عشر قصائد إسلامية طوال
"الموضوع الإسلامي" هو ما يشغل بال الدكتور حلمي محمد القاعود، منذ أن كان يعد أطروحته "محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث" التي نال بها درجة الدكتوراه، وحتى آخر مؤلفاته، ضمن مشروع أدبي نقدي جاد.
ومن مؤلفاته ضمن هذا المشروع كتاب "القصائد الإسلامية الطوال في العصر الحديث: قراءة ونصوص"، وهو يرى أن الموضوع الإسلامي في الدرس الأدبي والنقدي المعاصر يكلف صاحبه كثيرًا، ليس في مجال البحث والاطلاع والقراءة والاستكشاف فحسب، ولكن في مجالات أخرى بعيدة عن الأدب والنقد جميعًا.
وهو على الرغم من معرفته ذلك فإنه ماض في طريقه لا يأبه بأي قوى سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تحاول أن تشده وتبعده عن هذا الطريق "طريق الموضوع الإسلامي" الذي يتصدى له بالدرس الأدبي والنقدي مؤمنًا بضرورة البحث عن الهوية والعودة إلى الذات.
ومن هنا قام بدراسة عشر قصائد إسلامية طوال في شعرنا الحديث بدأها بمخمسة رفاعة الطهطاوي، وأنهاها بقصيدة لنازك الملائكة. وهي دراسة لا تخلو من الحديث عن جماليات القصيدة العربية، والوقوف عند أسرار الصناعة الشعرية والمقارنة بين عدد من هذه القصائد إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مثلما فعل في مقارنته أو موازنته بين قصيدة "البكرية" لعبدالحليم المصري، وقصيدة "العمرية" لحافظ إبراهيم.
وفي هذا يقول (ص 101): لعل معالم الاتفاق بين المصري وحافظ تبدو أكثر وضوحا من خلال المقارنة بين "البكرية" و"العمرية" من حيث المطلع والختام، فكل منهما يعلن عن غايته في البدء والختام، وكل منهما يكاد ينهج نهجًا متشابهًا في الحديث إلى شخصية عمر وأبي بكر، أو تكون المقارنة بين حافظ إبراهيم في "العمرية" وعبدالحليم المصري في "البكرية" والبارودي وشوقي في احتذاء "البردة" حيث كانت عيونهم بالدرجة الأولى على الواقع الذي تعيشه الأمة، فتحولت لديهم شخصيات النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، إلى طوق للنجاة يبحث عنه الشاعر أو قناع يتحدث من ورائه عن هموم الأمة وآلامها، بينما كان الشاعر محمد عبدالمطلب في "العلوية" عينه بالدرجة الأولى على ما يسمى بتقليد المحدثين أو التجديد في مطلع القصيدة من وجهة نظره، لذا لم تجد "العلوية" صدى فكريًّا أو سياسيًّا بقدر ما وجدت صداها في قضية التجديد الشعري أو ما يسمى بالتقليد والابتكار، ولا سيما أن مدرسة الديوان آنئذ كانت تقود عملية التحديث وفقًا لمفهوم جديد نشأ عن الاحتكاك بنظرياتٍ غربية حديثة، وكان الصراع على أشده بين المحافظين والمجددين.
ويتضح لنا من خلال قراءة الكتاب أن الناقد يستفيد من الدرس النقدي الحديث، ويطبق ما يراه مناسبًا من أفكار نقدية جديدة على القصائد التي يتصدى لها، ومثال ذلك حديثه عن القناع الذي يتحدث الشاعر من ورائه، وفكرة القناع والرجوع إلى الوراء (فلاش باك) من الأفكار النقدية التي طبقت حديثًا على النص الأدبي أو الشعري، ولم تكن موجودة لدى النقاد الذين عاصروا مدرسة الديوان ومدرسة المهجر والمدرسة الكلاسيكية التي تمثلت في شعر شوقي وحافظ والمصري ومحرم وغيرهم.
ولعل من المناسب الآن أن نذكر للقارئ عناوين القصائد العشر الإسلامية التي اختارها القاعود كعينة ممثلة لقصائد العصر الإسلامية الطول في العصر الحديث، وبطبيعة الحال فإنها ليست كل القصائد الإسلامية الطوال التي كتبت في هذا العصر.
وقبل أن نبدأ في سرد أسماء هذه القصائد ينبغي القول إن العصر الحديث الذي يعنيه المؤلف، والذي يعنيه في الوقت نفسه عدد كبير ممن يتصدون للدرس الأدبي والنقدي والسياسي والاجتماعي، وربما الاقتصادي أيضا، هو العصر الذي يبدأ بحكم محمد علي باشا لمصر عام 1805 أو هو العصر الذي يبدأ بالحملة الفرنسية على مصر عام 1798 وما أتت به تلك الحملة من وسائل وأدوات حديثة (في وقتها) استفاد منها المصريون بعد ذلك في تفتح وعيهم الحضاري واتصالهم بالدول المتقدمة آنئذ، لذا فليس من باب المصادفة أن تبدأ القصائد العشر بمخسمة رفاعة الطهطاوي في مدح الرسول صلَّى الله عليه وسلم، وكلنا يتذكر أن الطهطاوي الذي سافر إمامًا للطلبة المبتعثين من مصر إلى فرنسا أثناء حكم محمد علي باشا، هو الذي عاد وألَّف كتابًا عن رحلته إلى باريس "تخليص الإبريز في تلخيص باريز"، ثم قام بتأسيس مدرسة الألسن بعد ذلك.
وتتوالى القصائد الإسلامة بعد ذلك لنقرأ: مخمسة رفاعة الطهطاوي، وكشف الغمة في مدح سيد الأمة لمحمود سامي البارودي، ونهج البردة لأحمد شوقي، والعمرية لحافظ إبراهيم، والبكرية لعبدالحليم المصري، والعلوية لمحمد عبدالمطلب، ونظام البردة لعلي أحمد باكثير، ومحمد صلى الله عليه وسلم لعمر أبي ريشة، والله والذرة لإبراهيم بديوي، وللصلاة والثورة لنازك الملائكة.