عبدالله سرور يرصد 'أثر النكسة في الشعر العربي'

الكتاب يعد غير مسبوق في موضوعه فقد هبَّ شعراؤنا للتعبير عن وقع هزيمة 1967 على نفوسهم ووجداناتهم ونفوس ووجدان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.

"أثر النكسة في الشعر العربي 1956 – 1973" للناقد الراحل الدكتور عبدالله سرور، والذي صدر هذا العام 1991 عن دار المعرفة الجامعية بمدينة الإسكندرية، يُعد كتابًا غير مسبوق في موضوعه. فقد هبَّ شعراؤنا للتعبير عن وقع هزيمة 1967 على نفوسهم ووجداناتهم ونفوس ووجدان الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، فلم تكن الهزيمة مجرد حدث عارض في حياة الأمة العربية، ولم تكن حدثا فجائيًّا، ولكن سبقته إرهاصات استطاع بعض الشعراء توقع حدوثها من خلال قراءة الواقع الأليم الذي كانت تعيشه الأمة وتمارسه السلطة السياسية وقتذاك.

لقد كان هؤلاء الشعراء بمثابة عيون زرقاء اليمامة التي كانت تبصر على بعد مسيرة ثلاثة أيام فتخبر قومها بما سوف يحدث لهم. وليس من قبيل المصادفة أن يختار هؤلاء الشعراء عناوين مثل "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" الذي يعد عنوان أحد أهم الدواوين الشعرية التي ظهرت بعد هزيمة 67.

لقد كانت أعمال الشاعر الراحل أمل دنقل من أهم المصادر التي رجع إليها الدكتور عبدالله سرور في كتابه الذي نبحر إليه الآن، لأنه شاعر استطاع أن يعبر بتلقائية وصدق ووضوح عن حال الأمة قبل الهزيمة وأثنائها وبعدها.

ومع أمل دنقل كانت هناك كوكبة من الشعراء الذين عبَّروا عن الواقع الأليم رغم أن بعضهم كان كثير الهتاف والتصفيق للنظام الذي قاد إلى النكسة أو الهزيمة.

وكأي بحث علمي موضوعي لا يكون هناك تاريخ قاطع أو محدد يبدأ أو ينتهي عنده الباحث، لذا فإن عبدالله سرور لم يتخذ من تاريخ النكسة نقطة زمنية فاصلة لما قبلها أو بعدها ليتحدث عنها، وكأن 5 يونيو/حزيران 1967 مجرد رقم معلق في الفضاء، أو فاصلة لا علاقة لها بسريان الزمن. بل عاد إلى الوراء سنوات وسنوات عاد إلى عام 1956 لينطلق منه إلى عام 1967، ولم يقف عند 1967 بل درس تأثير النكسة على السنوات اللاحقة وحتى عام 1973 رغم أننا لا نجد هذا التحديد القاطع للزمن في الكتاب لأن أحداث 1956 التي تغني بها وبقائدها جمال عبدالناصر معظم الشعراء العرب. لذا فإننا نجد من خلال البحث أن الناقد لم يتحدث عن الأشعار أو القصائد التي كتبت في النكسة فقط، وما قبلها وبعدها ولكن تحدث أيضاً عن الشعر الذي كتب في شخصية جمال عبدالناصر باعتبارها الشخصية المحورية التي دار حولها أغلب القصائد الوطنية في المدة الزمنية موضوع البحث، لذا نراه يعنون الفصل الثاني من القسم الأول وهو "الشعر العربي فبل النكسة" بـ "شعر الاتجاه الناصري".

ويعنون الفصل الثامن في القسم الثاني "الشعر العربي بعد النكسة" بـ " الشعر وعبدالناصر" لقد بحث الناقد في الشعر العربي الغنائي المعاصر، ولم يلج إلى عالم الشعر الدرامي أو المسرح الشعري ومادته الغنية والمتنوعة، وبهذا حدَّد تحديدًا علميًّا مصادر بحثه ومراجعة حتى لا تتشابك الموضوعات، وإن كانت الرغبة قوية في استكمال البحث في الدراما الشعرية لأنها تعطي الشاعر مساحة أكبر في التعبير من خلال تعدد الشخصيات وتنوعها ومن خلال استيعاب المسرح للزمن والحدث.

لقد وقع كتاب "أثر النكسة في الشعر العربي" في 170 صفحة واشتمل على تمهيد وقسمين، وتقويم عام بعد القسم الأول واعتمد مؤلفه إلى جانب التحليل التاريخي على التحليل الفني لبعض القصائد وخاصة قصائد الشاعر أمل دنقل. ومن فصول الكتاب: شعر الواقعية الثورية، وشعر الاتجاه الناصري، وشعر الحزن والتنبؤ، وشعر الحب والطبيعة، وشعر الألم والحزن الوجودي، وشعر الصمود والإصرار، وشعر المحبوبة – الوطن، والشعر وعبدالناصر، والشعر والتراث، ثم أخيراً بدايات جديدة في الشعر العربي.

يقول المؤلف عن كتابه أو بحثه: "غايتي في هذا البحث أن أفتش عن أثر النكسة في الشعر العربي الغنائي المعاصر – وأن أحدد ملامح شعرنا بعد النكسة؛ لذا فإن الدراسة الموضوعية تقتضينا أن نطالع خريطة الشعر العربي قبل ذلك بعقد من الزمان، وأن نحدد الملامح الأساسية للقصيدة العربية حينئذ، حتى يمكن تلمس العلامات الفارقة والخصائص الدالة، والمناحي الجديدة في كيان الشعر بعد ذلك، فلم تكن النكسة مجرد حدث عسكري وقع في الخامس من يونيو 1967، بل كانت هزيمة مروعة زلزلت العقل، وصدعت البنيان، وكسرت الوجدان العربي المحلق، بعد سنوات من بناء العقل والوجدان العربيين على نحو مضاد تماما لما وقع في الخامس من يونيو/حزيران. وهكذا استقر الرأي على أن تكون فترة البحث بين أعوام 56 – 1973".