في وداع حميد صابر الموسوي.. أحد أعلام العراق
من جديد تتواصل متوالية الخسارات لكبار مبدعي العراق مع رحيل البروفيسور الفنان والمخرج والكاتب والمربي والأكاديمي الأصيل حميد صابر الموسوي الذي غادرنا يوم الأحد السادس من أبريل/نيسان الجاري عن عمر قارب السبعين عاماً، لتفقد حركة الثقافة والفنون في العراق والوطن العربي أحد أبرز رموزها، الذي كرس حياته ومسيرته الجمالية في فضاءات المسرح منذ سنوات صباه متأثراً بعمالقة المسرح فناناً وكاتباً ومخرجاً مبدعاً وأكاديمياً وتربوياً أصيلاً ومعلماً فذاً.
تتلمذت على يديه أجيال من الفنانين بمختلف التخصصات وأشرف على العديد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه في عدد من كليات الفنون الجميلة، وقدم العشرات من الأعمال المسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وحصد، قبل الجوائز والتكريمات وشهادات التقدير العديدة والمتنوعة في مختلف المجالات الإبداعية ومنها المهرجانات ولجان التحكيم، فضلاً عن الدرس الأكاديمي، حب وتقدير وثناء كل من عرفهم وعرفوا فيه حسن المعشر ودماثة الخلق وتواضع الكبار، ومنهم أنا، الذي لمست فيه كل هذه المزايا الإنسانية والاجتماعية والعلمية والمهنية ونظرته الثاقبة للأمور.
انطلاقاً من مسقط رأسه في البصرة الفيحاء ثغر العراق الباسم إلى قلبه النابض العاصمة بغداد مروراً بمحافظات العراق ليمتد إلى خارج الوطن وتحديداً في سوريا ولبنان، وقدم العشرات من الأعمال المسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً.
البروفيسور حميد صابر الموسوي كانت حصيلته الأكاديمية بكالوريوس فنون مسرحية من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1980، ليعقبها بماجستير فنون مسرحية من الكلية ذاتها عام 1991، ومن ثم دكتوراه فلسفة فنون مسرحية عن أطروحته الموسومة "ماهية الصورة في العرض المسرحي" عام 1998، ومارس التدريس في معهد الفنون الجميلة بالبصرة في الإخراج وفن التمثيل، وبعد ذلك قام بالتدريس في كلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة ودرس فنون المسرح المختلفة بالإضافة إلى فلسفة علم الجمال، وتاريخ المسرح العربي، ومن ثم قام بالتدريس في الجامعات السورية وأسس ورشةَ مسرحية في بيروت ودمشق وشارك بمهرجانات عربية ومحلية، كما قام بالتدريس في كلية الفنون الجميلة بجامعة واسط لمرحلتي البكالوريوس والماجستير، وحصل فيها على لقب التدريسي المتميز عام 2018. وأخرج لقسم الفنون المسرحية في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد وضمن مهرجان "حريات" مسرحية "أسد بغداد" التي تناولت سردية السجن وأفق الحرية في علاقة تفاعلية ما بين القيود والحرية لدى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
في بداية مسيرته المسرحية أسس "فرقة مسرح الساعة" في البصرة التي كانت تضم مجموعة من هواة المسرح ومن خلالها قدم: "هاملت يستيقظ متأخراً، والمهرج، وباب الفتوح، وماذا في الصحيفة اليومية؟"، وأخرج لفرقة البصرة للتمثيل: "احتفالية للوطن والناس" تأليف الشاعر شاكر العطار، ولكلية الفنون الجميلة قدم أعمالاً مسرحية حظيت، مثل بقية أعماله، باهتمام نقدي بارز وجوائز وشهادات تقديرية ومنها: "قيدار" تأليف الشاعر عبدالكريم العامري، "ملابس العيد" للشاعر الكبير كاظم الحجاج والتي حصلت على جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان المونودراما في بغداد عام 1997، "كاروك" للشاعر المبدع عبدالكريم العامري وحصلت على جائزة الإبداع الكبرى في مهرجان المسرح العراقي الخامس، وأخرج مسرحية "الحر الرياحي" التي قدمت في مسارح دمشق وبيروت واشترك بأعمال تلفزيونية عدة وألف مسلسلي "العقاب"، و"ظل الحكايا"، وشارك ممثلاً بعدد من المسلسلات العربية والعراقية، في عدد من الأعمال المسرحية مع المخرجين الكبار: سامي عبدالحميد، صلاح القصب، عوني كرومي، فاضل خليل.
وفوق هذا وذاك لديه دراسات وبحوث في فلسفة المسرح وجمالياته وأخرى نشرها في الصحف والمجلات العربية والعراقية، وأشرف على عدد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، وكتب عن أعماله عدد من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه، بالإضافة إلى دارسات نقدية عن أعماله المسرحية وأسلوبه الإخراجي، وأصدر مؤلفات مسرحية من بينها: "الجمهور بين المواجهة والمجابهة"، و"الرؤى الإخراجية بين الشكل والمضمون"، وشارك في لجان تحكيم عدة: رئيساً للجنة تحكيم مهرجان المسرح الجامعي الدولي في تونس الدورة 18 عام 2019، وعضواً في لجان تحكيم عدد من المهرجانات المسرحية العراقية وآخرها مهرجان الفلوجة المسرحي الأول عام 2019، كما اختير رئيس لجنة تحكيم مهرجان القمرة السينمائي في البصرة 2019.
خسارتنا والمسرح ومحرابه المقدس فادحة، برحيل هذا الرمز الثقافي والجمالي لنفقد واحداً من أعلامه الذين حفروا على جنباته نجاحات وعطاءات مفعمة بالإبداع الأصيل دون جعجعات أو ادعاءات فارغة لم ولن تنسى أبداً.. لأنه كان يعد "المسرح رسالة تجمع بين الفكر والجمال وله سحره وهو منذ نشأته يمارس دوراً تربوياً أخلاقياً يسعى للتنوير والتحريض والتثوير وفق صيغه الجمالية الدلالية وبأساليب واتجاهات مختلفة أساسها وجوهرها العلاقة مع المتلقي لكشف وتعرية واقعه واتخاذ موقف إزاء هذا الواقع..".