبل إن يتطور إلى خطة ردعية لم تردع أحدا، وصولا إلى الاكتفاء بصد الهجمات المتلاحقة والتصعيد في لهجة التحذير الأخير سبق الاضطرار لشن هجوم عسكري تكتيكي.

هدف الضربات الأميركية البريطانية التي استهدفت العاصمة اليمنية صنعاء ومدن ذمار والحديدة وتعز وصعدة الواقعة تحت سيطرة الحوثي اختصره وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بأنه استهداف لأجهزة رادار وبنى تحتية لمسيرات وصواريخ بغية تعطيل وإضعاف قدرة الحوثيين على تعريض البحارة للخطر وتهديد التجارة الدولية في أحد اهم الممرات الدولية.

هدف محدود يضعف مصادر الخطر على أهم ممر مائي دولي، ولا يقضي عليه رغم قدرته على التجدد، نفذته أميركا وبريطانيا في هجوم عسكري انتقى مواقعه المستهدفة، هدف وضعه الرئيس الأميركي جو بايدن في شكل رسالة مفادها أن واشنطن الحريصة على هيبتها لن تلتزم الصمت إزاء من يهددها.

سياسة بايدن لا تميل إلى اجتثاث الخطر من جذوره، ربما ترى ضرورة احتوائه دبلوماسيا، أو الأمل في ترويض من يحركه، هي تريد بقاء الوضع على ما هو عليه وفق قواعد مواجهة متفق عليها ضمنيا، لا تدخلها في صراع مباشر هي لا تنوي تصعيده بما يتعارض مع نهجها وخططها في إدارة شؤون الأمن الدولي وفي مقدمته امن الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة.

عندما جاء بايدن إلى البيت الأبيض غير قواعد المواجهة مع الحوثيين الذراع الإيراني المهيمن على مضيق باب المندب الإستراتيجي، ومنحهم شرعية تضمن لهم البقاء، برفع اسمهم من قائمة الإرهاب، فمدهم بمستلزمات القوة المعنوية في تأجيج الحرب الأهلية في اليمن لصالح المشروع التوسعي الذي يتبناه "الولي الفقيه" ويحركه الحرس الثوري في مناطق نفوذه.

قرار الضربة الأميركية – البريطانية المحدودة على المدن اليمنية ما كان ليتخذ ويدخل مرحلة التنفيذ لولا قيام ميليشيا الحوثي بشن ما عرف بـ "الهجوم الحوثي المعقد" على سفن حربية أميركية وبريطانية بمسيرات وصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للسفن في العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، فهو الأمر الذي لا يمكن السكوت عنه في العرف الأميركي – البريطاني.

ما زال الخطاب العسكري – السياسي الأميركي بعد الهجوم "التأديبي" مصر على تطبيق خطة "تقويض قدرات الحوثيين الهجومية" وكأنه بهذه الخطة المعلن عنها في نهجه الخطابي يرتقي بهم إلى مستوى دولة لها حق البقاء في الحضن الإيراني شرط التخلي عن سلوكها الإرهابي المحرج لها ولحلفائها الغربيين بما يضطرها إلى مواجهة عسكرية غير مرغوب بها.