في وضاعة الاحتلال الداخلي وانحطاطه
ما الذي يعنيه أن تهيمن ميليشيا مسلحة تابعة لدولة أجنبية على مقدرات بلد وناسه فتنسف أسباب حياتهم بعد أن تستولي على ثروتهم وتدمر صلاتهم بالآخرين قبل أن تعزلهم عن العالم؟
لا عدالة في البلد إذا ما تعارضت مع مصلحتها وليس للبلد أن يعيش آمنا إذا ما قرر مواطنوه أن يمشوا في طريق غير ذلك الذي رصفته بأحجارها. وما من أحد يمكن أن يفلت من رصاصها إذا ما وقف على الرصيف المقابل لرصيفها.
ذلك وصف أقل من الواقع لما انتهت إليه أحوال لبنان وقد خيم عليه كابوس حزب الله الخائف من فتح ملف انفجار بيروت وأحوال العراق وقد قرر الحشد الشعبي أن يجبر الشعب على دفع تكلفة الحرب على داعش مرتين.
قبل أن ينزلق البلدان إلى هاوية لا قرار لها كان هناك من أفراد الشعب أو من النخب الثقافية مَن اعتقد أن استرضاء الوحش سيدفعه إلى السكينة ويقلل من عدوانيته ويقنعه بحدود ما حصل عليه.
لسنوات طويلة أحيط حزب الله بهالة المقاومة التي وهبته مكانة خاصة في المخيلة اللبنانية حتى صار نصرالله، وهو جندي إيراني صغير، سيد المقاومة الذي يخاطب الآخرين من وراء شاشات.
وفي العراق الصقت صفة القداسة بالحشد الشعبي الذي هو مجموعة من العصابات الطائفية التي لعب بعضها دورا قذرا في الحرب الاهلية بين عامي 2006 و2007 كما أنها بعد القضاء على داعش سطت على المدن المحررة ومارست شتى صنوف القتل في حق سكانها.
وبالرغم من كل محاولات الاسترضاء المذل لم تكتف العصابتان الإيرانيتان بما لديهما، بل تقدمتا لوضع الايدي على الدولة. وهكذا سقط لبنان تحت احتلال حزب الله فيما كان العراق في طريقه إلى السقوط كليا تحت احتلال الحشد الشعبي.
ولست هنا في صدد العودة إلى المنطق الوطني الذي لا يسمح للحثالة في أن تستولي على القرار السياسي والمال العام ومصائر الناس لا لشيء إلا لأنها تملك السلاح وتستقوي به. لكنها محاولة لوضع تصور عن الاحتلال الداخلي الذي يمكن أن يكون أشد خطورة من الاحتلال الخارجي لما ينطوي عليه من الغام اجتماعية هي بمثابة تمهيد لحرب أهلية لا تنتهي.
كانت فقرة الحرب الأهلية جزءا عضويا من خطاب حزب الله بالرغم من أنه حصل على مقاعد الأغلبية في مجلس النواب عن طريق الاقتراع الديمقراطي النزيه. وهو ما كان يستغربه الكثيرون.
لا بأس. يمكننا أن نجد الجواب لدى الحشد الشعبي في العراق.
حين تعرض هادي العامري وقيس الخزاعي وفالح الفياض وهم يحملون مشاعر كارهة للعراق أسوأ من تلك المشاعر التي كان يحملها هولاكو، للهزيمة في الانتخابات أعلنوا أن الديمقراطية التي لم تقف معهم كانت مزورة وأنهم سيعلنون النفير العام حتى تغير الديمقراطية قراراتها. وإلا فإن الحرب الأهلية ستكون هي الحل لإبقاء السلطة بين أيديهم.
لدى المحتل الداخلي أن لا مناص من الحرب الأهلية. كل الطرق تؤدي إليها. وهو ما يخشى وقوعه البشر المسالمون وهم الأغلبية التي لا تملك سوى سلاح ايمانها بوطنها وثقتها بالمبادئ الإنسانية.
وهكذا يكون حزب الله قوة احتلال. إذا أضفنا "بالوكالة" فإن الأمور ستكون أسوأ. أي أن تلك العصابة الطائفية تحكم لبنان من أجل أن يتحول إلى حقل تجارب إيراني. ما هي صفة المواطنين اللبنانيين في ذلك الحقل؟
ذلك ما يصح قوله على الشعب العراقي وعلاقته بالحشد الشعبي.
يمر البلدان والشعبان بأسوأ مرحلة في تاريخهما المعاصر.
لم يكن الاستعمار الفرنسي سيئا بالنسبة للبنانيين إلى هذه الدرجة. ابدو كمَن يدافع عن الاستعمار. ذلك ليس صحيحا. كما أن العراقيين كان لهم شرف مقاومة الاحتلال الأميركي بعد عام 2003 وكانوا قد قاوموا الاحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي.
اما الاحتلال الإيراني فهو أشبه بالزلزال الذي لا يهبط من السماء، بل تفصح عنه الأرض. الكارثة التي يمثلها احتلال حزب الله للبنان والحشد الشعبي للعراق لا مثيل لها في التاريخ السياسي المعاصر.
فحزب الله أمسك بالسلطة في لبنان وصار على العالم أن يتفاوض مع إيران من أجل أن لا يجوع الشعب اللبناني اما الحشد الشعبي فإنه ينتظر الانقضاض على منطقة الحكم في بغداد إذا ما نُفذت إرادة الشعب بعزله وحرمانه من مكتسباته المليارية. وإذا كانت إيران لم تقل كلمتها النهائية فلأنها تراهن على أن الشعب سيتخلى عن حقه في النهاية في مقابل الضغوط الدينية.
أزمة الاحتلال الداخلي هي الأشد وضاعة وانحطاطا.