عن الاحتماء الايراني بروسيا

بعد 4 عقود على حكم رجال الدين في إيران، تبدو الاوضاع على أسوأ ما يمكن تصورها، بل وحتى يمكن القول بأن نظام الشاه وهو على مشارف السقوط، كانت أوضاعه أفضل مئات المرات من الأوضاع الحالية في إيران. ولئن كان النظام الديني يسعى الى بناء دولة للمحرومين والمستضعفين والوقوف بوجه الطغاة والمستبدين، لكن من مهازل الدهر أن يواجه هذا النظام أزمات خانقة بسبب من دعم غير محدود لنظام ديكتاتوري يذبح شعبه أمام أنظار العالم بدم بارد.

أغرب ما في قضية تمادي نظام رجال الدين في إيران في دفاعهم عن نظام الديكتاتور السوري، إنها قادتهم رغما عنهم لكي يصبحوا أقل من "الاخ الاصغر" لروسيا التي إستقدموها ليس دفاعا عن نظام الاسد فقط وانما تلافيا لهزيمة كبيرة كانت تنتظرهم في سوريا ولم تكن ستنتهي بسقوط دمشق. وهذا ما جعل المرشد الاعلى المهزوز أمام شعبه رهين المحبس الروسي، ومضطرا كي يلقي رغما عنه كل كراته في سلة الرئيس الروسي بوتين الذي وجد في تدخلات رجال الدين السافرة في إيران في المنطقة وطموحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مناسبة جيدة لكي يرسخ أقدامه في المياه الدافئة على حساب الطرفين آنفي الذكر.

الاوضاع الصعبة وغير المألوفة التي يواجهها رجال الدين في طهران والمتراكمة على بعضها من نتاج قرابة أربعين عاما من حكم لا يبدو إنه كان سديدا وقدم خدمات للشعب الايراني كما فعل أردوغان خلال الاعوام الاولى من حكمه عندما حسن الاوضاع الاقتصادية في تركيا بصورة واضحة جدا، وإن المفترق الخطير الذي يقف عنده النظام في إيران، خصوصا وإنه يواجه ضغوطا غربية إستثنائية ترافقها تطورات داخلية غير عادية، يرغمه شاء أم أبى يقف خلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإحتماء به في الوقت الذي يقوم فيه الاخير بحلب النظام الايراني كبقرة حتى ولو كان هناك دما بدلا من الحليب.

هذا الاحتماء الذي فيه الكثير من التهافت على روسيا بوتين، هو خوفا من مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة والغرب، وهو أمر لا يبدو قائما أو محتملا خصوصا بعد أن صار العراق عبرة ودرسا قاسيا، لكن الذي يبدو واضحا إن الحالة الايرانية فيها الكثير من الاختلاف عن الحالة العراقية، خصوصا بعد أن إجتاحت إيران إنتفاضتين عارمتين لا تزال آثار وتداعيات الثانية التي سعت لإسقاط النظام، باقية بشكل أو بآخر، والذي يجب هنا ملاحظته وتأمله بدقة هو إن روسيا إذا ماكان هناك مجالا لتدخلها في حال تعرض النظام الايراني لهجوم أميركي ـ غربي، فإن هكذا مجال لا وجود له إطلاقا في حال إندلاع إنتفاضة شعبية جديدة تشير التقديرات كلها وفي ظل الظروف والاوضاع الحالية في إيران بأنها ستكون أقوى من الانتفاضتين السابقتين، إذ لا يمكن أبدا للروس أن يجرأوا على التدخل أبدا ضد شعب ثائر على نظامه ولاسيما وإن المعارضة الايرانية النشيطة المتمثلة بالمجلس الوطني للمقاومة الايرانية، قامت وتقوم بتعبئة الشعب الايراني والرأي العام العالمي ضد النظام ومن المستحيل أن تنجح روسيا في حماية نظام مكروه كالنظام الايراني بل إنها لن يكون لها موقف أفضل من الموقف الاميركي تجاه نظام الشاه عندما سقط أمام عينه من دون أن يحرك ساكنا.