قميص يوسف المَقدود

كلمتان قرآنيتان ارتبطتا أشد الارتباط بقصة النبي يوسف عليه السلام من خلال عبارة 'قميصٌه قُدّ'.

هناك كلمتان قرآنيتان ارتبطتا أشد الارتباط بقصة النبي يوسف عليه السلام، وهما:  القميص الذي قُد (قميصٌ وقُدّ).

وقد اختلف العلماء في أصل كلمة "القميص"، فمنهم من قال إنها فارسية الأصل، ومن قال إنها عربية الأصل، ومن قال إنها لاتينية، ومن قال إن أصلها يرجع إلى اللغات الهندأوروبية.

ونحن في إبحارنا إلى كلمة "قميص"، نتذكر بيتين لطرفة بن العبد في معلقته الدالية يقول فيهما:

كَأَنَّ عُلوبَ النِسعِ في دَأَياتِها ** مَوارِدُ مِن خَلقاءَ في ظَهرِ قَردَدِ

تَلاقى وَأَحياناً تَبينُ كَأَنَّها ** بَنائِقُ غُرٌّ في قَميصٍ مُقَدَّدِ

وكذلك بيت البحتري الذي يقول فيه:

وَلَيسَ العُلا دُرّاعَة وَرِداؤُها ** وَلا جُبَّةٌ مَوشِيَّةٌ وَقَميصُها

وعموما فإن القميص هو الثوب الذي يُغطي الجزء الأعلى من جسم الرجل. والقميص في اللغة مشتق من الفعل قمَّص (بتشديد الميم)، وهو أي القميص يُجمع على أقمصة وقمص وقمصان. وهو ما يُلبس على الجلد.

وفي تعريف آخر هو لباس رقيق يُرتدَى تحت السترة غالبا. ومن مشتقات هذا اللفظ، تقمَّص أي لبس العز، أي لبس ذلك كما يلبس القميص.

ويُقال على سبيل الاستعارة: تقمَّص الولاية أو الإمارة، وتقمَّص لباس العز، أي لبس ذلك، كما يلبس القميص. ويقال: هتك الخوفُ قميصَ قلبِه، أي حجابه أو غلافه.

وقَمَصَ (بفتح الميم) البحرُ بالسفينة، أي حرّكها بأمواجه كأنها تقمص، أو حرَّكها حتى كأنَّها بعيرٌ يركض. وقمَصَ (بالفتح) البعير أي وثبَ ونَفَر. والقموص هي الدابَّة التي تقمصُ صاحبها. ويُقال فلانٌ قموصُ الحنجرة أي كذَّاب، وقمَصَه أي ألبسه القميص، وقمَصَ الثوب أي قَطعَ منه قميصًا. ومن المجاز قَمَصَه الله وشي الخلافة.

ومن التعبيرات الشائعة الآن قولهم: ياقةُ القميص، وهي كلمة دخيلة يُراد بها ما تُربط به رقبة القميص، ويعرف باسم ربطة الرقبة (الكرافات). ويقول معجم الأخطاء الشائعة للعدناني إن مجمع دار العلوم سمَّاها في الجدول رقم 120 ب: زيق القميص. ويجوز أن يطلق عليها اسم أربة الرقية، لأن الأربة هي العُقدة التي لا تنحل حتى تُحل.

ويلاحظ أن سورة يوسف هي السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي وردت فيها كلمة "القميص"، وقد وردت هذه الكلمة في الآيات التالية:

﴿وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ (18).

﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ﴾ (25).

﴿إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (26).

﴿وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (27).

﴿فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾(28).

﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي﴾ (93).

أما لفظة "قُد" التي ارتبطت أشد الارتباط بقميص يوسف عليه السلام، فهي لم ترد في القرآن إلا مرتبطة بهذا القميص الشهير، كما يُلاحظ في الآيات السابقة.

وقُدَّ – في اللغة – أي قطع. قّدَّ الشيءَ أي قطعه، وقَدَّ المسافرُ الفلاةَ (الصحراء) أي قطعها، وقّدَّ الكلامَ قطعه. وقد تعني أيضا إصابة القداد.

الفعل (قَدَد) يحمل المعنى نفسه تقريبًا. فيُقال قدَدَ الشيءَ بمعنى قطعه مستأصلا، وقدَدَ اللحم جعله قطعا مستأصلا، وقدد اللحم جعله قطعا وجفّفه. وتقدَّد أي تشقَّق. وتقدَّد الشيء أي جفَّ ويبس، وتقدَّدَ الثوب بمعنى تقطَّع وبلى. وتقدَّد القومُ تفرقوا أو صاروا فرقًا مختلفة الأهواء والآراء.

أما الفعل "اقتدَّ" فمعناه قّدَّ، واقتدَّ الشيءَ أي انشق. كما أن هناك الفعل استقدَّ بمعنى: استمر.

والقداد في عالم الحيوان هو اليربوع أو القنفذ.

ومن الأمثال السائرة عند العرب "قدَّ سيوره من أديمك" وهو مثل يضرب للشيئين يستويان في الشبه.

ومن الأسماء العربية التي تبدأ بحرف القاف المضموم والدال: قُدامة بن جعفر (873 - 948) وهو كاتب من البلغاء الفصحاء من أهل بغداد، برع في علم المنطق. ومن مؤلفاته: الخراج ونقد الشعر ونقد النثر وجواهر الألفاظ. وأيضا القُدْس الفلسطينية وغيرها.