علي محسن العلاق يسبر أغوار 'البنك المركزي العراقي'

الكتاب ليس الأول من نوعه، لكنه بالتأكيد الأول في مضمونه وما خرج به من معطيات ورؤى جاء عن تجربة يومية عاشها المؤلف في موقع المسؤولية.

كتاب "إدارة البنك المركزي العراقي.. من هامش الماضي إلى متن المستقبل" للسيد علي محسن العلاق  ليس الأول من نوعه، لكنه بالتأكيد الأول في مضمونه، وما خرج به من معطيات ورؤى، جاء عن تجربة يومية عاشها المؤلف في موقع المسؤولية، مقترنة باستشراف علمي وقراءات معززة بالوثائق، وقد خرجتُ، وانا انهي قراءتي الثانية له على مدى اسبوع، بانطباع بأن الكتاب الذي حمل عنوانا مثيرا ينبغي ان يكون من المفردات الدراسية الجامعية في اختصاص المال والاقتصاد.

وفي مقدمة الكتاب، يقول السيد العلاق بما يشبه الأسى: "رغم ان دستور العراق الجديد، وضع النظام الاقتصادي على جادة التحول الى اقتصاد السوق، إلا أن قصور السياسات العامة، ومنها المالية بوصفها ركن السياسة الاقتصادية المكمل، قد  ظهر جليا بسلوك الموازنة العامة للدولة، من حيث طغيان نفقاتها الاستهلاكية التوزيعية على حساب خلق الثروة المحلية، وتنويع القاعدة الانتاجية.. وبسبب ذلك، ساد النشاط التجاري الاستيرادي، شديد الصلة بطبيعة الانفاق الحكومي، وتراكمت أرباح سريعة يذهب اغلبها الى الادخار والاستثمار الخارجيين، دون إعادة توظيفها واستثمارها  بتوسيع وتنويع القاعدة الانتاجية المحلية، التي تشكل قاعدة الاقتصاد الاساسية، وتاليا تحقيق الاستقرار الاقتصادي في شقيه المالي والنقدي".

الكتاب، بطباعته الانيقة، وبصفحاته التي تجاوزت 550 صفحة من القطع المتوسط، اخذت من المؤلف سنوات عديدة في كتابته، حيث ساح، اطلاعا ودراسة في  32 مصدرا عربيا رصينا، الى جانب 29 مصدرا اجنبيا رفيعا، متكئا على دراسته الاولية في الجامعة المستنصرية، وحصوله على البكالوريوس  في المحاسبة وإدارة الاعمال في العام 1976، والدبلوم العالي المعادل للماجستير في العلوم المالية من جامعة بغداد في العام 1979.. وخبرته العملية  الطويلة محافظاَ للبنك المركزي العراقي، وممثل العراق في صندوق النقد الدولي، والبنك الاسلامي للتنمية، وعضو مجلس المحافظين في صندوق النقد الدولي، وعضو الاكاديمية العربية للمصرفيين العرب، وغيرها الكثير من المواقع ذات الاختصاصات المشابهة .

بنك القرن الـ 21 

وامام هذه الخبرة الطويلة، نقف على معلومات مهمة جدا، حوتها صفحات الكتاب، منها: التخطيط الاستراتيجي وإدارة التغيير، وإعادة الهيكلة الشاملة للبنك المركزي العراقي، التحول الى بنك القرن الحادي والعشرين، مفهوم الاستقرار المالي، وسائل مكافحة غسل الاموال، العلاقة بين  البنك المركزي والمصارف ، إجراءات تعزيز الاستقرار المصرفي، الشمول المالي، الإئتمان المصرفي في العراق، وغيرها من العناوين التي تغني المفهوم الشامل للوضع المالي والاقتصادي للعراق ماضيا وحاضرا.

بيت المال

وانا اتابع قراءة  صفحات الكتاب، سألت نفسي: ما هو بيت المال الذي يمثله البنك المركزي؟ وهذا السؤال اخذني إلى سؤال آخر: هل ان معرفة شؤون المال موهبة فطرية أم علماً؟  اعرفُ، ان جدلا كبيرا ينهض حول هذين السؤالين، لأن مفهوم الشأن المالي ينهض من الزوايا المعتمة في الذات، الزوايا الغامضة التي تستجيب لتحولات القلق وتحولات الرؤى في النفس الإنسانية، انه المال، عصب الحياة، واي خلل في إدارته يعني فوضى مجتمعية عاصفة، ولعل ما لمسناه في المدة التي سبقت عودة السيد العلاق، لإدارة البنك المركزي، خير شاهد على ما اقول، حيث كان العراقيون، وما زالت أثار ذلك باقية حتى الان، يعيشون في حالة أشبه بالوسواس الذي يفرد إيقاعه على الذات راسما صورة لقلق مدمر.. وبذلك اقول ان فهم واقع الحياة، ودراسة الحقائق، وفهم التاريخ المالي، ودورة الاقتصاد، بكل صنوفها، هي مزيج من الموهبة والعلم.

 شخصياّ،انا اؤمن ان التصدي للكتابة عن منجز ابداعي، ينبغي ان ينتج رؤية، ليست قارئة للنص فقط، انما رؤية ترتقي الى مصاف جمالياته.. فالتصدي يجب ان يوازي روحية المنجز، من اجل ظهور كتابة متناسقة مع الموضوع  المقروء، شرط ان لا تكون كتابة باردة، او مجاملة، او كسولة، بل عليها ان تسمو الى رؤية نقية بيضاء ..حتى تشع ومضاتها العميقة، في مساحات واسعة تستقبل الاسئلة المتنوعة، مرحبة بشتى الاستفهامات الفكرية.

الكتابة بالكاميرا..

لقد سبر المؤلف، اغوار البنك المركزي، طوال سنوات عديدة، وعرف مدخلاته ومخرجاته، معرفة دقيقة، وان اعادة تكليفه مرة اخرى لإدارته جاءت، لتؤكد اهليته المعرفية، في شتى دهاليز البنك، كمؤسسة مالية كبرى، وقد وضّف تلك المعرفة الدقيقة في اصدار كتابه هذا، فأحال المتخيّل الى مرئي، والمجرد الى ملموس، وكانه يكتب بالكاميرا.. فالتجربة خير معين في الرصد، والتحليل ..

وهو يؤكد ان البنك المركزي، يعمل بشكل وثيق مع محيطه بكل ظواهره الاقتصادية، ومع محيطه الدولي بكل متغيراته الاقتصادية، وحروبه المالية، وقد واجه البنك تلك التحديات لتخفيف  آثارها  ومخاطرها ، ولاسيما المتعلقة منها بمحيطه الدولي عند عدم مواكبة المعايير والممارسات التي تحول دون الانفتاح.