ضوابط السجال الصاروخي في الجولان

تبادلت أطراف الصراع في سوريا الرسائل بهجمات صاروخية، كل لغاية في نفسه.

عجت المنطقة بالكثير من أسباب تفجير الوضع القائم، وكان آخرها خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. ورغم نشوء حالات توتير حادة، لم ينفجر الوضع كما ظهر في السجال الصاروخي الأخير في الجولان، فما هي خلفياته وضوابطه؟ وهل يشكل بداية لإعادة رسم قواعد اشتباك محددة في المنطقة؟ أم سيضاف عليه عوامل أخرى لتوسيع الاشتباك؟

على الرغم من تصنيف نوعية الاشتباك ووسائله، لجهة المكان والزمان والفاعلين المباشرين وغير المباشرين بالمواجهات التقليدية، إلا انه يعتبر سابقة لم تظهر منذ 44 عاما اثر نشر قوات الاندوف في الجولان السوري المحتل. ورغم أن هذه السابقة مرتبطة بكيفية التعاطي السوري المستجد في الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، أخذت أبعادا وخلفيات وتفاسير شتى، نظرا لدخول عوامل أخرى من بينها العامل الإيراني في سوريا وما يرتبط به من ملفات إقليمية ودولية متصلة.

عمليا، نفذت سوريا هجمات صاروخية على مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل وليس خارجه، واعتبرته ردا على الاستهداف الإسرائيلي قبلا لمطار (T4) العسكري الذي ذهب بنتيجته ضباطا إيرانيين آنذاك؛ فيما نفذت إسرائيل اعتداءً جويا عبر 28 طائرة فوق مناطق عدة، استهدفت فيها كما أعلنت مواقع إيرانية محددة معتبرة أن هذه الهجمات قضت على البنية التحتية للقوات الايرانية في سوريا. وبصرف النظر عن دقة هذه الوقائع من عدمها، فإنها تشكل في الحد الأدنى بؤرة توتر قابلة للتفجير في أي لحظة، وبصرف النظر هل هو اشتباك سوري إسرائيلي أم إيراني إسرائيلي على الأرض السورية.

في الجانب الإسرائيلي ثمة أهداف محددة هي الإضاءة مجددا على الملف النووي الإيراني من باب الاتفاق الذي تنصلت منه واشنطن، لكن هذه المرة جرًّ طهران إلى طاولة المفاوضات للبحث في البرنامج الصاروخي الذي رفضته طهران خلال مفاوضات الاتفاق والذي كاد أن يطيح المفاوضات برمتها في العامين 2013 و2014، وهو أمر تعتبره إيران قضية سيادية لا يمكن الدخول فيها. وفي المقابل إن تنصل واشنطن من الاتفاق النووي المغطى بقرار دولي ذات الرقم 2231 ووفقا للفصل السابع، خلق أوضاعا جديدة، من بينها زيادة الضغط الإسرائيلي على إيران والذي تعتبره نصرا يجب أن يًترجم سياسيا في المنطقة ولو عبر جداول استفزاز مبرمجة ضد القوات السورية والإيرانية.

لقد حددت إسرائيل في المواجهة الأخيرة البيئة العسكرية الايرانية في سوريا، فيما أصرّت دمشق أن الاشتباك هو سوري إسرائيلي، وبصرف النظر عن حيثية الاشتباك ومقرره الفعلي، تمّ بناء ضوابط اللعبة بدقة متناهية، أولا الصواريخ الأولى التي استهدفت منطقة الكسوة السورية تمت بصواريخ ارض ارض، أطلقت من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ذلك لتحييد روسيا ولعدم إحراجها في إمكانية التدخل الجوي، وثانيا التركيز أن هذه الصواريخ استهدفت منشآت إيرانية وليست سورية وبالتالي يمكن ان تخرج عن نطاق الالتزام الروسي السوري. فيما الرد الصاروخي على الجولان أيا يكن مقرره ومنفذه تم في الأراضي السورية المحتلة في الجولان ولم يتعد تلك المناطق، ذلك فتح الباب مواربا لإسرائيل لعدم التصعيد والتوسّع في الرد. ذلك السيناريو استفادت منه جميع الأطراف: طهران وهي بحاجة لرد محدود في المكان والزمان في وقت يتم البحث فيه عن مخارج الاتفاق النووي، والأمر ذاته ينسحب على سوريا ويديم صور الاشتراك القائم، فيما موسكو المستفيد الأكبر التي استقبلت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكأنها أدارت حدود الاشتباك وضوابطه.

طهران ستنطلق نحو أوروبا المستفيدة اقتصاديا من الاستثمارات بهدف الحصول على ضمانات بعد التنصل الأميركي، وإسرائيل ستلعب في الوقت الضائع لزيادة الضغوط على البرنامج الصاروخي الإيراني، وواشنطن ستشدد الضغوط على طهران وموسكو بالعقوبات الاقتصادية، وموسكو ستحاول جني المكاسب من الاشتباك الإسرائيلي الإيراني والسوري، ذلك في الوقت الذي تحتاج تلك المحددات إلى عمليات شد وجذب سياسي وأمني وعسكري في مستويات محددة سلفا، أي بمعنى قواعد اشتباك منضبطة نسبيا،لا تصل في المرحلة الحالية إلى حدود حرب إقليمية واسعة.

تلك السياقات مرتبطة أساسا بأوضاع الفواعل الإقليمية والدولية لجهة الوضع الاقتصادي غير الجاهز لفتح حرب ستكون مكلفة جدا وبخاصة على الطاقة وهو احد ابرز أسباب الأزمة في المنطقة أولا، وثانيا لأن أي طرف غير قادر على كبح جماح الحرب إن انطلقت. لذا سيظل السجال الصاروخي هو الأبرز في المرحلة المنظورة، إلا إذا ركبت الرؤوس الحامية قراراتها في بعض الدول.