عقيل ابراهيم العطية يفرد 'صفحات من كتاب المسرح العراقي'

عقيل ابراهيم العطية يوثق مسيرة وتاريخ المسرح العراقي ويسلط الضوء على رواده وقاماته ويتطرق الى المصطلحات المسرحية الجديدة كما ينفتح على تأثير الفرق المسرحية العربية على الفن الرابع في العراق.
عقيل انضم الى 'نادي الكتاب' وتحديداً الى نادي أشقائه الذين سبقوه في عالم التأليف والكتابة
الكاتب يتطرق الى أولى الفرق العراقية التي زارت بلداناً عربية
الكتاب توقف عند 'المرأة العراقية وفن التأليف المسرحي'

أخيراً.. انضم الكاتب والباحث والإعلامي الزميل عقيل ابراهيم العطية الى "نادي الكتاب"، وتحديداً الى نادي أشقائه الذين سبقوه في عالم التأليف والكتابة بشتى أنواعها الأدبية والإعلامية، فكانوا القدوة له والملهمين الذين سار على خطاهم في عوالم المعرفة والثقافة والفنون.
 حيث أثروا هذه العوالم بعطاءاتهم فقدموا لقراء العربية نتاجاتهم على طبق من ذهب، أولهم أستاذي الدكتور الراحل خليل إبراهيم العطية الذي درسني علم النحو في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة البصرة، وثانيهم الدكتور جليل ابراهيم العطية الإعلامي والباحث والمحقق، وثالثهم نبيل ابراهيم العطية الذي سار على خطاهم.
وجاء كتاب عقيل ابراهيم العطية البكر "صفحات من كتاب المسرح العراقي" ليكمل مربع الابداع للإخوة آل العطية.
وإذا كان إخوته الثلاثة الأوائل قد توجهوا الى الكتابة والتأليف والتحقيق البحث العلمي الرصين في رحاب اللغة العربية وعلومها وآدابها وتحقيق ذخائر مبدعيها في شتى العصور السابقة والراهنة، فإن عقيل توجه الى معشوقه المسرح العراقي الذي تخصص فيه فنانا وباحثا وكاتبا وموثقا وناقدا وناشطا، واطلع على فناني المسرح بمختلف تمظهراتهم وأجيالهم لاسيما عندما غادر ساحة التمثيل بعد انهائه دراسة الماجستير في قسم الفنون المسرحية بأكاديمية الفنون الجميلة، ليبدأ مرحلة جديدة من التواصل معهم في مركز الأبحاث والدراسات وفي قسم العلاقات والاعلام في دائرة السينما والمسرح.
وقد ساهم في توثيق مسيرة معظمهم حين عمل بمعيتي وبمعية الباحثين الراحلين أحمد فياض المفرجي وعلي مزاحم عباس، مختطاً لنفسه - الى حد كبير - خطى أو مسار أشقائه العلمي والمهني.
جاء هذا الكتاب ليؤكد هذه الحقيقة وهذه "الجينات الابداعية" التي استقرت في كيانه لتظهر محاولة تأليف نصه المسرحي الأول والأخير (المشاكس) الذي يشير له في ثنايا هذا الكتاب، باعتباره كان أول عرض لمنتدى المسرح وبه أعلن عن تأسيسه، وواصل توجهه في كتابة المقالات والبحوث والدراسات المسرحية التي ضم الكتاب قسماً منها وقد "كتبت في أزمان مختلفة لكن بعضها قد يتصل ببعض آثر المؤلف جمعها لتكون صورة من صور مسرحنا"، كما يشير في المقدمة.
 وقد عايشها تفصيلياً ليضيء "جماع الفعاليات المسرحية في مختلف تلاوينها وبشقها النظري : تأليف، نقد، بحث وما الى ذلك، وبشقها العملي : تمثيل، اخراج، ومايتبعها من نشاطات وفنون ساندة ذات صلة تخدمها : إضاءة، ديكور، مكياج، .. الخ ".  
ولعل أهم ميزة في هذا الكتاب تركيزه على الجانب التوثيقي الذي يستكمل به حلقات تأريخية مهمة من مسيرة المسرح العراقي، التي واصل ويواصل كثيرون استكمالها، ومنهم الباحث الدكتور علي هادي الربيعي، لتكون في متناول الأجيال اللاحقة فضلاً عن التعريف بتجارب وعطاءات صناع ومبدعي المسرح العراقي في مختلف المراحل، وأردف الكتاب بملحق صوري لا غنى عنه.
العطية في أحد مباحث الكتاب الذي جاء في 250 صفحة من القطع المتوسط وصدر عن مطبعة المعين البغدادية، يتوقف عند (المرأة العراقية وفن التأليف المسرحي) ابتداءً من فخرية اسماعيل أول مؤلفة كتبت وأخرجت في العام 1933 مسرحية (التطور) وانتهاءً بد. عواطف نعيم مروراً بـ لطفية الدليمي، وداد الجوراني، رشا فاضل، سعدية السماوي، اطياف رشيد، ليلى محمد، إيمان الكبيسي، فاتن الطائي وغيرهن، كما يتوقف عند العنوانات المسرحية وأهميتها "كونها العلامة الأولى التي تجابه القارئ أو المشاهد، وبها يتشكل الانطباع الأولي عن المسرحية، وذكر بعض طرق العنونة ضارباً أمثلة ونماذج من تلك الطرق.
ونبه في بحثه الموسوم (ستانسلافسكي، جاسم العبودي والمنهج ..) ماكتبه وترجمه بعض فناني وباحثي المسرح العراقي عن عراب التمثيل (ستانسلافسكي) الذي أصدر كتابيه المعروفين : (إعداد الممثل) و(حياتي في الفن)، وعلاقة الراحل (الأكاديمي والمخرج العبودي) بستانسلافسكي ومنهجه الذي يقوم "بالأساس على فكرة ذوبان الممثل بالدور وتقمص الشخصية المسرحية بعد تقسيمها الى وحدات ثلاث".
 ونبه الى قلة ما تركه الرواد الذين وسمهم الباحث بالجيل العملي لا النظري من نتاجات نظرية واستثنى منهم : بدري حسون فريد، وسامي عبدالحميد اللذين يعدان من أبرز مخرجي المسرح العراقي نشاطاً في مجال الكتابة والنشر.
كما يفصح الباحث العطية عن عدد من المصطلحات الجديدة التي أطلقها عدد من فناني العراق عبر مبحثه (في المصطلحات المسرحية الجديدة) ولم تجد انتشاراً من قبل، لكنه يراها" دليل حيوية ومحاولة للبحث عن أفق أوسع"، أمثال : المخرج المسرحي صلاح القصب (عراب مسرح الصورة في العراق) الذي خرج بمصطلحات (ذاكرة الرؤيا الصورية) بديلاً عن الإخراج، و(صورة العرض) بديلاً عن (الممثلين)، و(تشكيل فضاء المسرح) بديلاً عن (الديكور) أو (السينوغرافيا)، والمخرج غانم حميد الذي استخدم (شخوص الذاكرة) بديلاً لمصطلح (الممثلين الرئيسيين)، و(أشكال حلقت في فضاء الذاكرة) بديلاً للممثلين الباقيين و(مصممة الازياء) هي (ثوب الذاكرة)، وهكذا فعل المخرج عزيز خيون حين اسمى عمله وعملية الاخراج المسرحي (الرؤيا الفنية) قبل أن يستبدل (الرؤية) بـ(الرؤيا)، وغير ذلك من المصطلحات التي توقف عندها الباحث متتبعاً ومستعرضاً ومنقباً في أهميتها من عدمها.
وفي سياق مهم ودال يتوقف الباحث عند السيرة الإبداعية لعدد من مبدعي المسرح العراقي ببحوث قيمة تضيء عطاءاتهم مثل: (شيء من سيرة ابراهيم جلال الابداعية)، (موثق العراق الأول) الذي بين فيه ريادة وعطاء الراحل أحمد فياض المفرجي وأهمية كشوفاته وجهده التوثيقي وانبهاره به مذ كان طالباً، و(علي مزاحم عباس شيخ النقد المسرحي)، و(حميد محمد جواد عراب الحداثة)، (علي عيسى وفن الصورة المسرحية)، و(آسيا كمال وفن التمثيل)، و( الرسامون والمسرح)، وغيرهم الكثير..
ويفرد الباحث أكثر من مبحث للمسرح العراقي وظواهره حيث يتوقف عند (المسرح العراقي والنظام الشمولي)، و(المسرح العراقي في مئته الاولى)، و(المسرح العراقي والبحث عن هوية)، و(مسرحنا والحاجة الى وثائقه من جديد)، و(منتدى المسرح الخطوات الواثقة)، و(في قانون الفرق المسرحية الجديد) وغيرها.
ينفتح الباحث على دور الفرق المسرحية العربية وأثرها في المسرح العراقي من خلال الزيارات التي قام بها بعض هذه الفرق الى العراق، والتي قدمت من بلدان عربية أقدم وأرسخ تجربة واكثر تمرساً وكان لها الأثر في اغناء تجربة المسرح العراقي الناشئ في العقود الأولى من القرن العشرين، تتقدمها فرقة (عبد القادر أفندي) التي جاءت من الشام – كما يذكر - الى البصرة وليس الى بغداد في العام 1913 وقدمت مسرحية (روميو وجولييت).
 لتعقبها الفرق المصرية: فرقة (جورج أبيض) 1926، وفرقة (فاطمة رشدي )عام 1929، فرقة يوسف وهبي1933، وغيرها من الفرق العربية التي عرضت أعمالها في بغداد والموصل والبصرة والناصرية والعمارة والكوت وسواها من مدن العراق.
كما يتوقف في مبحث آخر عند أولى الفرق العراقية التي زارت بلداناً عربية ومنها فرقة (مسرح الزبانية) الى (فلسطين) في العام 1948، وفرقة (المسرح الفني الحديث) العراقية الى الكويت في 1967 وقدمت ثلاث مسرحيات: (فوانيس) لطه سالم، و(عقدة حمار) لعادل كاظم، و(مسألة شرف) لجبار ولي..
 (صفحات من كتاب المسرح العراقي)، جهد بحثي رصين ومهم لاغنى عنه لأي باحث أو معني بمسيرة وتاريخ المسرح العراقي، التي اكتنفها الكثير من التحولات والتأثيرات الداخلية والخارجية، وفي جعبة باحثنا العطية الكثير منها ونحن على ثقة أن هذا الكتاب ستليه كتب أخرى - ربما في أجزاء متوالية - تكشف وتبحث وتستقصي وتضيف الى التاريخ الناصع والبهي لهذا المسرح العريق.