عبدالمنعم أبو ادريس يفكك علاقة 'القبيلة والسياسة' في القرن الافريقي

الصحفي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي يرى ان القبيلة بمفهومها الواسع في مقدمة الحجج المثبطة لدولة الحداثة في المنطقة.

يأتي هذا الكتاب المهم "مدخل الى القرن الافريقى.. القبيلة والسياسة" للباحث عبدالمنعم أبو ادريس على في وقت تعاني منه شعوب منطقة القرن الإفريقي تراجعات كبرى في ظل إنهيار تام لدور الدولة المدنية وسيطرة السلاح والحروب الأهلية وسيطرة عدد من الديكتاتوريات العنيفة وغياب القانون، كما ويشهد القرن حراكا شعبيا باسلا أثمر عن إنهيار وزوال الحكم السياسي في السودان بإنتصار حاسم حققه الشعب السوداني ضد حكم البشير والنظام الشمولي للجبهة القومية الإسلامية، كما وتتحرك إثيوبيا حثيثا نحو إرساء دولة القانون والعدالة والديمقراطية.

تناول الكتاب الصادر عن دار العربي تعريف منطقة القرن الأفريقي وموقعها الجغرافي والاهمية السياسية والثروات الطبيعية والتداخل السكاني بين دوله، ثم عرّف القبيلة ودورها في السياسي والاجتماعي مع تحديد ما يقصده المؤلف بمفهوم القبيلة وفصل يتناول كل من جيبوتي والصومال وأرتيريا وأثيوبياكل منها على حدة. كما يضم الكتاب ملاحق ترجمة غير رسمية لدساتير اثيوبيا، الصومال، جيبوتي، ومسودة مشروع الدستور الاريتري المعلق دون المصادقة عليه منذ 1997.

قدم الباحث والكاتب السوداني عبد الله الفكي البشيرللكتاب لافتا إلى أن أبو إدريس أنطلق لإستعادة الإحساس بأهمية المنطقة من عقيدة راسخة تبلورت تجاهها من واقع تجربته الذاتية. فقد كتب أبوإدريس، قائلاً: "وفي الواقع، إن انشغالي بالصحافة كوّن لديَّ عقيدة راسخة مفادها أن منطقة القرن الأفريقي متَّحدة في جغرافيتها ومتقاربة في ثقافتها، وبينها مشتركات إثنية جعلت قضاياها متداخلة، ولا يمكن فهم أيٍمنها بمعزل عن تعقيدات الإقليم ككل". فمن بين تلك المشتركات، نجد أن التكوينات القبيلة بين دول الإقليم، كما يقول أبو إدريس، عابرة للحدود في وجودها وتأثيرها من خلال القبائل المشتركة بين دول الإقليم. ثم قدم صورة حية عن تلك القبائل المشتركة، قائلاً: إن أبرز هذه المجموعات المشتركة، هي مجموعة (العفر) التي تنتشر في دول إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي والصومال.. وتتقاسم إثيوبيا وإريتريا مجموعة (التقراي). كما تتقاسم إثيوبيا مع الصومال مجموعة (الصوماليا)، ومع السودان (البني شنقول والقمز)، وعلى جانبي حدودها مع جنوب السودان تعيش قبائل (النوير والأنواك)، ويتقاسم السودان مع إريتريا القبائل الناطقة بلغة التقري، وهي (البني عامر والحباب والماريا والألمدا)، إضافة إلى قبيلة (الرشايدة) التي تعيش في كل من السودان وإريتريا. أما الصومال وجيبوتي. فإن قبيلة (العيسى) مشتركة بين الدولتين. وكذلك فإن إثيوبيا وجيبوتي تشتركان في قبائل (الإسحاق والجاردوسي).الشاهد أن العقيدة الراسخة التي تبلورت لدى عبدالمنعم أبو إدريس تجاه منطقة القرن الأفريقي من حيث الوحدة الجغرافية والمشترك التاريخي والتقارب الثقافي والتداخل الإثني، كما أشار، تؤكد بأننا أمام مراجعات شاملة لإرث السودان السياسي والفكري، وتشهد حالة نقدية واسعة للسائد والمألوف في السودان، وتجاه علاقة السودان بالقرن الأفريقي.

ورأى البشير إن مصطلح القرن الأفريقي، مصطلح حديث. كما أن اسم أفريقيا نفسه، لم يطلق على القارة بأسرها، إلا في العصر الحديث. فقد برزت كلمة أفريقيا منذ عهد الرومان على أرض القارة الأفريقية، فقد اطلق الرومان الكلمة على القسم الشمالي من بلاد تونس، لتحل محل اللفظ اليوناني أو المصري الأصل "ليبيا" بلد اليبو أو اللوبيين المذكورين في الكتاب المقدس، العهد القديم، في بعض المواقع. وظلت كلمة "أفريقيا" عند الجغرافيين والرحالة العرب والمسلمين وحتى عصر ابن خلدون (1332-1406)، لا تعني القارة، وإنما كانت تطلق على مدينة ثم إقليم، تونس حالياً. وكان الأفريقي من ينسب إلى ذلك الإقليم بغض النظر عن أصوله العرقية. ومع التوسع الأوروبي، أصبحت كلمة "أفريقيا" تعني القارة بأسرها. أما كلمة "أفريقي" فقد أصبحت ذات مدلولات تختلف عن ما كانت عليه.

وقال أن المراجع تشير إلى أن القرن الأفريقي بوصفه منطقة ظهرت منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين، مشيرة أولاً إلى إثيوبيا والصومال، لتضيف بعدها السودان. وتشير بعض المراجع إلى أن القرن الإفريقي يتكون من: الصومال وجيوبتي وإريتريا وإثيوبيا، وثمة من يضيف إلى هذه البلدان السودان وكينيا وتنزانيا. فيما يشير البعض لاحقاً لمنطقة القرن الإفريقي الكبرى والتي تضم بعض الدول في شرق أفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى. ويمكننا، بالطبع، إضافة جمهوية جنوب السودان الوليدة في يوليو 2011. غير أن مؤلف هذا الكتاب عبدالمنعم أبو إدريس حدد الإطار الجغرافي لكتابه بأربع دول هي: إثيوبيا، والصومال، وإرتريا، وجيبوتي.وهي دول متداخلة جغرافياً وتاريخياً، وسياسياً، وكذلك مجموعاتها السكانية. فإقليم هذه الدول ومعها السودان وكينيا، وبالطبع جمهورية جنوب السودان، وكذلك في أحيان كثيرة تشاد، قد عُرف من قبل بأسماء عديدة، منها: بلاد الحبشة، وبلاد البجة، وبلاد النوبة، وجاء وصفها أحياناً ضمن تسميات لإطار جغرافي أوسع مثل: بلاد السودان وبلاد السود وبلاد الزنج وبلاد التبر، غير أن تسمية بلاد السودان، التي أطلقها الرحالة والجغرافيون العرب والمسلمون، على شعوب جنوب الصحراء الكبرى، والتي كانت ترمز لسواد لون البشرة، كانت هي الأشهر.

ولفت البشير إلى أن الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين لم يكونوا أول من سمى شعوب منطقة القرن الأفريقي، وكذلك شعوب بلاد السودان، وفقاً للون بشرتهم، فقد سبقهم قدماء المصريين، كما اشتهرت كوش Kush (750ق.م.- 350م)، التي تترجم أحياناً إلى إثيوبيا (وهي غير إثيوبيا الحبشة)، وأحياناً أخرى إلى السودان، عند الآشوريين والعبرانيين والأكسوميين. كما أسماهم الإغريق- ومن بعدهم الرومان أيضاً- "بالأثيوبيين" أي ذوي "البشرة المحروقة".لقد ظل تعبير "بلاد السودان"، قائماً حتى فترة الاستعمار الأوروبي، ثم سقطت كلمة بلاد. وبعد الاستقلال عادت بلاد السودان الفرنسي لأسمائها القديمة، بينما أبقى شعوب سودان وادي النيل السودان اسماً لبلادهم بعد الاستقلال. وعلى العكس لما حدث لمصطح "بلاد السودان"، والذي أُطلق على المنطقة جنوب الصحراء الكبرى، ثم انحسر بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية الأوروبية، ليرثه أهل سودان اليوم وسماً لبلادهم، فإن مصطلح أفريقيا تمدد من اسم لمدينة فإقليم ثم اسماً لقارة أفريقيا.

تطرق أبو إدريس، وهو الصحفي المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، وقد عمل في بعض الصحف المحلية، وظل منذ عام 2008 يعمل بوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، في الكتاب موضوع القبيلة والسياسة في القرن الأفريقي. استخدم مناهج بحثية متداخلة، منها المنهج التاريخي والمقارن والوصفي والتحليلي، وأستأنس بآراء عدد من المتخصصين، كما استشار بعض المصادر والمراجع.

تكوّن الكتاب من عشرة فصول إلى جانب المقدمة والخاتمة وقائمة المصادر والمراجع. تناول فيها أبو إدريس الموقع الجغرافي لمنطقة القرن الأفريقي، ودرس المعطيات الجيوبوليتيكية والجيوسياسية والجيوستراتيجية وأهميتها، إلى جانب الأهمية الاقتصادية، ودور القوى الدولية، وهو في تقديري، دور مستمر ومتوسع ومتجدد، وأصبح أكثر تعقيداً مع التكالب الإقليمي الذي تشهده المنطقة اليوم. ووقف في الفصل الثالث عند السلطة والصراع القبلي في أفريقيا، وخصص الفصل الرابع للقبيلة والدولة الأفريقية، وركز في الفصل الخامس على القبيلة في القرن الأفريقي فقدم إضاءة حول الصراع في دارفور بغرب السودان من خلال محور وسمه بـ"التعصب القبلي والصراع على السلطة نموذج دارفور"، وعالج في الفصل السابع استخدام القبيلة في صراعات الإقليم، وتناول في الفصول التالية الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي على التوالي.

مثَّلت القبيلة محوراً مركزياً في الكتاب، وقد وردت في عنوانه، كما تناولها المؤلف بتوسع في أربعة فصول. لقد كانت القبيلة، ولاتزال، في منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة زاخرة بالتعدد الثقافي، حاضرة وبقوة وفاعلاً رئيساً في التركيبة السياسية وفي الصراع السياسي. حدَّدأبو إدريس المعنى الذي يرمي إليه من استخدامه لمصطلح القبيلة، قائلاً: "سنستخدم هنا تعبير (القبيلة السياسية) ولا تعني القبيلة بمفهومها التقليدي، أي تلك الجماعة التي تعتمد على القرابة ووحدة النسب. ولكن تعني أي جماعة أخذت جوهر مفهوم القبيلة التقليدية، وهو (العصبية)، فأصبحت تترابط وتتحزَّم بهذا المفهوم الذي يخنق الجماعة ويخنق أفرادها معها". وخلص عبدالمنعم أبو إدريس في تأمله لدور القبيلة إلى أنه وعلى الرغم من المحاولات التي تجري للخروج من أسر القبيلة في بناء الأحزاب، كما الحال في إثيوبيا، إلا أنها محاولة لا تزال في طور النمو الاول، "مما يشي بأن القبيلة ستظل حاضرة في ميدان السياسة بالاقليم، ولكون القبيلة تأتي في مقدمة الحجج المثبطة لدولة الحداثة في القرن الأفريقي".