فرنسيس أمين خبير مصريات مهموم بالمتاحف النوعية

منى لملوم تحاور مؤلف العديد من الكتب والمقالات بالإيطالية والعربية والداعي منذ 1986 لإنشاء متحف للفوتوغرافيا والمتم بأرشيفات العلماء.
مئات المتاحف علي مستوي العالم أنشئت على أساس الأرشيفات الخاصة
90 بالمئة من "النيغاتيفات" الهامة انتهت بين أيدي تجار الفضة
جمعت 5000 صورة ونيغاتيف لسليم يوسف رائد فن البورتريه المصري

فرنسيس أمين الخبير بعلم المصريات، ابن محافظة الأقصر، ومهتم بعلم المصريات منذ التخرج من كلية الآثار، جامعة القاهرة، عمل بالإرشاد السياحي للغة الإيطالية والفرنسية، وقام بتدريس اللغة الإيطالية بمعهد إيجوث،  ثم بكلية سياحة وفنادق، ثم مؤخرا  بكلية الألسن جامعة الأقصر، وعضو مجلس الأمناء بها، وهو مؤسس ومدرس بمشروع الEICAP  في كلية فنون تطبيقية وكلية العلوم بكاتانيا بإيطاليا.

مهموم بالمتاحف النوعية، ودعى منذ 1986 لإنشاء متحف للفوتوغرافيا، وما زال يحدوه الأمل حتى الآن في تنفيذ ذلك، كما يهتم بأرشيفات العلماء وسلبيات الصور "النيغاتيف"، يشتري الكثير منها على نفقته الخاصة، ويهديها للمتاحف، حفاظا عليها من الضياع، وهو مؤلف العديد من الكتب والمقالات بالإيطالية والعربية منها "المصورون الإيطاليون في مصر" و"مصرالعصر الذهبي".

البحث في الأرشيفات الخاصة والخطابات والصور مصدر هام من مصادر الأسرار، كيف كانت تجربتك داخل تلك المصادر؟

أطلقت علي الأرشيفات الخاصة اسم المصادر الحية غير المباشرة للبحث في مختلف المجالات، وهي أرشيفات ترتبط قيمتها بقيمة صاحبهاومدي تأثيره في مجاله، لقد عشقت شراء الأرشيفات الخاصة بعلماء المصريات وبالمصوريين الفوتوغرافيين، وأعتبرهم من اللآلئ المدفونة التي تشكل وتثري معرفتنا فى هذين المجالين، كما تشكل الذاكرة الفوتوغرافيا أهمية قصوي في تاريخ وتطور علم المصريات وعالم الفوتوغرافيا المثير، بل أن هناك علم نشأ منذ سنوات في الخارج هو علم الفوتوغرافيا الأثرية، لقد اقتنيت منذ سنوات طويلة أرشيف عالم المصريات الكبير سامي جبرة، وهو صاحب الفضل الأكبر في اكتشاف منطقة "تونة الجبل"، ويحتوي أرشيفه علي آلاف الصور لحفائر هذه المنطقة الثرية، ولم يسعفه الوقت للأسف أثناء حياته لنشر كل ما اكتشفه، وليومنا هذا يقوم العديد من الباحثين بالاستعانة بهذا الأرشيف لمعرفة تاريخ حفائر هذه المنطقة، بل ويلجأون للصور الفوتوغرافيا لمعرفة إذا ما كان ما يكتشفونه قد اكتشفه من قبل سامي جبرة ولم يقم بنشره.

وتمثل الخطابات المتبادلة بينه وبين العلماء الأجانب والمصريين في تلك الفترة مدي تقديرهم له ولأعماله؛ حتي أن طه حسين كان يداوم علي زيار سامي جبرة في "تونة الجبل"، بل وبني لنفسه استراحة إلي جوار استراحة سامي جبرة، كما أن اكتشافاته تعتبر الاكتشافات الأثرية المصرية الوحيدة التي شغلت الصفحة الأولي للأهرام كاملة، كما أن أحاديثه للإذاعة المصريةالتي سجلها بخط يدهتمثل -نظرا لضياع هذه الأحاديث من الإذاعة- تراثا هاما، وإذا انتقلنا إلى مجال الفوتوغرافيا، فقد جمعت منذ سنوات أرشيفا هائلا من الصور والسلبيات (النيغاتيفات) للعديد من المصورين المحترفين والهواة، ومنه ما يقرب من 5000 صورة وسلبية لسليم يوسف رائد فنالبورتريه المصري، والذي بدأ نشاطه منذ ثلاثينيات وحتي تسعينيات القرن الماضي، ويتميز بأنه قام بتصوير كل طبقات المجتمع المصري، كما حاز علي شهرة بين الجنود البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية كمصور ماهر.

إن أرشيفه يمثل مصدرا هاما لدراسة الأزياء وتطورها، وكذلك موضة تصفيف الشعر لدي السيدات، والشارب والنظارات لدي الرجال لمدة ستين عاما، لقد استحق عن جدارة لقب ملك البورتريه الفوتوغرافي المصري.

أعود لأوكد علي أهمية ما تحتويه الأرشيفات الخاصة ليس فقط في هذين المجالين بل في كل مجالات الحياة .

هل تصعب اللوائح عملية تبرع صاحب تلك الأرشيفات والمكتبات الخاصة إلى المكتبات العامة؟ ولماذا أصبح مصير الكثير منها بائعي "الروبابكيا"؟

 في الخارج ونظرا لانتشار الوعي بأهمية الأرشيفات الخاصة فإن أصحابها يوصون بإهدائها للمتاحف  وللمؤسسات العلمية التي تقدر قيمتها وتمتلك إمكانية حفظها ودراستها ونشرها  نشرا علميا، ويحرص ورثة أصحابها بعد وفاتهم علي تحقيق رغباتهم.

 هناك مئات المتاحف علي مستوي العالم قامت وأنشئت في الأساس بعد أن امتلكت أرشيفات من هذا النوع،  أيضا في مصر نمتلك بعض هذه المتاحف، كمتاحف مستقلة أو ضمن مؤسسات كبري وتعتبر مكتبة الإسكندرية نموذجا لهذا الصدد، فهي تمتلك متحف السادات وشادي عبد السلام وغيرهم من الشخصيات المصرية الشهيرة، ومن المتاحف المستقلة نذكرعلي سبيل المثال: متحف جمال عبد الناصر، والعقاد، ونجيب محفوظ وغيرهم.

 إن عملية إقتناء هذه الكنوز يجب أن تكون من أولويات وزارة الثقافة، وأري أن مشاكل الحصول علي هذا التراث يلعب فيها الورثة دورا هاما، فالعديد منهم يفضلون الحصول علي مكاسب مادية من وراء بيعها، كما أن تعدد الورثة الذين لا يتفقون في الغالب علي تخليد ذكري هؤلاء العلماء تعتبر عائقا آخر، كما أن الجامعات المصرية لديها لوائح صارمة لقبول إهداء هذا التراث، فالأمر يتطلب أولا مخاطبة الجهة التي ستتلقي هذا التبرع،ليتم بعدها عمل دراسة وتشكيل العديد من اللجان، وقد يرفض الطلب لعدم وجود مكان مناسب لحفظها، كما أنه في بعض الحالات يضطر الورثة لإخلاء أماكن إقامة هؤلاء العلماء المستأجرة والتي انتهي عقد إيجارها بوفاتهم، أو لطمع الورثة والإسراع في هدم منازلهم لإقامة الأبراج التي  تدر ربحا كبيرا، وفي أحيان أخري يتم التبرع لجهات لا تقدر قيمة هذا التراث مثل الجمعيات الخيرية،أو لمباني خاصة بالجاليات الأجنبية، كما أنه في حالات كثيرة في ظل عدم وجود ورثة يتم بيع هذا التراث في مزادات علنية لا تقدر الجهة التي تقيم المزاد أو مرتادي هذه المزادات قيمة هذا التراث.

وأذكر أن أحد البنوك المصرية أقام منذ عشرين عاما مزادا علي شقة فوتوغرافي كبير، وتكالب المزايدون علي شراء الأجهزة المنزلية المستوردة، والإكسسوارات، واللوحات، وحين عرضت مجموعة السلبيات "النيغاتيف" الخاصة به لم يزايد أحد معي عليها فاقتنيتها بثمن بخس، ورأيت نظرات الشفقةعلي في أعين المزايدين، والذي قال لي أحدهم بأن الفضة التي سأستخرجها من  هذه "النيغاتيفات" لا توازي عشر ما دفعته فيها.

إن العديد من السلبيات الفوتوغرافيا، بل إنني أستطيع أن أقول أن أكثر من 90% من "النيغاتيفات" الهامة انتهت بين أيدي تجار الفضة، كما استخدم زجاجها النقي في عمل الفوانيس والبراويز.

يواجه الباحث المستقل صعوبة شديدة في البحث والحصول على موافقات من المكتبات العامة والوصول لمراجع لبحثه، كيف ترى ذلك؟ وما رؤيتك للحل؟

كان الله في عون الباحثين المصرين في مختلف المجالات، فالحصول علي وثيقة أو نسخة من تراث العلماء، والأدباء، والفنانين المصريين، يتطلب العديد من الموافقات والمراسلات والتي يتم في الغالب رفضها، إما لأن طالب الوثيقة لا يعمل في السلك الجامعي، أو لأن الطلب لا يوافق مزاج ورغبة الموظف المسؤل عن الأرشيف، وفي مصر فإن وزارة العدل هي الوزارةالوحيدة التي تضع لوائح ميسرة للحصول علي الوثائق والشهادات،  أما في الخارج فإن الجهات المسؤلة تقوم بنشر وإتاحة هذه الأشياء مجانا لمن يريد علي صفحات الإنترنت ونضرب  لذلك مثلا بمكتبة الكونجرس الأمريكي.

أرى أن حل هذه المعضلة في مصر أمر ملح، وأري أن مشروع الرقمنة الحديث هو الحل الجذري لهذه المشكلة.

 بعض المتاحف والمخازن تعاني من الإهمال مما أثر على كفاءة الكتب وأصابت بعضها الرطوبة، كما نقل محتوى بعض المكتبات العامة للخارج، هذه إحدى الموضوعات التي تثير شجونك وهمومك، كيف يكون السبيل لعودة مكانة الكتاب والتراث بشكل عام لسابق عهدها، وتقدير قيمة ما نملك نحن أحفاد أعظم حضارة عرفت الكتابة والتوثيق منذ آلاف السنين؟

لتحقيق هذا الأمر يجب أن ترصد ميزانيات كبري للبحث العلمي في مصر وقد زادت في السنوات الأخيرة، ولكنها تظل ضئيلة بالنسبة لما تنفقه العديد من دول العالم،واليوم  نري أن التقدم العلمي الهائل صار الأمل الكبير لنشر الأرشيفات والتراث علي مستوي واسع، وهناك كود عالمي وطرق مثالية لحفظ الوثائق والتراث الفكري، وفي مصر لدينا العديد من الأبحاث والرسائل العلمية في مجال الأرشفة والترميم والعرض المثالي لهذا التراث.

إن زيادة الميزانية لهذا الأمر صار من أهم المتطلبات لتقدم البحث العلمي لبلدنا ويجب أن نتوسع في إنشاء الجمعيات الأهلية، والمؤسسات الثقافية الخاصة والتي تقوم بحفظ وصيانة تراث وإبداعات المصريين.

نظمت حوالي 50 معرضا في حياتك، أحدثهم معرض تراث توت عنخ آمون الذي نظمه متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية منذ أسابيع، حدثنا عن تلك المعارض، وجولاتك المتنوعة في محافظات مصر المختلفة بها وحول العالم.

وجدت نفسي وأنا لم أبلغ بعد 12 عاما، أمينا لمكتبة كبري لمدارس الفرنسيسكان، وكانت تحتوي علي آلاف الكتب النادرة، فقمت لمدة ست سنوات بتبويبها وتوثيقها وترقيمها حسب الإمكانيات المتاحة وقتها، وكان من ضمن مباني المكتبة معمل للفوتوغرافيا، فبدأت في ممارسة هذا الفن وكنتأقوم بتحميضوطبع الصوربمفردي، وهكذا نشأ لدي عشق للفوتوغرافيا، وتجميع الصور والسلبيات الفوتوغرافيا وحين بدأت بتجميع الصور كان هذا الأمر متاحا وكان جامعو الصور في مصر يعدون علي أصابع اليد الواحدة، ومع مرور الزمن تكدست لدي الصور الفوتوغرافيا، وكنت أقوم بتصنيفها حسب موضوعاتها وبدأت في كتابة مقالات وأبحاث مزينة بهذه الصور، وفي عام 1997 طلب مني المرحوم "اللواء محمد يوسف" رئيس مجلس مدينة الأقصر وقتها بعمل معرض عن توت عنخ آمون بمناسبة مرور 75 عاما علي اكتشاف مقبرته، وتزامن مع هذا الحدث أمر إشرافي علي تحويل بيت كارتر كمتحف، فظللت أبحث في تراثي عن ظروف اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون ووجدت أنني أمتلك مئات الصور النادرةعن هذا الاكتشاف، وإذ يوصف بأنه أكبر كشف آثري في التاريخ، ومع إنشاء مكتبة الأقصر العامة كصرح ثقافي كبير، وكذلك قصر ثقافة الأقصر الجديد، بدأت في عمل العديد من المعارض المحلية.

ونظرا لارتباطي بالمركز الثقافي الإيطالي وببعض المؤسسات الثقافية الأجنبية، أقمت العديد من المعارض خارج مصر، وأذكر علي سبيل المثال معرضا أقمته في مدينة "بولزانو" الإيطالية عن المصور الفوتوغرافي "هنري ليشتر" والذي ولد هناك وعاش في الأقصر منذ عام 1910 حتي وفاته عام ،1940 وفي مدينة "كرارة" أقمت معرضا عن معبد أبو سمبل بمناسبة مرور 50 عاما علي نداء اليونيسكو الشهير لإنقاذ معابد النوبة، وفي بولونيا أقمنا معرضين أولهم عن المصور "أنطونيو بياتو"، والذي يعتبر أول مصور فوتوغرافي افتتح استوديو في صعيد مصر، وآخر عن مصر بعدسات المستشرقين، وقد تشرفت أخيرا بعمل معرص الصورة الحية لتوت عنخ آمون في مكتبة الإسكندرية، ونظرا لأن زوجتي الدكتورة "ميرفت جرجس" قد تخصصت في ترميم الصور الفوتوغرافيا والسلبيات الزجاجية، فإنها تقوم بالجهد الأكبر في تنسيق وعمل هذه المعارض، ولا ننسي المعارض الدائمة التي تزين  جدران وقاعات قصر الثقافة بالأقصر والمكتبة العامة، وذلك بإشراف جمعية المرشدين السياحيين بالأقصر، والتي تحرص دائما علي عمل المعارض والندوات الثقافية بمدينة الأقصر.

 تنادي منذ 1986 بعمل متحف للفوتوغرافيا، ولديك اهتمام كبير بعمل متاحف نوعية مختلفة، كل هذه الأعوام ولم يتحقق الحلم، ما الذي يعوق تنفيذ هذا المشروع الهام، رغم أن دولا صغيرة ولا تمتلك نفس تراثنا تعرف أهمية ذلك ولديها بالفعل متاحف فوتوغرافيا؟

كان لأديبنا الكبير جمال الغيطاني فضلا كبيرا في كتابتي عن أمر إنشاء متحف مصري للفوتوغرافيا وكنت أشعر بكثير من الخجل حين كنت أزور متاحف الفوتوغرافيا المنتشرة في أوروبا، بل وفى بعض البلدان العربية والأسيوية، والتي لم تترك بصمة واضحة في تاريخ الفوتوغرافيا كبصمة مصر التي عرفت هذا الفن عام 1839 قبل أن تعرفه أميركا.

لقد كتبت كثيرا عن أهميةإنشاء هذا المتحف، وحينما تولي اللواء سمير فرج، رئاسة مدينة الأقصر دعمني كمحافظ مثقف في هذا الأمر، بل وبمجهوداته الحثيثة استصدر قرارا من رئاسة الوزراء لإنشاء أول متحف للفوتوغرافيا في مصر في مدينة الأقصر، وكانت إيطاليا تدعم هذا الأمر بمشاركة محافظة الأقصر، وكان من المفترض أن يضع حجر الأثاث الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ورئيس وزراء إيطاليا، سيلفيو بيرليسكوني، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم وأد هذا المشروع بسبب الأحداث السياسية المتتالية وقتها، ولكني أري أخيرا بادرة أمل تلوح في الأفق، وأعتقد أنه خلال سنوات قليلة سيكون لمصر متحفها الفوتوغرافي.

اسمح لي في هذا السؤال المركب، أولا: كيف نرد على من يشككون بأصول المصريين المعاصرين ونفي أصلهم المصري؟

ثانيا: هناك كثير من الإدعاءات بنسب الحضارة المصرية إلى آخرين، وأن لديهم اكتشافات حديثة تعود لزمن ما قبل الفراعنة، وكذلك إدعاءات الأفروسنتريك أنهم أصل الحضارة المصري،.  كيف نرد كذلك عليهم؟

هذا أمر لا يجب أن يشغلنا كثيرا لأن العلم الحقيقي والحقائق التاريخية لايمكن تزيفها إلا عن طريق بعض الهواة، سترين أن أصحاب هذه الإدعاءات لا يجرؤون علي نشرها في محافل علمية، هي ادعاءات تمضي كالبخاروالدخان، وعموما فإن أي علم جاد يوازيه ما ندعوه باللاعلم أو الخرافة أو كما نقول بالعامية "الهبد"، وأنا أذكر منذ  سنوات أنني كنت أصطحب رئيس ساحل العاج جباجبو في زيارة لآثار الأقصر، وظلت ابنته تكرر علي مسامعي أن الحضارة المصرية ولدت في ساحل العاج، فقلت لها: ما هو دليلك؟ فأشاحت بيدها! ولم تعد تتابع شرحي، فضحك والدها، وهو بالمناسبة كان أستاذا للتاريخ في جامعة السوربون، وقال لي: لدينا حركات كثيرة وجهات غير علمية تردد كالببغاوات هذه الإدعاءات فلا  تبالي بما تقوله ابنتي، فإنها ليس لديها الصبر لقراءة الكتب العلمية الرصينة،  وهذا أمر ليس بوليد أيامنا هذه فقد ذكر أفلاطونأن قارة "أطلانطا" المختفية هي أصل حضارتنا، ونظرا لتفرد وعظمة الحضارة المصرية فإن الكثيرين يتساءلون عن مصدرها، وكأنها نشأت في بلد غير مصر،أكرر بأن هذه الإدعاءات غير علمية بالمرة وأذكر قول حاكم جبيل  لوين آمون حوالي عام 1000 قبل الميلاد الذي قال:"إن الله حين خلق العالم خلق مصر أولا،  وبأن الحضارة جاءت من مصر لتبلغ بعدها بلادي".

كثير من الكلمات المصرية القديمة بل والحركات أيضا ما زالت متداولة في عصرنا الحالي ما أشهر تلك الأمثلة على ذلك.

نعم وكما يقول باحث جاد في هذا الأمر وهو سامح مقار أن "جيناتهم في دمائنا"، لقد بقيت آثار حضارة مصر القديمة في عاداتنا، وتقاليدنا، وملبسنا، وكلامنا،ولقد اعتبر المصري القديم مصر صورة للجنة، واعتبر مصر صورة للعالم الجميل، ومازلنا نستخدم لفظ مصر "أم الدنيا"، أما إذا انتقلنا للتعبيرات الشائعة والأمثال الباقية في لغتنا فأنتي تقولين "نزل عليها حتتك بتتك" أي أكل الجلد والعظم، وتكرم الزوجة بأن تقولي عليها "مراتي" أي حبيبتي، وتذكرين الرجل باسم "سي" والسيدة باسم "ست"، والطفل باسم "نونو"، فهي ألفاظ مصرية قديمة، وتغنين في رمضان "وحوي يا وحوي إيوحا"، وهي أغنية مصرية قديمة، وتقولين "سكسك" أي رجع للخلف، و"سكة" أي طريق، و"بح" أي اختفي.

بل والمدهش أن أغلب أسماء المدن والقري المصرية هي أسماء مصرية قديمة  ف "دمنهور" تعني مدينة حورس، و"قنا" تعني الحضن، وبالفعل فإن النيل في هذه المحافظة يحتضن المدينة، و"أسوان" تعني السوق، حيث كانت مقرا لتبادل السلع بين المصريين والأفارقة، وهكذا مدن أسيوط وإسنا والمنيا والفيوم وغيرها.