علماؤنا والعودة إلى زمن المحراث الخشبي

كنا نريد تجديد الخطاب الديني. انتهينا نريد تجديد الخطاب العلمي.

1 معضلة المواطن والأكاديمي

تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة المقالات السابقة والتي تحاول استنهاض علماء الوطن العربي عموما والعلماء المصريين أو بالأحرى أساتذة كليات العلوم في مصر لأن كلمة عالم كلمة خطيرة الاستخدام هذه الأحايين وربما جاز أن نطلق عليهم لفظة "باحثين" لأنها الأقرب والأفضل بل والأصدق في ظل غيبوبة علمية مستدامة من بعضهم إزاء مواجهة الجائحة الكونية التي تديرها الحكومة المصرية بكفاءة عالية وبقدرة تعد نموذجا تاريخيا، لكن وسط تقاعس غير مبرر بالإمكانات أو بقلة المصادر أو بندرة الكفاءات من الباحثين المنتشرين بسرعة ضوئية وصوتية في كليات العلوم بالجامعات المصرية، وذلك من أجل الخروج بنا من هذا النفق المظلم، أعني نفق جائحة كورونا. هل البحث العلمي في مصر يواجه أزمة حقيقية؟ بالضرورة تأتي الإجابة من قبل المتخصصين بأن الأزمة الراهنة هي أزمة إمكانات مادية ونقص في عدد المعامل المجهزة وندرة بعض الأدوات والخامات ونلك المصطلحات التي اعتاد من يطلق عليهم بالعلماء على سبيل المجاز استخدامها.

 بينما المواطن البسيط لا يهمه لون المعطف الأبيض الذي يرتديه المعملي وهو داخل مكان عمله، ولا تعنيه أسماء المركبات العلمية أو المفاهيم الكيميائية والبيولوجية التي يستخدمها فقط أصحاب الياقات البيضاء وهم يظهرون على شاشات الفضائيات يتحدثون عن جائحة كورونا بمنطق الفاهم رغم أنهم يدورون معنا في نفس الفلك الحائر. وبصورة أخرى فإن هؤلاء يمثلون أقل نسبة مشاهدة فضائية لأن العالم بحق أصبح مهتما بالتفاصيل والأرقام والبيانات والمعلومات السريعة لا الحديث عن تاريخ ظهور الوباء وكيف كانت كليات العلوم والطب في طليعة المجاهدين للتصدي لوباء الطاعون في القرن الثامن عشر وغير ذلك من الأحاديث الباهتة.

هذا المواطن يريد علاجا لأزمته التي اخترقت حياته بمجمل تفاصيلها الدقيقة، ولم يعد مهتما بأن هذا الأستاذ الأكاديمي حاصل على جوائز علمية أو أن أبحاثه قد نالت عدة أوسمة وتكريمات ونُصِّب لها ثمة حفلات فنية وعلمية من أجل الإسهام في خدمة البشرية عن طريق العلم وتطبيقاته، والحقيقة أن ما يظنه ويراه هذا المواطن ليس حقيقيا، فلم يكن هذا الأستاذ الذي نسميه مجازا في بلداننا العربية بسيطة التفكير العلمي عالما رغم أنه لا يتجاوز في بعض الأوقات كونه موظفا يذهب إلى معمله من أجل تدريب طلابه أو إجراء تجربة بحثية من أجل الترقي العلمي الذاتي والشخصي جدا الذي يعود بالنفع عليه وحده، ولكم حزنت وأواصل حزني بأنن لم أجد أساتذة متخصصين في العلوم وهم كثيرون ربما أكثر من عدد طلابهم نظرا لإحجام الطلاب الواقعي في الالتحاق بمثل هذه الكليات منذ سنوات بعيدة ولسنا بصدد الحديث عن أسباب قلة وضعف بل وإحجام الكثيرين من الطلاب في الالتحاق بكليات العلوم في مصر تحديدا. لم أجدهم يطلبون موعدا مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتقديم حلول جديدة وعلمية لمواجهة الجائحة الكونية المستجدة، وهذا يدفعني إلى إظهار العجب من هؤلاء الأكاديميين، ففق الوقت الذي نرى فيه الرئيس السيسي أكثر وعيا وحرصا على سلامة المواطن موفرا أقصى الطاقات البشرية الطبية والإمكانات ناهيكم عن الاهتمام الرئاسي غير المسبوق بالأطباء وكذلك اعتمادهم جيش مصر الأبيض لم أجد أحد هؤلاء الأساتذة المتخصصين في العلوم والمنتشرين بصورة خطيرة بكليات العلوم أو بالمراكز البحثية يسعى لمقابلة الرئيس الذي لا ولن يتأخر عن ذلك، من أجل تقديم علاجا لفيروس كورونا، ويبدو أن هؤلاء العلماء لا يزالوا رهن متابعة أخبار الجائحة تماما مثلما نفعل نحن.

ومنذ إعلان صحيفة الجارديان مساء الجمعة بأن المحاولات الأولية لإنتاج لقاح لمواجهة فيروس كورونا الجائح لم تأت بتأثير أو فائدة أو نفع مبدئي وأنا أفكر في أمر البحث العلمي في مصر تحديدا أساتذة العلوم المنوط بهم البحث عن لقاح يدفع بصاحبه صوب منصة التتويج العلمي مرورا بالحصول على جائزة نوبل لكن الأمر يبدو مختلفا كالعادة لديهم.

وكنت أيضا أتوقع من هؤلاء العلماء المتخصصين في فيروسات تنقل إلينا عبر الطيور والحيوانات أن يكترثوا ولو بقدر قليل بالأمر في ظل رهبة وخشية بل وخوف مستدام نتيجة تفشي الجائحة، لكن لم يتحرك هؤلاء وأظن أنه رغم اهتمام الرئيس السيسي ومتابعته اليومية الدقيقة لأزمة كورونا أنهم لن يتجهوا بجدية ناحية المعامل الخالية حاليا من الطلاب.

2 بعيدا عن المعمل

وربما لتقاعس أساتذة العلم في إخبارنا عن الفيروس بطريقة علمية تجعلنا نفتخر بهم وبعلمهم لكنهم مثلنا يتابعون أخبار الدراما الرمضانية وأجور الممثلين والممثلات وبرامج التوك شو الإخبارية التي تستضيف الفنانين أيضا، يخبرنا العالم الحقيقي وليس أشباه علمائنا الحاصلين على درجة الدكتوراه من نفس الجامعات التي خرج منها أمثال توماس فانينج Thomas Fanning في بحثه المعنون "العثور على فيروس الإنفلونزا القاتل" بأن الإنفلونزا فيروس صغير وبسيط، مجرد كرة شحمية مجوفة بها عدد قليل من البروتينات ولا تحمل سوى ثمانية أجزاء جينية، غير أن ذلك هو كل المطلوب لكي تحفز خلايا العوائل الحية على صنع المزيد من الفيروسات. وهناك بروتين على درجة خاصة من الأهمية وهو هيمأجليوتينين (هـ أ) يسهل للفيروس دخول الخلايا. ويحدد شكله أي عائل يمكن لسلالة من سلالات فيروس الإنفلونزا أن يعديه.

ويضيف آن ريد Ann Reid أن هناك بروتينا آخر هو نيورامينيديز (ن أ) وظيفته أن يحرر الفيروسات حديثة التكوين من الخلية المعدية فهو المسئول عن مدى كفاءة انتشار الفيروس. وتساعد تغيرات ضئيلة في هذين البروتينين وغيرهما من بروتينات فيروس الإنفلونزا، تساعد الفيروس على عدوى أنواع جديدة من العوائل وعلى تجنب هجوم الجهاز المناعي، وتحدث التغيرات إما من خلال أخطاء تحدث أثناء نسخ الجينات الفيروسية، أو تكتسب في مقايضات عندما تختلط جينات سلالتين مختلفتين من سلالات فيروس الإنفلونزا أصابتا نفس الخلية.

الكارثة والفاجعة أن أساتذة العلوم في مصر يعرفون حقيقة التناسخ والتطور للفيروسات بل يظهرون بكل فرحة وبهجة على صفحات المجلات التي لم تعد تقرأ في زمن التقنية الرقمية، أو يظهرون على شاشات الفضائيات وسط نسب مشاهدة لم تتجاوز أفراد عائلاتهم فقط ليخبروننا بأن يعرفون هذه الحقائق لكن ما النتيجة؟ لا شيء هم فقط انضموا معنا إلى مقعد المشاهد السلبي والمتابع البليد الذي ينتظر فرجا يأتي من الغرب.

3 مزيد من الخيبات والحسرة

هل هذا ادعاء؟ بالطبع لا، فقد نشر موقع اليوم السابع الإلكتروني القاهري ونقلت قناة الحرة خبرا يوم السبت الموافق 25 أبريل مفاده أن دراسة أعدتها إحدى جامعات سنغافورة (لم يذكر اسمها) توقيت انتهاء أزمة وباء كورونا في العديد من دول العالم، والتي أدت حتى الآن لإصابة أكثر من 2.8 مليون شخص ووفاة نحو 198 ألفا آخرين. واعتمدت الدراسة، التي نشرتها جامعة سنغافورة للتكنولوجيا أمس الجمعة، على البيانات الرسمية المقدمة من عدد من دول العالم حول الإصابات ودورة حياة الفيروس في تلك البلدان.

وكنت أتمنى أن يذكر الخبر ولو على سبيل التحفيز ودفع الطاقة الإيجابية داخل أساتذتنا بكليات العلوم والصيدلة والطب أيضا، أن هذه الجامعة قد استعانت بالأبحاث التي أجرين للتو في معامل كليات العلوم بجامعات مصر حول الطائر الذي ندعي جميعا أنه نقل لنا الفيروس، أو عن كيفية تخليقه وتصنيعه في ووهان بالصين، لكن النتائج الأولية لهذا الاهتمام تشير إلى الرقم صفر، وكل الظن أن بعضهم يقول بأن التجارب ستطول مدتها حتى الوصول إلى لقاح محلي.

وأنا أعتقد بل أتمنى أن يصدق اعتقادي بأن بجامعاتنا الضاربة في الانتشار بطول مصر وعرضها بأن هناك علما يسمى علم الفيرولوجيا (علم الفيروسات) وهو على حد معرفتي وكما يخبرنا العالم جاري ستيكس  Gary Stix في بحثه الموسوم بـ "هجمة جديدة على الفيروس" جانبا كبيرا في مراقبة كل خطوة ضئيلة من خطوات دورة حياة الفيروس بدءا من التصاق الفيروس بخلية مناعية واقتحامه إياها إلى تناسخه وانطلاق فيروسات جديدة من الخلية العائلة، وأخيرا البحث عن خلية جديدة يفترسها.

وربما أنا أكثر حزنا حينما أجدني متخليا عن طبيعة مقالاتي التي تستهدف تجديد العقل العربي تجديد الخطاب الديني والحث على الاجتهاد والتنوير، وأجدني في الوقت نفسه متحدثا عن العلم وكيفية الخروج من أزمة كورونا، لكن كل ما أرغب في توصيله إلى الأساتذة الأكاديميين بوصفهم ينتسبون عن طريق الصدفة إلى كلمة "عالم" هو ضرورة البحث عن نقاط هادية في التعامل مع فيروس كورونا، والسعي إلى تصنيع عاجل للمقاومة بعيدا عن ارتداء الأقنعة والقفازات وتناول وصفات الحلاقين والدجالين وبائعي العطارة والبهارات، وهل يمكن لهؤلاء المنتسبين إلى العلم أن يجدوا طرقا جديدة للحفاظ على عدم نضج الفيروس مثلما كان الأمر مع (با ـ 457) العقار المثبط لنضج الفيروس الذي اكتشفه علماء جامعتي ألاباما وماريلاند، حيث اكتشف باحثون يعملون مستقلين وليس مثل أساتذتنا الذين يتقاضون رواتب ولم يجدوا وسيلة بديلة عن استخدام الكحول والديتول والكلور لمواجهة الفيروس، عن بعضهما جزئيات عضوية صغيرة تمنع العدد الوفير من مكونات الكابسيد من الاتحاد معا لصنع غلاف نهائي للفيروس.

أخشى أن يأتي اليوم على هؤلاء الأساتذة ليجدوا لافتة على أبواب معاملهم التي هجروها مكتفين بمقعد المشاهدة والمتابعة، مكتوب عليها: ممنوع الدخول لأنكم غير جديرين بالمكان!