قضايا مصرية معاصرة بعقلية شخص بسيط في 'سلاطين الغلابة'

موضوعات كتاب الأكاديمي المصري المعاصر دكتور صلاح هاشم عبارة عن صورٍ من حياةِ بعض الأشخاص أو لوحات حكمية مترابطة تناقش كل منها إحدى القضايا المصرية المعاصرة بعقلية شخص لا شيء يميزه عن عالمنا سوى حكمته البالغة.

القاهرة - صدر حديثا عن هيئة قصور الثقافة، كتاب "سلاطين الغلابة" للكاتب والأكاديمي المصري المعاصر دكتور صلاح هاشم، والذي يعمل أستاذاً للتنمية والتخطيط بجامعة الفيوم، وله تجارب تنموية عديدة في مصر وكثير من دول العالم.
وسلط هاشم، الضوء على بعض من النماذج الإنسانية الرائعة، التي تحدت بعزيمتها القوية والانتماء كل أشكال الفقر والجهل والمرض. كما تخطت بسيرتها الإنسانية العاطرة أسوار الموت العالية، ونماذج إنسانية فريدة لم تأتِ صُدفة، أشار إلى أن تلك النماذج جاءت من نتاجات تلك الأرض الطيبة التي تنبت ويثمر نبتها حتى في أحلك الظروف.

لقد حاول هاشم في هذا الكتاب أن يناقش كثيراً من القضايا المصرية المعاصرة بعقولِ وحكمةِ شخوصٍ عاشوا في مرحلةٍ تاريخيةٍ استثنائيةٍ في تاريخ هذا الوطن العزيز، للتأكيد على أن مشاكلنا قديمة وتقليدية، ولا تحتاج إلى حلول لوغاريتمية لحلها.. بقدر حاجتها إلى بعضٍ من الحكمةٍ وقدرٍ من الوعى والإنتماء.

وتأتي موضوعات كتاب سلاطين الغلابة، عبارة عن صورٍ من حياةِ بعض الأشخاص، أو لوحات حكمية مترابطة.. تناقش كل لوحة إحدى القضايا المصرية المعاصرة، بعقلية شخص بسيط، لا شيء يميزه عن عالمنا سوى حكمته البالغة.. التي استقاها من تجربته الإنسانية الأليمة وعشقه الدفين للنيل والوطن.
ويتعجّب الكاتب من طريقة تعامل السياسيين مع القضية المصيرية المهمة "كأن انحسار مياه النهر مجرد مشكلة كغيرها من آلاف المشكلات اليومية التي يعيشها المصريون"ويؤكد صلاح هاشم إلى أن السياسيين "حين يعجزون عن مواجهتها (للمشكلة) يتعايشون معها أو يتعاملون معها باعتبارها إحدى قضايا الأمن القومي التي تحتاج إلى حبال سياسية طويلة".
ويسلط كتابه قراءة تاريخية ونماذج إنسانية تحدّت بعزيمتها القوية والانتماء كل أشكال الفقر والجهل والمرض. وناقش كذلك الكثير من القضايا المصرية المعاصرة بعقول وحكمة شخوص عاشوا في مرحلة استثنائية في تاريخ مصر ليؤكد أن "مشاكلنا قديمة وتقليدية ولا تحتاج إلى لوغاريتمية لحلها بقدر حاجتها إلى البعض من الحكمة وقدر من الوعي والانتماء".

ويؤكد الباحث صلاح هاشم وهو أستاذ للتنمية والتخطيط في جامعة الفيوم "إذا كان هناك من يرى أن الكثير مما أصاب المصريين من التفرقة والصراع والضعف والهزيمة، كان بسبب 'عبادة النهر' أو 'عبادة السلطة'، فإن الواقع يشير إلى أن صبرهم على الفقر والجوع أكبر بكثير من الصبر على المساس بالكرامة أو تعرضهم للظلم والهوان".

ويستطرد "ربما يقبل المثقفون أحيانا مبررات السلطة لفقر الشعب أو إفقاره وسوء أحواله الاقتصادية، ككثرة السكان أو قلة الموارد وتأخر البحث العلمي، لكنهم قد لا يجدون مبررا أبدا لقهر الشعب أو تهميشه"، ويشير أن النجاحات التي حققتها القيادة السياسية المعاصرة في الدفاع عن وجود الدولة المصرية وإسقاط الفاشية الدينية، ومحاولتها المستميتة استعادة مصر لدورها إقليميا ودوليا، لن تشفع لها تاريخيا “إذا تمكنت إثيوبيا من بناء سد النهضة".
ويوضح أن "الحفاظ على النهر من الضياع هو القضية الوحيدة التي لا يهم الشعب معرفة كواليسها، بقدر ما يعنيه استمرار النيل في الجريان، ليحكي للأجيال القادمة كيف بنى المصريون القدامى حضارتهم وكيف حافظ المعاصرون عليها من الضياع"، ويستعرض المفكر والباحث السياسي صلاح هاشم حكايات تاريخية في كتابه الجديد وعلاقة نهر النيل بالفلاح المصري. ويقول "إن حياة المدينة لم تستطع أن تنسيه علاقته بالنهر، ولا حالة البؤس التي يعيشها الفلاحون في القرى"، وأن هذا الأمر دفعه إلى البحث عن معاناة الفلاح المصري عبر التاريخ، وفي علاقته بالطبيعة والملك.
ويروي أن "الشعب المصري على مرّ التاريخ عبَد كل من قدم له 'غذاءه'، إذ عبَد النيل والشمس والفرعون باعتبارهم المسؤول الأول عن رعاية النهر والقادر دون غيره على تنظيم الري"، ويوضح الباحث المصري أن نهر النيل مارس على الشعب أسوأ أشكال العبودية، لدرجة أن الشعب تعامل مع النيل كأنه كائن حي، يأكل ويحكم ويتزوج النساء، فكان يقول مخاطبا الفلاح "أعطني أرضك وجهدك، أعطك مياهي"، ويقول إن "الفلاح كان يحرث الأرض في النهار ويسقيها في الليل، وكأن العمل بالأرض والفلاحة صلاة يقضيها الفلاح في كل صباح ومساء".

الفلاح إذا ثار على الظلم لم يفرّق بين معبد لآلهة أو ديوان حكومة

ويضيف المفكر صلاح هاشم في سرد لوقائع تاريخية بشأن العلاقة مع النيل حيث كان هناك اعتقاد بأن "حين كانت تتوق نفس النهر للنساء يجف ولا يجري ماؤه، إلا إذا قدم الفلاحون له أجمل الفتيات"، واستمرت تلك العادة حتى الحكم الإسلامي، حيث تمرد المسلمون عليها واستبدلوها بالصلاة من أجل الماء، حتى خاطب خليفة المسلمين عمر بن الخطاب النيل حين جف برسالة رسمية قال له فيها "يا نيل إن كنت تجري من عندك فلا حاجة لنا بك"، ويروي أنه إذا عمت المجاعات، كان الفلاحون يتولون تدبير المؤن. وكان الفلاح يذهب إلى الحكام والنبلاء ويحدثهم بالقول "انتظروا.. سوف ابتعد عن داري من أجلكم، حتى أعود إليكم بالطعام".

ويقول إنه "حين شعر الفلاح بغبر السلطة وقهر الحاشية واستغلال النبلاء، فقد أنجب الفلاح الفصيح، الذي عارض الملك وقال له "أيها الملك.. إنك لص.. تحكم البلاد بجهل الفلاحين"، ويضيف أنه في حالات أخرى "حين استعلى الملك الإله على وجيعتهم، تمردوا عليه، ومارسوا ضده أسوأ أشكال التجويع السياسي، وأكدوا أنه لا سلطان لمن في السماء على الأرض، وأن الأرض لم يحرثها".

ويوضح الكاتب هاشم أن "الفلاح إذا ثار على الظلم لم يفرّق بين معبد لآلهة أو ديوان حكومة أو قصر لغني"، وأنه في حال "استوعب الحكام ثورته، عاد إلى الحقل ليزرع الأرض ويبني الوطن ويؤسس لعلاقة جديدة بين الفلاح والحاكم، قوامها الحقوق والواجبات، وأن الحاكم مسؤول عن حماية النهر، فإذا ما فرّط فيه أو أهمله فقد شل ذراع الأمة الفتية وقيّدها في الأغلال".

ويرى أن مسألة استعباد الفلاح لم تكن مرهونة بحياة الملك، حيث كانت هناك قوانين تحرّم على الفلاح أن يذبح البقرة العفية السليمة التي تحرث الأرض.

ويقول إن "الملوك والنبلاء كانوا يحرصون على استنزاف قوت الفلاحين حتى وهم موتى"، وكان هؤلاء يكتبون على مقابر الفلاحين "أيها الأحياء فوق الأرض، يا من تمرون بهذا الضريح، هل تحبون أن يرضى عنكم مليككم وأن تكونوا من المقربين من الإله العظيم، قدموا ألف رغيف وألف قدر من جعة للمقرب، يقصدون أقرباء الملك".

ويضيف "يبدو أن هذه الدعوة قد استمرت إلى الآن، فلا يزال جوعى الفلاحين يذهبون إلى مقابر موتاهم بـ'أرغفة' العيش الطازجة، وأجود أنواع الفاكهة، بينما يذهب أهالي المدن إلى المقابر ببعض من أغصان الأشجار وفي أحسن حالاتهم كانوا يذهبون إلى مقابرهم بـ'باقة ورد'.

جدير بالذكر، أن الدكتور صلاح هاشم، صدر له أكثر من 17 مؤلف بدور نشر محلية ودولية، ومن أهم إصدارته: "العدالة والمجتمع المدنى"، "التنمية والجريمة المعولمة"، "الحاكم الإله والشعب العابد"، "الحماية الاجتماعية للفقراء"، "العدالة والحق في التنمية"، "ثورات الجياع" "قراءة سوسيولوجية في تاريخ مصر"، "الفقراء الجدد: سوسيولوجية القهر والحيلة"ن "نبض الخاطر".