قطوس يتابع الحالة الشعرية للشام والعراق في المشهد الثقافي العالمي

نمو ملحوظ في ترجمة الشعر العربي الحديث إلى عدد من اللغات الأجنبية إذا قارناها بفترة الستينيات والسعبينيات، وبخاصة في ظل نشاط فردي ومؤسسي.
صعوبة حصر كل ما ترجم من الشعر العربي الحديث إلى اللغات الحية
ترجمة الشعر محاولة عقيمة تماما مثل نقل زهرة بنفسج من تربة أنبتتها إلى زهرية
ظاهرة الترجمة الرديئة تعد من أكبر المشكلات التي تواجه الشعر نظرا لصعوبة ترجمته

على العكس مما لاحظه د. يوسف محمود عليمات بخصوص تراجع عملية ترجمة الشعر العربي إلى لغات مغايرة في عام 2018 مقارنة بأعوام سابقة، يرى الباحث د. بسام موسى قطوس أن هناك نموا ملحوظا في ترجمة الشعر العربي الحديث إلى عدد من اللغات الأجنبية إذا قارناها بفترة الستينيات والسعبينيات، وبخاصة في ظل نشاط فردي ومؤسسي. الأول قام به عدد المترجمين لعدد من الأنطولوجيات الشعرية، والثاني تمثَّل في نشاط عدد من المؤسسات العربية والعالمية.
ويبدو أن اختلاف النظرة نابع من أن عليمات قصر بحثه على شعراء الشام والعراق خلال عام 2018 في حين أن قطوس وسّع مجال بحثه ليشمل الشعر العربي المترجم في معظم أنحاء الوطن العربي، والدليل على ذلك أن قطوس يتحدث عن جوائز للترجمة خارج العراق والشام، مثل جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وجائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للترجمة الأدبية من العربية إلى الإنجليزية، وجائزة سيف غباش بانيبال للترجمة الأدبية من العربية إلى الإنجليزية، ومركز عيسى الثقافي، وغيرها، وكما نرى فهي جوائز غير مخصصة لترجمة الشعر فقط، وإنما تشمل الترجمة بوجه عام.
ويبدو أن هدف د. بسام موسى قطوس في بحثه المنشور في تقرير حالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 هو الوقوف على حالة الشعر العربي المترجم إلى اللغات العالمية الحية، وليس فقط حالة هذا الشعر في الشام والعراق، مع الاستفادة قطعا من تجارب أدباء الشام الذين يعتبرون "ملوك التسويق لأدبهم" مع الأخذ في الاعتبار أن الشعر يفقد الكثير عند ترجمته، مهما تكن ترجمته متقنة، وهي "محاولة عقيمة تماما مثل نقل زهرة بنفسج من تربة أنبتتها إلى زهرية"، على حد قول الشاعر الإنجليزي شيلي.

المختارات تعبر في جوهرها عن موقف نقدي باعتبار أن الاختيار ضرب من النقد غير المعلل
 

ويشير الباحث قطوس إلى أن دور النشر الفرنسية ترجمت حتى عام 1999 أكثر من سبعين كتابا عربيا حديثا، وحظيت الرواية بنصيب الأسد من هذه الإصدارات، منوها إلى أن المسألة ليست مؤامرة على الشعر بقدر ما هي ظاهرة أفرزتها الحياة الاجتماعية، لارتباط الرواية بالواقع الجديد.
وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة فإن قطوس يعترف بصعوبة حصر كل ما تُرجم من الشعر العربي الحديث إلى اللغات الحية، وعليه فإنه سيشير فقط إلى بعض تلك الجهود من خلال رافدين بارزين هما: الأنطولوجيات، والمختارات.
وفي مجال الأنطولوجيات تبرز أنطولوجيا عبدالقادر الجنابي "أنطولوجيا الشعر العربي الحديث مترجمة إلى الفرنسية" حيث ترجم لـ 92 شاعرا عربيا معاصرا، ويرى الجنابي أن هذه الأنطولوجيا تعد بمثابة "مانفيستو" للحركة الشعرية المعاصرة في الوطن العربي.
وهناك "أنطولوجيا صالح دياب (الشعر السوري المعاصر) وصدرت عام 2018 وتضم 27 شاعرا يمثلون عديد الأجيال والتيارات والاتجاهات التي تتوزعها خريطة الشعر في سوريا، ومما يأخذه بسام قطوس على تلك الأنطولوجيا، غياب النساء الشواعر عدا سنية صالح التي مثلها المترجم بصفحتين من الكتاب، وتجاوزها سوريا إلى العالم العربي كله، فأفقها عربي بامتياز، رغم عنوانها الذي قصرته على الشعر السوري المعاصر، ويرى المترجم – في حوار معه حول الأنطولوجيا - أنه ليس هناك شعر سوري له خصوصية جمالية تجعله يتميز عن الشعر المكتوب في البلدان المجاورة. وأن صدور أنطولوجيا عن الشعر المكتوب في سوريا هو حدث شعري عربي، وليس شأنا سوريا فحسب.
ويتوقف الباحث عند أنطولوجيا نتالي حنظل "شعر النساء العربيات: أنطولوجيا معاصرة"، وتضم أكثر من مائتي قصيدة لثلاث وثمانين شاعرة قامت بترجمتها إلى الإنجليزية  الشاعرة نتالي، وهي فلسطينية الأصل أميركية الجنسية، وتشمل الأنطولوجيا جميع البلدان العربية باستثناء السودان وعُمان، مع  أغلبية لأسماء الشاعرات الفلسطينيات واللبنانيات (40 من 83).
أما أنطولوجيا السوري الراحل رينيه خوام إلى الفرنسية، فهي تضم مختارات من الشعر العربي بدءا من العصر الجاهلي وانتهاء بالشعر الحديث. وهناك أنطولوجيا سلمى الخضراء الجيوسي "الشعر العربي الحديث" ضمن مشروع بروتا لترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية. وأنطولوجيا منير مزيد "أنطولوجيا الشعر المعاصر" تحت عنوان "قلائد الذهب الشعرية" واحتوت على 420 قصيدة شعرية من العالم العربي ومن أجيال متعددة ومشارب ثقافية مختلفة، وصدرت بثلاث لغات: العربية (الأصل) والإنجليزية والرومانية، عن مؤسسة آرت جيت للثقافة وحوار الحضارات.
أما عن أنطولوجيا عبدالهادي سعدون "على شواطئ نهر دجلة" إلى اللغة الإسبانية، فتضم ترجمة لقصائد أربعة وخمسين شاعرا (عراقيا) معاصرا من أجيال مختلفة بدءا من جيل الرواد إلى آخر اسم من شعراء نهاية القرن. وقال السعدون في مقدمة كتابه: "إن الأنطولوجيا جاءت لغرض تعريف وتوظيف هذه المساحة لإعطاء صورة واسعة عن الزخم الشعري وتعدد اتجاهاته في الشعرية العراقية المعاصرة".
وهناك موقع "الندوة العربية" الذي ضم مشروع ترجمة "أنطولوجيا الشعر العربي الحديث إلى الإنجليزية والصينية" في كتاب يضم مائة وخمسين قصيدة لأربعة وخمسين شاعرا وشاعرة يمثلون جميع التيارات، بلغ حجمه 400 صفحة، وهو بذلك يعد أكبر ديوان شعر عربي مترجم للغتين الإنجليزية والصينية.
أما عن ترجمة الشعر العربي إلى الإسبانية، فقد ترجمت نادية جمال الدين منتخبات من شعراء لبنان ومصر والأردن إلى الإسبانية.
ويشير الباحث إلى أن ظاهرة الترجمة الرديئة تعد من أكبر المشكلات التي تواجه الشعر نظرا لصعوبة ترجمته. ويوضح أن مجلة "المنارة" الإسبانية التي أسسها مونتابيث وصدر عددها الأول 1970 لعبت دورا مهما في التعريف بالأدب العربي الحديث. وأن المستعرب الإسباني فيديريكو أربوس أسهم بترجمة ثمانية دواوين لعبدالوهاب البياتي، وديوانين لأدونيس.  

The case of Arabic poetry

وهناك أنطولوجيا جمانة حداد بعنوان "أنطولوجيا الشعر اللبناني الحديث بالإسبانية" وعنوانها "هناك حيث يشتعل النهر"، وضمت ثمانية وثلاثين شاعرا لبنانيا بدءا من الرواد وانتهاء بجيل الشباب، بواقع أربعة نصوص لكل شاعر.
أما أنطولوجيا شتيفان فايدنر "الشعر العربي المعاصر بالألمانية" فقد ترجمت لستة وثلاثين شاعرا ووقعت في 296 صفحة، وهي الثانية بعد الأنطولوجيا الموسّعة التي حررها الشاعر العراقي خالد المعالي التي ترجمت لأكثر من ثمانين شاعرا.
وبالإضافة إلى ما سبق هناك أنطولوجيا كورنيليا تسيرات "الشاعرات اللبنانيات إلى الألمانية" واقتصرت على الشاعرات اللبنانيات فقط، وجاءت بعنوان "العالم في عيوننا" ترجمة وإعداد كورنيليا تسيرات وسرجون كرم، وترجمت لـ سبع وثلاثين شاعرة بواقع قصيدتين لكل شاعرة. 
وهناك أنطولوجيا الشعر الآسيوي والشرق أوسطي بالإنجليزية، وقد جمع نصوصها وحررها الشاعرة الأميركية التايوانية الأصل تينا تشانغ، والكاتب الأميركي الهندي الأصل رافي شنكر، والشاعرة الأميركية الفلسطينية الأصل نتالي حنظل، وقد ترجمت لـ تسعة وثمانين شاعرا عربيا.
ويشير بسام قطوس إلى أنه ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية عن دار نورتون الشهيرة أنطولوجيا بعنوان "لغة من أجل قرن جديد: الشعر المعاصر في الشرق الأوسط وآسيا وما وراءهما 2008" وضمت ترجمة لأربعمائة شاعر وشاعرة من تسعة وخمسين بلدا، يكتبون بأربعين لغة مختلفة، ووصفتها نادين غوردمير (الفائزة بجائزة نوبل للآداب) بـ "مكتبة استثنائية في مجلد واحد".
ثم ينتقل الباحث د. بسام قطوس إلى المختارات التي تعبر في جوهرها عن موقف نقدي باعتبار أن الاختيار ضرب من النقد غير المعلل، وقد رصد عددا من المختارات التي أعدها عدد من الباحثين والمترجمين، وتختلف من مترجم إلى آخر حسب معرفته وذوقه واتجاهه، وقد ترجمت الألمانية إنماري شيمد قصائد ومقطوعات شعرية لرواد الشعر العربي الحديث، ثمانية وستين نصا شعريا حملت اسم "مختارات من الشعر العربي الحديث"، كما ترجم خالد مطاوع مختارات من درويش للإنجليزية، وترجم لأدونيس قصائد مختارة. وهناك مختارات من الشعر الفلسطيني بالإنجليزية ترجمة شهاب غانم، وغيرها.
ويوضح الباحث أن من أبرز الأسماء الشعرية العربية في الشام والعراق التي تُرجم لها في أكثر من لغة: أدونيس، ومحمود درويش، وعبدالوهاب البياتي، وسعدي يوسف، وعزالدين المناصرة، وغسان زقطان، وجولان حاجي (شاعر ومترجم سوري مقيم في فرنسا)، وغياث المدهون (شاعر فلسطيني ولد في مخيم اليرموك ويعيش في ستوكهولم) ونوري الجراح (شاعر سوري يعيش في لندن) وجليل حيدر (شاعر عراقي يعيش في السويد)، مشيرا إلى بعض مظاهر المدح والتقريظ مثل نعت أدونيس بأنه "الشاعر العربي الوحيد العالمي"، ونعت عزالدين المناصرة بأنه "شاعر عالمي بكل المقاييس"، ومنير مزيد بأنه "أسطورة حية في تاريخنا المعاصر". ومولد درويش الشعري الحقيقي كان في باريس، وأنه "أهم شاعر عربي في عصرنا".
ولا يغادر بسام قطوس بحثه الذي جاء في أكثر من أربعين صفحة، قبل أن يترك بعض التوصيات، ومنها: بناء قاعدة علمية للترجمة، وإنشاء قاعدة بيانات شاملة ودقيقة تبين ما تم إنجازه من ترجمة سنويا، وما هو مطلوب ترجمته، وزيادة عدد المؤسسات العربية التي توجه اهتماماتها لترجمة الشعر العربي الحديث إلى اللغات العالمية، وتفعيل دور المراكز الثقافية العربية في الدول الأوروبية، ودعم دور النشر الأجنبية التي تهتم بنشر الأدب العربي شعره ونثره، وتوثيق ما يترجم من الشعر العربي إلى اللغات الأخرى، وتوفير الإحصائيات عن واقع الترجمة الحقيقي في العالم العربي، ومأسسة الترجمة، وبناء شراكات متينة بين الناشر العربي مع نظيره الغربي، وحث طلبة الدراسات العليا في الجامعات العربية وتوجيههم إلى الاتجاه لدراسات منهجية تعنى بتلقي الآخر لشعرنا العربي الحديث، وكيف يتفاعل معه.