فدوة الكشو تكشف عن أحاسيسها في 'بين نارين'
الفن مسافة سفر ونظر وابتكار تجاه الذات في الحل وفي الترحال حيث الحلم مجال قول ونشيد وكون مزدحم بالأصوات والصور والمشاهد والأصداء .. ومن هذه العوالم ينتبه الفنان الراغب في ذلك إلى شواسعه وقد حركت فيها العناصر والتفاصيل ذلك الحوار القلق الذي يشي بالأسئلة التي تتعدد في السيرة والمسيرة لتنتج الشخصية الفنية القائمة بذاتها والقائلة بالإبداع في تعدد عناوينه وألوانه وملامحه...
في هذه المدارات كانت الفكرة الفنية مجالا ومحورا لعبارات شتى ترنو إلى معانقة الفن والمضي في دروبه تشوفا وتقصدا للجمال الكامن في التفاصيل وفق حالات من طفولة قديمة ومقيمة تبتكر للحظاتها عناوين بهاء كان بمثابة الحلم لتتجدد الفكرة مع السنوات وتذهب أكثر في نظرتها للأشياء التي تستمد منها وبالنهاية اللون والشكل والهيئة الجمالية القائلة بهكذا منجز فني..
وهكذا وفي سياقات اللعبة الفنية ضمن حالات الفن التشكيلي كانت الفكرة المرافقة للطفلة الفنانة معبرة عن هذه الرحلة التي تتواصل مع الفن باعتباره شكل كلام وخطاب وكينونة.. لتظل الطفولة مهيمنة ببراءتها في تخير فنانتنا التشكيلية لنهجها التعبيري ونعني الفن الخزفي وعوالمه الساحرة وبكثير من الشاعرية والإحساس والعمق..
في تجربتها الفنية والأكاديمية عبرت الفنانة الخزافة والدكتورة فدوى الكشو عن كل هذا الغرام الجمالي الذي تلاقى فيه الإبداعي والأكاديمي لتتعدد البحوث والمشاركات في المعارض الفنية بشكل جماعي وفردي شخصي.. ومن كل ذلك المعرض الخاص بعنوان entre deux feux "بين نارين"Naître de la persécution… "ولد من الاضطهاد". وهو المعرض الذي أبانت فيه وخلاله الفنانة الخزافة فدوة الكشو عن كل اعتمالات ذاتها وأحاسيسها وبوعي جمالي من خلال هذا التنوع في العناوين والأشكال التي ميزت أعمالها الخزفية التي بدت بدقة وجمال الفن وأسئلته العميقة والواعية و..القلقة.. وخاصة في معرضها "بين نارين.. ولد من الاضطهاد" تبرز الأعمال وتلك الوجوه بحالاتها المرعبة من الاضطهاد والمتأمل يرى مليا تلك المظاهر الموحشة والمرعبة والمربكة والطالعة من الأنقاض فكأننا بالفنانة تمضي بعيدا في توصيف الحال وما يقع لهذا الإنسان وليس أعمق في ذلك من العدوان الغاشم وما يحدث في غزة والفلسطيني المقاوم الذي تسعى آلة الحرب المتوحشة الأميركية والغربية والصهيونية إلى تحويله إلى كائن مضطهد غير أن هذا الإنسان الطالع من الاضطهاد يولد من جديد ليقول بالحياة والجمال ولو بلوعة الأعماق..
الخزافة فدوة كشو تتماهى في لعبتها الفنية مع المادة تدعكها وتشكلها لتخرجها بالنهاية في تناغم فني مع حالاتها وأمزجتها فكأنها تكتب نصا بروح الخزف واشتراطاته الفنية وهي في كل ذلك وبين الفينة والأخرى تكتب شيئا من تلوينات الذات ورغباتها حيث التناغم بين المكتوب والمشكل خزفيا نظرا وتأويلا وإشارات متعددة في عبارات سهلة وعميقة ومن ذلك مثلا قولها المكتوب "روحيا استمد طاقتي من الطبيعة وأراقب بشدة جانبي المظلم ولا أسمح له بالسيطرة، وأغذي جانبي النوراني بلحظات التأمل الهادئة التي أتواصل من خلالها مع ذاتي العليا.. أشتري لنفسي هدايا تُسعدني… أدعو نفسي خارجا للغذاء أو العشاء.. استمتع بخلوتي. فكريا لا أتوقف عن الفضول المعرفي، لا أتابع التفاهات والأشياء التي لا تغذي فكري، أعشق الإبحار في كل الأشياء التي تجعل وعيي يتوسع ويخرج عن دائرة القطيع ...أحب نفسي واهتم بها، لهذا أنا لا أسرق طاقة أحد، ولا أقبل أن يعاملني أحد بأقل مما أعامل به نفسي ..ومن خلال هذا الحب لدي طاقة هائلة للعطاء وأحاول أن أوازِنُ بين الجدية والجنون.. فأنا الحكيمة وأنا أيضا تلك الطفلة الشقية التي تكسر ضحكاتها جدران السكون …من لا يحب نفسه سوف يَتعبُ كثيرا ويُتْعب الآخرين معه.. لأنه سوف يكون فارغا داخليا وجائعا طاقيا ولا يبحث سوى عن أشخاصٍ يفرغهم ويطلب منهم كل تلك الأشياء التي لم يستطع أن يعطيها لنفسه..".
الفنانة الخزافة والدكتورة فدوة كشو وضمن محطتها المهمة في تجربتها ونعني معرضها بعنوان "بين نارين.. ولد من الاضطهاد".. للفترة بين 26 فبراير/شباط و04 مارس/آذار 2024 وبحضور حوالي 70 ضيفًا (من أساتذة ودكاترة الفنون البصرية وباحثين وهواة وأصدقاء والعائلة الموسعة...) قدمت عديد الأعمال الفنية 22 عملاً منها 9 ألواح خزفية و13 قطعة خزفية ثلاثية الأبعاد في دعامات مختلفة: رخام وخشب وبتقنيات مختلفة: تقنية النمذجة: الملف، اللوحة، الشريط وتقنية الإغاثة الأساسية وتقنية الحدبة المستديرة وتقنيات الزخرفة: الزخارف التطبيقية، الزخارف المخرمة، ترصيع الأنماط، النقش/السغرافيتي، الخلط، القوالب، إلخ... وتقنيات تلوين القطع الخزفية باستخدام المينا والقصاصات والراكو..
وفي هذا الخصوص تقول الفنانة فدوى "الطين مادة مصنعة يتم الحصول عليها بالنمذجة ثم بطبخ التربة الطينية. الطين مادة سحرية. وبالفعل، عندما نستخدمها بحب وفرح، تظهر لنا مرونتها.. يتحول الطين بعد الحرق الأول من الحالة الخام والمتفتتة إلى جسم مقاوم. ويتجلى هذا السحر بشكل أكثر وضوحًا أثناء عملية الحرق الثانية، حيث تكتسب الألوان والزجاج المطبق على البسكويت الحياة والضوء. كخبير خزف، كل هذا هو شعور يتكرر في كل مرة ومع كل تنفيذ. وهذا هو السبب في أن عنوان المعرض يعكس نهج الحريقين.. فكرة الاضطهاد، 'فكرة يعتقد فيها الفرد أنه يتعرض للهجوم في سعادته ومصالحه وصحته وحتى وجوده، إما من قبل أشخاص حقيقيين أو من قبل قوى خيالية'، ويقال الاضطهاد أيضًا، بالمبالغة، من الأهمية المستمرة التي نجد أنفسنا متعبين منها. ويعود باستمرار إلى التهمة: إنه الاضطهاد.. لقد أعربت عن سعادتي لأنني أتيحت لي الفرصة لعرض أعمالي، ضمن الحوار والنقاش حول القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية والبيئية المعاصرة الهامة..".
تجربة ومعرض وأعمال تمضي ضمنها ووفقها الفنانة فدوة الكشو بكثير من جمال الفن ولوعة السؤال وحرقة البحث في سياق متلازم بين الإبداعي والأكاديمي حيث الذات الفنانة تراكم عناصر اللعبة الفنية وتفاصيلها بما يقودها أكثر في هذا النهج المتخير.