في انتظار الأسد سنوات سبع أخرى من العدم

بشار الأسد وهو طبيب عيون أعمته فكرة أن يكون رئيسا بعد أن كان ابن رئيس.
في العشرية الثانية من رئاسته، تأكد بشار الأسد أن سوريا التي ورثها أصبحت بلادا أخرى
أين تقع سوريا، في مخيمات اللجوء أم في معسكرات النازحين أم وسط الملايين الهاربة إلى البحر
انتهت الحرب ولم يخرج الأسد منها منتصرا. بلاده مقسمة ومحتلة وشعبه مشرد وجائع

سوريا ليست في وضع يؤهلها لانتخاب رئيس. وليس من باب التكهن أن الانتخابات إذا ما جرت ستثبت بشار الأسد رئيسا لولاية رابعة بمعنى اضافة سبع سنوات أخرى إلى عمره الرئاسي. ولكنها لن تكون سنوات سعيدة بالنسبة للأسد شخصيا إذا ما قفزنا على أحوال الشعب السوري الذي لن يكون معنيا بالرئيس لا من جهة شخصه ولا من جهة برنامجه السياسي.

ولكن هل كانت السنوات العشرون السابقة التي قضاها الأسد رئيسا سعيدة بالنسبة له؟ المسألة شخصية إلى حد كبير وهي رمزية أيضا. لقد توفي والده رئيسا فهل قُرر له أن يفعل الشيء نفسه؟ ثم أن هناك لعنة مرتبطة ببيت الأسد، يشترك أفراد الأسرة مع الشعب السوري في دفع تكاليفها الباهظة بأسلوبين. يواجه الأسد قدره رئيسا مكروها بالرغم من أن عبارة "منحبك" هي العبارة الأكثر استعمالا في الحياة اليومية اما الشعب فإنه لا يرى نهاية لزمن نحسه في ظل وراثة لم يخترها الوارث بل يمكن القول إنها فرضت عليه في واحدة من أكثر لحظات التاريخ السوري غباء وبلاهة.

هل أوصى الأسد الأب بإبنه بشار رئيسا ليظل الشعار مرفوعا "سوريا الأسد إلى الأبد" خوفا من أن تنسى الأجيال القادمة تاريخ الأسى والضنى والابتذال السياسي الذي كرس بقاء حزب تحت مظلة واهية اسمها الرئيس؟

في العشرية الثانية من رئاسته تأكد لبشار أن سوريا التي ورثها قد أصبحت بلادا أخرى حتى بالنسبة له. ليس لأنه فقد "الشعب العظيم" الذي يوجه إليه خطاباته بل لإنه لم يعد قادرا على التجول في البلد الذي كان اسمه سوريا بعد الجلاء الفرنسي وقبله وهو مركز بلاد الشام القديمة. لا المدن على حالها ولا الشعب في مكانه بالرغم من أن عبارة "منحبك" لا تزال مكتوبة على الخرائب من غير أن يقرأها الأطفال كل صباح كما لو أنها الدرس الأول في الابجدية.

بشار الأسد وهو طبيب عيون أعمته فكرة أن يكون رئيسا بعد أن كان ابن رئيس. يلعب الحظ لعبته حين ينتقل بخفة ما بين التفاؤل وبين التشاؤم ليسمح للقدر بأن يقرأ فنجانه. مشكلة الأسد تكمن في أنه تماهى مع قدره حسنا وسيئا. أعجبته فكرة أن يكون رئيسا فتخيل أنه وُلد رئيسا. أما أن تذهب سوريا وشعبها إلى مكان ويبقى هو سجين قصر الرئاسة فإن ذلك لم يرد في باله بسبب كسله بعد أن صارت الرئاسة بالنسبة له حقا لا يمكن نقضه.

بطريقة أو بأخرى فإن الأسد كان ضحية مزدوجة. ضحية أبيه الميت وحزب البعث الحاكم عن طريق وفائه للأب. فالأب الذي فقد في حياته ابنه البكر باسل وقد كان وارثه القى بالحمل على بشار ليقود دولة أمنية لا تتعامل مع شعبها إلا عن طريق الملفات اما الحزب فإنه بعد أن امتلأ بالوصوليين والانتهازيين وتجار المناقصات وباعة المناصب صار مجرد واجهة يغطي بالنظريات الفائضة على فساده الذي لم يعد إخفاؤه ضروريا. ومثلما ظُلمت سوريا الكريمة والسمحاء والمنفتحة ظُلم رئيسها حين أصبح خادما لشعار "إلى الأبد".

هل يعجب بشار الأسد أن يبقى رئيسا إلى الأبد في سوريا لم تعد سوريا؟ بصراحة لا أحد يعرف أين تقع سوريا. هل هي في مخيمات اللجوء أم في معسكرات النازحين أم وسط الملايين التي فرت إلى البحر. غرق بعضها ونجح البعض الآخر في الوصول إلى بلدان اللجوء أم في المدن التي أكل ترابها معمارها أم في طوابير الجائعين التي قرر المجتمع الدولي أن تزداد طولا؟

عشر سنوات كان فيها بشار الأسد مجرد كذبة اتخذ منها المجتمع الدولي ذريعة لتدمير سوريا. هل من المعقول أنه لم يتوصل إلى تلك الفكرة اليسيرة على الفهم؟ من المؤكد أن الأسد أخطأ في فهم مكانة سوريا على المستوى العربي غير أنه بالدرجة الأساس أخطأ في فهم قيمة شعبه. كانت القطيعة على قدر عظيم من الجنون. في العشرية الأولى من حكمه كان كل شيء يجري لصالحه أملا في التغيير. ولكن الوعود كلها تبخرت وتبخرت معها الآمال وانتهت الصورة برئيس ضعيف وأجهزة أمنية متوحشة. فهل كان بشار الأسد صناعة حزبية؟     

يحتاج الأسد اليوم أن يستريح ليريح. رئاسة رابعة لا معنى لها. انتهت الحرب ولم يخرج منها منتصرا. بلاده مقسمة ومحتلة وشعبه موزع بين لاجئ ونازح ومهجر وجائع. سوريا التي يطمح إلى حكمها سبع سنوات أخرى هي دولة افتراضية. لقد تآمر العالم كله على تدميرها وصار شعبها يتباهى في استعراض مطبخه النباتي الفريد من نوعه بحيث صارت المأساة السورية مناسبة لكي يتعرف العالم على الطعام السوري.

سيدي الرئيس لا ينفعك أن تعيش سنوات سبع أخرى من العدم.