قضايا قصص الأطفال في 'بيت زيزو'

الكاتبة صابرين عاشور تطرح قضايا اللغة المنطوقة على لسان الحيوان والأهداف التربوية الكامنة في روح العمل الأدبي لكن اعتمادها على اللهجة العامية حصر عملها في حدود النطاق المحلي المصري.
الكاتبة نجحت في توظيف تراث استخدام الحيوانات والطيور كرموز محببة للطفل

تثير المتوالية القصصية أو الرواية القصيرة "بيت زيزو" المكتوبة للأطفال بقلم الكاتبة صابرين عاشور عددًا من القضايا المتعلقة بأدب الأطفال، منها: قضية اللغة المكتوبة بها الرواية، وقضية اللغة المنطوقة على لسان الحيوان، والأهداف التربوية الكامنة في روح العمل الأدبي، وغيرها من القضايا.
أما عن اللغة المكتوبة بها هذه الرواية التي نحن بصددها، فقد جاءت بالعامية المصرية البحتة، بل بالعامية على لسان شريحة معينة أو فئة معينة من فئات المجتمع، وهي فئة الشباب، وليست عامية الشباب فحسب، ولكن عامية الشارع المصري الآن، وهذا سلاح ذو حدين، فمن ناحية أن لغة الشارع ليست لغة أدبية على الإطلاق، وإنما هي مجموعة من الكلمات العامية المتداولة على لسان شباب مرحلة معينة، فلا يستطيع رجل تخطى سن الشباب أن يقول على سبيل المثال: "فص ملحون وداااابون" وتعني "فص ملح وداب". ومثل "نيتك شبه وشك ملخبطة"، و"أنا مش فاهم أيوتها حاجة".
 وتذكرنا الكاتبة هنا بتلك العبارة التي كانت ترد على لسان الممثل محمد رضا عندما كان يقوم بدور المِعلم الجاهل أو غير المتعلم.
ومن ناحية أخرى فإن تلك اللغة تؤرخ لكلمات معينة تسللت إلى حياتنا وتم تداولها، واستطاع الأدب أن يستوعبها في عباءته، مثلما استخدم بيرم التونسي في بعض أزجاله بعض الكلمات العامية التي كانت منتشرة في عصره، وأصبحت الآن من تراث الماضي، وقد يصعب فك شفراتها لأن ليس لها قاموس لغوي.
وبناء عليه كان من الأفضل ألا تلجأ الكاتبة لاستخدام مثل هذه التعبيرات التي سيأتي وقت ولا يتم فيه تداولها، وسيكون من الصعب معرفة معانيها، على نقيض اللغة الفصحى التي لها قواميس ومعاجم، إذا استشكل أمر كلمة علينا فإننا نعود إلى تلك القواميس والمعاجم، مع أن بعض الكلمات قد يختلف مدلولها ومعناها من عصر إلى عصر، ولكن جذر الكلمة يظل ثابتا.
ولعلي أستطيع أن أشير إلى أن اللهجة العامية لا تستطيع أن تعبُرَ الحدود العربية، مثل لغتنا الفصحى الأم المتداولة بين العرب جميعا، لذا سيظل هذا العمل حبيسًا داخل حدود مصر إلا قليلا، وهذا القليل يحتكم إلى أن العامية المصرية منتشرة ومفهومة في البلاد العربية، بسبب انتشار الأفلام والمسلسلات والأغاني المصرية، ولكن إذا كتب الأدباء أعمالهم بعاميات أخرى مثل النوبية أو التونسية أو المغربية أو الأمازيغية أو حتى اللبنانية أو السعودية، فبالتأكيد لن تُفهم في البلاد العربية الأخرى. 
وهذه قضية مهمة لأننا نريد أن نُنشّيءَ أطفالنا على حب اللغة العربية وفهمها واستيعابها، فلا ينقطعون عن تراثهم الأدبي وميراثهم الديني.
أما قضية اللغة المنطوقة على لسان الحيوان، فهي قضية أخرى بُحثت كثيرا، ووجدنا من يؤيدها ووجدنا من يعارضها، على أساس قضيتي الصدق والكذب، فالطفل يعرف أن الحيوان لا ينطق، فهل إذا أنطقناه عُدَّ هذا كذبا، أم أن الطفل يحب ذلك ويستمتع به؟
يرى الباحث السوري محمد علي حمد الله في كتابه "الأسلوب التعليمي والتهذيبي في كليلة ودمنة" أن الطفل قادر على الإصغاء والاستمتاع لمحدثه، ويفهم تماما أن الحيوان لا ينطق، فالهرة التي في منزله، والعصفور أو الحمامة أو الغراب والنملة والنحلة والفراشة والذبابة ـ ولاشك أنه يعرفها جميعا ـ والكلب والجمل والحصان ـ وهو يراها في الطريق، أو كلما أطل من النافذة ـ والبقرة والخروف والديك والأرنب والفأر والصرصور، كل ذلك يراه الطفل وهو يدرك أنها حيوانات عجماء لا تنطق.
 إذن فلا رواسب هنا، ولا محظور من إنطاقها على مسمعه إن هي لم تؤذ الإنسان ـ أو الإنسان الصالح على الأقل ـ من خلال القصة، بل ربما كان ذلك بداية صداقة وألفة بينه وبينها إذا هي أعطيت من القصة أدوارًا تحببها إليه.
وقد نجحت الكاتبة صابرين عاشور في روايتها القصيرة المليئة بالحيوانات والطيور من أمثال: الأرنب، والحمار، والقط، والبطة، والسلحفاة، والفأر، والبقرة، والكلب، والحمامة والفيل، نجحت في أن تجعل منهم عائلة واحدة تتشاجر (فلا يخلو بيت من شجار الأخوة) في مزرعة كبيرة خالية من الحياة، فالشجر يخلو من أوراقه، والورود شاحبة وكأن ألوانها خُطفت منها، الأرض خالية من اللون الأخضر، العصافير سكتت عن تغريدها، خرير الماء خمد، فقد جفت البحيرة التي كانت تنتصف الحديقة" على حد تعبير الكاتبة ووصفها، بلغة عربية فصيحة سهلة مبينة، وليتها استمرت على هذا المنوال في حوارها على لسان الحيوان.
ولي ملاحظة على وجود الحمار المخطط ضمن تلك المجموعة، فالحمار المخطط، هو حمار وحشي، وليس حمارًا مُستأنسًا مثل بقية الحمير، لذا لا نراه إلا في حديقة الحيوان فقط.
وتعالج القصص هذا الشجار الدائم بين هذه المجموعة من الحيوانات والطيور، والذي يهدف إلى إبراز شخصية كل حيوان عندما انتقلوا للعيش في المنزل الواحد، ومن خلاله نتعرف على قدراتهم ومناوراتهم ألا يعملوا، ولكن من خلال فيلو الحكيم، نرى أن هذه المجموعة بدأت تعمل لتعيش، كل في مجاله، وبدأت تستوعب الدرس التربوي والجمالي، وعدم الاتكال على الآخرين.
 وبدأنا نكتشف مهارات وقدرات كامنة فيمن يعمل، عندما يعمل، ومن ثم تبتسم الحياة لهم، ويتجاوزون المحنة، وينجحون في الامتحان الذي وضعهم فيه الجد زيزو الذي أراد الاختفاء بإرداته، ليعتمد كل حيوان على نفسه بعد الحال الذي وصلت إليه المزرعة والبيت، قائلا: "العند وصلنا أن المزرعة دبلت، وحبيت أحسسكم إنكم خسرتوها وخسرتوا كل حاجة، عشان تتربوا وتتعلموا، وكل واحد فيكم يعتمد على نفسه".
لقد اتفق الجد زيزو قبل اختفائه مع فيلو على سيناريو معين، لإعادة تربية المجموعة، والاستفادة من أخطائها، بإصلاحها من تلقاء أنفسهم، وبالفعل تعلمت المجموعة الدرس وشكرت العم فيلو على وقفته بجانبهم، فودعوا الكسل والخناق والشجار فعادت المزرعة (رمز الوطن) إلى سابق ازدهارها وجمالها وخضرتها.
ونحن إذا تتبعنا الحديث الرمزي على ألسنة الطيور والحيوانات سنجد أن الهنود والفرس والبابليين والفراعنة واليونان والعرب في جاهليتهم، أنطقوا ما لا ينطق بالفطرة، فحدّثوا الأشياء، وكلموا العجماء ووضعوا القصص والخرافات، ولفقوا الأساطير والحكايات، ونحتوا الآلهة من الحجارة وجعلوا هذا في صورة طير، وهذا في صورة وحش أو تنين، وأنطقوها جميعا بأحسن الحكم وأكرم المواعظ.
ففي قصص الجاهلية ـ على سبيل المثال تكلمت الجن والسعالي والغيلان، وفي الحكايات الفارسية يوجد قصص وخرافات على لسان القرد تارة، وعلى لسان القط والفأر تارة أخرى، كما نطقت الثعابين وتحدثت الغربان والقبرة وغيرها.
وفي القرآن الكريم نجد الملائكة والجن والشياطين ينطقون، ونسمع للرعد صوتا، ونعرف أن للسماء تسبيحا، والجلود تتكلم فضلا عن النملة والهدهد وغيرهما.
كما أنطق الشعراء في شعرهم الجماد والنبات والحيوان، ويبدو أن كتاب كليلة ودمنة ليس أول كتاب خاص بأقاصيص الحيوان، إذ أن صاحب الفهرست (ابن النديم) يذكر أن الفُرس الأوَل أول من صنف الخرافات وجعلوا لها كتبا وأودعوها الخزائن، ومن بين هذه الكتب كتاب باسم "الدب والثعلب". 
ويبدو أن كتاب  "كليلة ودمنة" هو أول كتاب من نوعه يدخل المكتبة العربية، لذا فقد شاع وراج ولقي من الأدباء عناية خاصة. 
وفي الأدب العالمي قرأنا حكايات أيسوب اليوناني، وخرافات لافونتين الفرنسي، وقصص هانز كريستيان أندرسون الدنماركي الذي أختير يوم ميلاده – 2 أبريل من كل عام - ليكون يومًا عالميًا لكتب الأطفال.
إذن لدينا تراث هائل من استخدام الحيوان والطير كرموز أو أقنعة محببة للطفل، يستطيع أن يقول من خلالها الكاتب ما يود أن يوجهه للقارئ الطفل، وهو ما فعلته بنجاح الكاتبة صابرين عاشور التي اقترح عليها أن تقوم بإعادة كتابة قصصها أو روايتها القصيرة باللغة الفصحى المبسطة لتدخل كل بيت عربي من الماء إلى الماء.