عمر حمدي المزمار الذي أطرب العالم ولم يطرب صعاليك الحي

المتأمل في أعمال سفير الفن السوري إلى العالم عمر حمدي 'مالفا' يشده الفيضان اللوني المنساب من يده على اللوحات التي تصبح سيمفونية بكل ما تحويه من آلامه الداخلية وأوجاع شعبه.
في الذكرى السادسة على 'ولادته الجديدة' 'مالفا' لايزال ظاهرة فنية تشكيلية سورية
'مالفا' واحد من أهم الفنانين المعاصرين لتجسيده الحركة الحية في الرسم الإنطباعي والتجريدي

مزمار الحي لا يطرب"، مقولة شعبية تم ويتم تداولها جداً وفي أكثر الأوساط الإجتماعية على إمتداد الشرق، ونستمر في رمي صاحبه بكل حجارة الله حتى يسقط، نحن قوم ينام الرب في داخل كل فرد منا، وننسى أنفسنا، وحده الرب يستيقظ فينا، فنحس بأننا الرب ذاته، وبأننا ما إن نقول كن يجب أن يكون.
لا نرى النجاح إلا في ذواتنا، فالمبدع نحن، والمميز نحن، والذي يُحْيي العظام نحن، نحن الرب لا قامة يعلو أمام هاماتنا التي تنطح السحب والسموات، نعم نحن قوم لم نمارس أبجدية الحياة ولهذا نمسك من ياقة الناجح منا ونجره إلى القمامة التي نحن منها والتي باتت تنتشر بقوة وكثافة على إمتداد جهات الحي، نعم مزمار الحي لا يطرب قلناها كثيراً، وعزفنا عليها طويلاً ومازلنا نعزف.
 مقولة تقال حين يتمايز أحدهم عن أقرانه، و يبدأ ضوءه بالسطوع في الأعالي، ويبد الآخرون من خارج الحي في تمجيده وتقديره، ويضعونه في المكانة التي تليق به، مكانة عالية مع أرفع الأوسمة، وحدهم أبناء الحي يجحدون في حقه، بل ويسعرون عليه كلابهم علها تنهشه وتنهش نجاحه وتعيده إلى ما كان عليه، إلى بيته الطيني المسكون بالفئران والعقارب (حسب قولهم)، إلى بيت فيه ينهال الأب ضرباً على أمه دون أن يعرف أو تعرف السبب، وعليه كلما شاهد أصابعه مغموساً بالألوان، يهاجمونه ويحاسبونه على كل شيء.
 نعم على كل شيء بما فيها طريقة مأكله وملبسه ونومه ومشيته بل حتى في طريقة خرائه، الأهم أن يتم إصطياده وإن لم يكن الماء عكراً، هذا الحال ينطبق على سفيرنا في الأرض عمر حمدي / مالفا الذي إستطاع أن يقدمنا في كبرى المتاحف العالمية، فبدل أن نكرمه أكثر من الآخرين ونبين للآخر بأنه إنموذج عنا جميعاً، فهو يمثلنا في كل مكان يتواجد فيه، وبأن الحليب الذي رضع منه رضعنا نحن منه، فأعماله الآن تسرد حكاياتنا في أكثر متاحف الأرض وأهمها، فبدلاً من أن نتفاخر به، وبأن شعباً أنجب مالفا لا يمكن أن يقهر، فبدلاً أن ندعو إلى إقامة متحف له و بإسمه أسوة بالفنانين الكبار الذين باتت دولهم تعرف بهم، ويضم أعماله ومقتنياته وكل ما يتعلق به يأتي إبن الحي ليقول عن مزماره بأنه لا يطرب، وبأنه ليس أكثر من دهان تعلمها أثناء عمله في كتابة إعلانات السينما وبروشوراتها.
 يأتي ليرميه لا بحجرة بل بكومة أحجار، وبالعودة إلى ذلك إبن الحي فهو إما أن يكون جاهلاً بالفن وقيمته أو يكون من حزب سياسي لا يفقه من السياسة أبجديتها، لا يفقه غير التصفيق و المااااااااع الطويلة وهو يمشي خلف المرياع مبجلاً إياه دون أن يعرف إلى أين، أو يكون من فصيلة (الفن لا يشبع خبزاً) وبالتالي فهو بعيد أيضاً عن ماهيته وعن خالقه، أو قد يكون فناناً مغمورا أصبح له سنوات طويلة وهو على موائد أوروبية لم يسمع بإسمه إلا زوجته، و لم ينجز ما يتجاوز دروس فنية كان يأخذها على موائد الكلية.
وإما أن يكون من باب الغيرة، فنحن أبناء الشرق نرمي الناجح بمليون حجرة حتى يسقط، لم نتعود على الإعتراف ببعض، هذا الإعتراف الذي يرفع من شأننا لا العكس، و لنقرأ ما قاله الآخرون عنه علّنا نصحى من غفلتنا.
 فقال عنه الدكتور في النقد وعلم الجمال ديترشيراكة مدير متحف الفن الحديث في فيينا / النمسا : إن من الخطأ أن نتصور بأن الفن الأوروبي فقط بإستطاعته أن يصبح عالمياً، مالفا يثبت بجدارة، بالرغم من إنتمائه الآسيوي، بأن الفن قوة نابعة من الألم.
وقال أيضاً : للوهلة الأولى للمتأمل لأعمال مالفا يشده هذا الفيضان اللوني المنساب من يده على اللوحات، وإلى أهمية هذا اللون وحركته و توزيعه مما يدفعنا لمقارنتها بأعمال كوكوشكا، وفان كوخ، وكيرستن في النمسا .
أما الناقد الإيطالي مارسيلو أفيتالي والأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة في روما بإيطاليا فقال: خلق لنا مالفا مستقبلاً جديداً من اللون والحب، بعيداً عن ذلك الإنحطاط الفني التي تشكو منه أوروبا.
 على حين قال عنه الناقد والفنان التشكيلي الفلسطيني عبدالله أبو راشد بأن الفنان التشكيلي السوري عمر حمدي يعد ظاهرة فنية تشكيلية سورية تجاوزت حدود الجغرافية السورية والوطن العربي، لتحفر لها مكانة مميزة في ذاكرة الحركة التشكيلية العالمية، ورواد الفن وصناعه بإعتباره واحداً من مشاهير الفن التشكيلي المعاصر.

 ويقول الناقد والفنان التشكيلي السوري أديب مخزوم  بأن عمر حمدي لا يمكن التعريف به إلا كواحد من أهم الفنانين المعاصرين وأكثرهم موهبة وقدرة على تجسيد الحركة الحية في الرسم الإنطباعي والتجريدي معاً، وهو يقدم عوالم جمالية تشكيلية حديثة تنتشلنا ولو للحظات من دوامة القلق والإضطراب والمعاناة المتواصلة.
 ويتابع مخزوم في مكان آخر : لم تكن المساحات البانورامية التجريدية مجرد إطار إستعراضي وإنما سجلت في فن عمر حمدي وبعد مشاركات عدة في تظاهرات فنية عالمية.
 أما الناقد التشكيلي الذي لا يموت صلاح الدين محمد فيقول : عمر حمدي في لوحاته لون يعيد في الأذهان عصر التألق في الفن العالمي وخاصة في الخمسين عاماً التي سبقت وتجاوزت عام 1900 حينما لعب اللون دوراً حاسماً في التشكيلات الحديثة.
 ويقول عنه الدكتور والناقد والأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق محمود شاهين : إن لم يكن مالفا أهم ملون في هذا العصر فهو حتماً من الملونين المهمين، ويقول أيضاً : عمر حمدي أصبح في رحاب العالمية، لقد حقق حلمه بالسفر والإنتشار، أثبت وجوداً فنياً كبيراً في أكبر دول العالم.
ويقول أسعد الكفري : عمر حمدي سفير الفن السوري إلى العالم.
 أما الباحث الدكتور سعيد الرفاعي فيقول : عمر حمدي فنان من سورية يدخل قائمة الفنانين العالميين، لوحاته سيمفونية تظهر آلامه الداخلية وآلام شعبه، إنه واحد من التجريديين الكلاسيكيين، وواقعية بلا ملامح، خصوبة في اللون، حركيّة المحتوى، داكنة الأجواء، وبنائية الشكل.
 وتبدي السيدة سيلفيا سينجر مديرة إحدى صالات العرض في فيينا بنمسا أسفها لأن الولايات المتحدة الأميركية أخذت عمر حمدي أكثر من بلدها النمسا، وتكمل : إستطاع عمر حمدي/ مالفا أن يرسخ إسمه في أكبر بوابات أجهزة الإعلام الغربية، وصدرت عن أعماله مجموعة كتب وكاتلوكات، وتقاويم سنوية، وملصقات جدارية، كما دخل إسمه القاموس الدولي Who’s Who السويسرية.
 وتقول أيضاً : أمام هذا الزخم الكبير للتجربة اللونية التي يتميز بها مالفا كواحد من أهم ملوني القرن العشرين وواحد من أكثر الفنانين إنتاجاً وتسويقاً في العالم.
 ويقول الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم : بين أعمال عمر حمدي الواقعية وأعماله التجريدية خط غير منقطع لا يصعب على المتأمل إكتشافه، خط يمتد من تجاربه الأولى إلى أحدث أعماله وقوامه وإمتلاك بارع ومبدع للضوء واللون يفسر من جهة أهميتها في فن التصوير ويبرر من جهة ثانية وصف عمر حمدي بأنه واحد من أهم الملونين في عصرنا. ويقول الدكتور سعد الدين الطويل عنه: عمر حمدي هذا المتأمل الدائم لكل شيء يمتص كل شيء ويفرز ما يريده، وهو واحد من القليلين الذين تمتلكهم أوروبا وأميركا بشكل إستثنائي أو قسري، أو ربما لضرورة الحفاظ على المفارقة الزمنية والثقافية، ومعادلة الفن واللافن، بين المعطية الإبداعية والمعطة الحرفية، ومع أن عمر حمدي يحاول أكثر من مرة الظهور بمجموعاته الكبيرة، مجموعة من اللوحات، كل لوحة منفردة تشكل بمجموعها لوحة واحدة كبيرة، هذا الظهور الذي يقدم فيه نفسه في المعارض الدولية، والذي شكل بذلك إنتباهاً ملحوظاً في الأوساط الثقافية .
سنكتفي بهذه الآراء التي ما هي إلا غيض من فيض، ما هي إلا قطرات مما هطلت على حقول مالفا، فالغيوم كثيفة، والأمطار بعدها كانت غزيرة ليس بمقدورنا أن نجمعها جميعاً هنا، بل نعجز نحن والمجلدات ذاتها تعجز عن ذلك، لكن فقط نذكر بأنه الفنان التشكيلي الوحيد الذي ينتمي إلى الشرق ويرد إسمه في قاموس "الفن التشكيلي العالمي" الذي تصدره مجلة فلاش آرت المعروفة، وأيضاً في قاموس الفنانين العالميين Art contem pain modial.
وأخيراً إذا كنّا جاحدين كأبناء حيّه كل هذا الجحود بحقه، فلم نقدم له شيئاً من مستحقاته الكثيرة في ذمتنا، حتى أننا كشرقيين لم نكن مخلصين لطقوسنا، ولم نستجب لوصاياه القليلة ، فلا دفناه في التربة التي ولد منها، ولا أحرقنا جثته لنضع رمادها في متحف ما، بل لم نستجب حتى لتلك الوصية الصغيرة التي قالها مرة في أحد حواراته بأنه يحب أشياءه الصغيرة التي لا ثمن لها وتشكل ثروته التي يتمنى أن يضعوها (ويقصد الفراشي) معه في قبره.
 عذراً مالفا، نحن قوم نكره الناجح ونطعنه إلى حد التلاشي، نحن قوم لا يليق بك أن تكون بيننا ولهذا تركتنا في موتنا ومضيت بحثاً عن حياة جديدة تليق بك وبقامتك وريشتك وإنسانيتك .
ملاحظة : المادة كتبت في الذكرى الرابعة على رحيله ولكن وجدتها مناسبة في الذكرى السادسة على رحيله، فما زلت أسمع نقيق بعض الأقزام من أبناء ملته يرمونه بحجر ناسين أن الشجرة هي التي ترمى بحجر.