عنان محروس تداوي الجروحات الناتجة من الشجن واليأس

الكاتبة الأردنية تحاول هدم كل حواجز الخيبات بزرع الثقة في دواخل النفوس المدثرة بأهوال الظروف.
النصوص النثرية هي فيض زائد من مشاعر أبت شحناتها إلا أن تترجم على الورق معاناة متمثلة بحروف عواطفها جياشة
محروس لا ترى في كتاباتها أي جرأة وإنما الواقعية، والحرية في إطار الكلمة الملتزمة


بدأت رحلتها مع الحرف منذ نعومة أظفارها، الحرف الذي طالما ناغش مخيلتها في تلك الفترة، جعلها فيما بعد تبحث عن الكتب فتقرأ كل ما تقع بين يديها.
كبرت وتخرجت من الجامعة، وكبر معها الشغف بقلم الرصاص، هو للآن صديقها المخلص للتدوين، فما زالت تعشق صريره على الورق، كبر معها أيضًا حجم المخزون الثقافي.
ستفرغ حبر الأيام والسنين من هذا المخزون وبالتالي الموهبة والإبداع من فوهة قلمها على أوراق بيضاء، فتخرج نصوصًا وقصصًا وروايات رائعة من بين دفتي الكُتب وبأسلوب في غاية الجمال، تبهر قراءها لما تحملها بين طياتها من موضوعات وأحداث خيالية قريبة من الواقعية تمس القلوب والأرواح لمختلف شرائح المجتمع، تلك (القلوب والأرواح) التي رسمت لنفسها طموحات وآمالا في الأفق وتعثرت أحيانًا في السير نحو المبتغى بفعل هواجس وهموم مفاجئة.
إنها تداوي الجروحات الناتجة من الشجن واليأس وتفتح الدروب نحو النور وحدائق الفرح، وتحاول هدم كل حواجز الخيبات بزرع الثقة في دواخل النفوس المدثرة بأهوال الظروف، وأن في الحياة هناك دائمًا مجال وفرصة ما للنهوض مهما كان الانكسار كبيرًا، فمن أهم رسائل قلمها إلى القارئ بأن الوهن والهزيمة لا تعني نهاية الحرب/ الحياة، فالإنسان مثلما يخضع أحيانًا لسلطة اليباس فهو قادر أيضًا أن يسقي اليباب بالرغبة والعزيمة ليتوج بالاخضرار ويقطف فاكهة التعب والعذاب من شجرة الإرادة التي كانت محاصرة يومًا ما بين عواصف الحزن وزوابع الإهمال.
عنان رضا المحروس أردنية الجنسية، قاصة وروائية. خريجة جامعة بيروت ـ قسم القانون، أدارت العديد من الأمسيات والمهرجانات الأدبية والثقافية في عمان العاصمة وخارجها. أول إصداراتها كانت مجموعة قصصية بعنوان "أغداً ... ألقاك" وقد احتفيت بمولدها في الأردن وجمهورية مصر العربية. تبعها اسكتش مسرحي توعوي يعالج موضوع المخدرات في المدارس والجامعات بعنوان "الجوكر"، ومن ثم رواية "خُلِقَ إنسانًا".
وتقول: مازال الصندوق يستغيث بقوة، وفِي جعبته، الكثير من القصص والنصوص النثرية، ورواية جديدة قاربت النضوج والاكتمال.
في بداية حديثنا معها، أشارت عنان محروس إلى طفولتها المدرسية ومدى شغفها باللغة، فقد همس لها عصفور الأدب باكرًا: أذكر أن الحرف عانق بطيفه مخيلتي منذ نعومة أظفاري، في الصف الخامس من المرحلة الأساسية، كنت المميزة في حصص الإنشاء، المشرفة على مجلة الحائط، والمكلفة بمساعدة الطلاب والطالبات التي تتعسر لديهم اللغة العربية. عشقت القراءة ولطالما أخفيت الروايات والقصص داخل كتبي المدرسية.
قدوتها: يتشابه البشر عند الولادة ويختلفون باختلاف ظروفهم وقراراتهم، ووالدي كان مرجعي ومثالي الأعلى.
كبرتْ وتخرجتْ في الجامعة (خريجة جامعة بيروت ـ القانون) ولم تمارس مهنتها، لأنها: لم أجد نفسي بين قاعات تضج بأصوات ظالم ومظلوم، فهربت روحي من قضبان المتخاصمين إلى فضاء الحرف.
مضمون مسرحية الجوكر: دارت فكرة مسرحية الجوكر عن المخدرات التي هي أخطر آفة على البشرية، ونوهت إلى انتشارها الكبير في المدارس والجامعات، كما أشارت إلى أساليب إغواء الشباب من قبل المروجين، كما وضحت نتيجة الانقياد إلى ذاك الطريق المعبد بالدم والندم. 
ترى محروس أن المسرحية حققت مبتغاها، ولكن، وقد عرضت على مسرح عمون في الأردن، ومن وجهة نظري أعتقد أنها حققت مبتغاها إلا أنها لم تأخذ حقها تمامًا من مواصلة العرض. وفكرة كتابة مسرحية أخرى ليس بمستبعد إذا وجدت فكرة خلاقة هادفة. 

Literary dialogue
في الحياة هناك دائمًا مجال وفرصة ما للنهوض 

أسمت القاصة عنان محروس القسم الأول من مجموعتها القصصية (أغدًا ... ألقاك) بالـنوافذ، والسبب: النوافذ هي نوافذ الروح التي تتوق إلى النور، والستر دائماً هو من يخفي أوجاعنا ومعاصينا وتلك النوافذ المتراصة في العمارات السكنية المتقاربة هي ما تضيء رهبة العتمة قليلاً. 
أما القسم الثاني (القصص) في مجموعتها القصصية، فقد تناولت عدة القضايا ومنها: القضايا المطروحة من الغدر والخيانة (اللحظات الأخيرة، وغدر أنثى) إلى الفراق والألم التي تسببه الحروب (أغداً ألقاك) وأيضاً ناقشت عمالة الأطفال وخطرها (لو) والحفاظ على البيئة (عاشق الورد). وتطرقت إلى الأخلاق والسلوك الخاطئ عند البعض كالغرور والعبوس. 
وأكدت أن النصوص النثرية هي فيض زائد من مشاعر أبت شحناتها إلا أن تترجم على الورق معاناة متمثلة بحروف عواطفها جياشة. 
وابتعدت عن إدراج نصوصها ضمن القصص، تجنباً للحشو في القصة الذي أعتقد أنه يضعف الحبكة ويضيع هيبة الفكرة. وقالت: القصص والنوافذ جميعها من نسج خيالي، ولكنني متأكدة وبشدة من وجود نماذج واقعية لها في حياتنا.
عممت القاصة عنان محروس مجموعتها أغدًا...ألقاك، والهدف منه: محاكاة الاحتياجات السلوكية والمشاعر في كل زمان ومكان، وتنطبق وجدانياً على قلوب وأرواح لا نعلم ألقابها ولا مكانها.
العنوان دائماً هو عتبة النص، الحد الفاصل ما بين اللهفة والدهشة. كلنا نتوق انتظاراً إلى الغد لنلتقي، حبيبا أو حلما أو أملا ما ... كلنا نتساءل أغداً ألقاك؟ وهي ترى أن القصص والنوافذ، النصوص النثرية والقراءات النقدية خيط متجانس لنسيج واحد لا يجوز فصلهم.
أما في رواية "خلق إنسانًا" فقد عالجت موضوعًا في غاية الأهمية ألا وهو مرض الفصام، وتوضح لنا بعض الأسباب والظروف التي أدت بـ آدم بطل الرواية إلى التهلكة، قائلًة: في روايتي خُلق إنساناً، آدم أصيب بالفصام بعد تعرضه للاعتداء الجنسي والظروف البيئية والنفسية والاجتماعية هي من هيأت لظهور المرض. ليست الأمراض النفسية وبالأخص الشذوذ وقفاً على الفقراء دون الأثرياء، ولذلك أسباب كثيرة تحتاج إلى مجلدات للوقوف عليها وشرحها، والطريق إلى الهلاك بلا شك يؤدي إلى الموت، لذلك كانت النهايات مأساوية. 
والسبيل لإنقاذ آدم وكل طفل مشرد، هو اهتمام أكبر من المؤسسات التي ترعى حقوق الطفولة وتحميها، وذلك للحد من هذه الظاهرة. الخلاص والتطهير من هذه المعضلة في مجتمعنا – لا أخفيك – يحتاج إلى معجزة. مريم الحبيبة والزوجة لآدم من ديانة أخرى، لكنها حملت بطفل من أمجد/ ابن عمها! وفي نهاية الرواية تقرر البقاء مع زوجها في المشفى. وتؤكد الكاتبة أن الدين لله، والتسامح الديني والإنساني هو حلم كل من يتمتع بشيء من الإنسانية، وبالنسبة لآدم لا أعلم إن كان سيغفر لها بعد شفائه، وهو من دفعها إلى الهاوية بسوء تصرفه، وجهلها بمرضه من ناحية أخرى. وبالمناسبة الفصام لا شفاء له إنما يهدأ ويثور حسب العلاج والأوضاع النفسية للمريض المصاب.
أما القارئ، فقد يغفر لها أو لا، حسب مؤشرات المجتمع وتقاليده وعاداته التي تربى عليها ورسخت في ذهنه. ولكن أرى أن المجتمع يغفر وبشدة للرجل.
اختارت الروائية عنان محروس أحداث روايتها في لبنان لأسباب التالية: طفولة آدم تزامنت مع الحروب الأهلية الطائفية التي دامت عشرات السنين في لبنان، والخلل الإداري في مؤسسات الدولة قادت إلى ظهور ألف آدم وآدم. كما أنني عشت في بيروت مدة من الزمن وتعايشت مع شوارعها، خيرها وشرها. 
وتوضح عنان محروس أن الرواية تبدأ في مخيلتي هاجسا، ثم تتطور لتصبح فكرة متكاملة، وما أعاني منه أن الرواية تنتهي وتصدر وتبقى الفكرة بشخوصها وأحداثها تتجول في مخيلتي، وتكبر أكثر وأكثر. 
وهي لا ترى في كتاباتها أي جرأة وإنما الواقعية، والحرية في إطار الكلمة الملتزمة، وتقول: كتاباتي واقعية وليست جرأة، وما دامت الحرية ضمن إطار الكلمة الملتزمة بعيداً عن الإسفاف والابتذال، فلا شك أن رسالة القلم ستصل إلى القارئ كما يجب أن تكون.
وفي نظرها المساواة بين الرجل والمرأة لا تكفي فلا بد من إيجاد العدل، وتقول: أطمح إلى العدل بين الرجل والمرأة في التعامل، فالمساواة في توفير نفس الفرص والحقوق والخدمات لا يكفي، إن لم يرافقها العدل، فلا ننكر اختلاف الاحتياجات والتجارب التي يجب أخذها بعين الاعتبار.