كتاب ونقاد يستعرضون آفاق "الساخر العظيم"

رواية أمجد توفيق شغلت اهتمام كبار نقاد الرواية والضليعين بتقنياتها وأنواع مختلفة من أنماط السرد التي استخدمها الكاتب في روايته التي صدرت قبل أكثر من عام.
الروائي جمع في هذا المطبوع جميع المقالات التي كتبت عن روايته
الساخر العظيم لا يأبه بإعلان برنامجه أو خط رحلته  أو زمنها

شغلت رواية "الساخر العظيم" للروائي والكاتب والإعلامي القدير أمجد توفيق، اهتمام كبار نقاد الرواية والضليعين بتقنياتها وأنواع مختلفة من أنماط السرد التي استخدمها في روايته التي صدرت قبل أكثر من عام، مثلما شغلت اهتمام من لديهم ولع بهذا الفن الأدبي الساحر والمحبب إلى القلوب، وعدَّ كثيرون صدورها إطلالة حفرت مكانا لائقا لها بين كبريات الروايات التي صدرت عن روائيين كبار، كانوا عمالقة، وهي تجد الإهتمام من ملايين القراء والمتابعين لهذا الفن الادبي الإبداعي الجميل.
رواية "الساخر العظيم" لأمجد توفيق صدرت العام الماضي، كما عرضتها في الكثير من المواقع الاخبارية والصحف والمجلات الثقافية تقع في ٦٦٢ صفحة، وصدرت عن إحدى دور النشر العربية من عمّان، ونالت - ولا تزال - ثناء وإعجاب كل الأوسط الثقافية والأدبية والإعلامية ، وعدتها "إنتقالة نوعية بارزة" في عالم الرواية وتقنياتها، لما احتوته من مضامين وقيم جمالية ووطنية وإنسانية، وكتب عنها النقاد والإعلاميون الكثير من الدراسات التي أشادت بمضامين الرواية ومنهجها الإبداعي والجمالي والقيمي الكبير.
وقد عبرت النخب الثقافية والإعلامية، خلال احتفالية تكريم أمجد توفيق في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين العام الماضي، وحضرها كبار النقاد والمهتمين بشؤون الرواية والأدب والثقافة بمختلف مسمياتهم وعناوينهم، عبروا فيها عن فخرهم وفرحهم بولادة هذا المنجز الأدبي والروائي الكبير، في حجمه ومضامينه، وعدوه بأنه يبشر بولادة عصر إنطلاقة واعدة للثقافة العراقية، برغم كل ما تعرضت له من السلطة من تدمير وإبعاد لدور المثقفين، بل وتحطيم ركائز الثقافة والإبداع، من وجهة نظر مثقفين وفنانين ونقاد وكتاب رفيعي المستوى، حتى أصابت الوعي العراقي وعقله الإبداعي بأضرار بالغة، وعرضته لمخاطر كثيرة، أبرزها فقدان الهوية الوطنية والإنسانية وسيادة أجواء التسلط، بل وعدت السلطة النخب الثقافية على أنها (خصم) ينبغي توجيه السهام إلى قلبه النابض بالحياة كي تتوقف عجلة الإبداع، ولكي لا يشارك المثقفون في صنع مستقبل بلدهم، وليبقى الساسة هم من يسيطرون على جموع الجهلة والأميين، بهدف إشاعة أنماط التخلف والانحاط الفكري والقيمي، ولينزوي المثفقون وكل المبدعين جانبا، ويبقى الساسة هم المتربعون ومن يمسكون بمقود السيطرة على عقول البشر والعمل على ترويضهم وإستباحة كرامتهم.
والكتاب الحالي "رحلة مع الساخر العظيم" هو عرض لما سطره 28 كاتبا وناقدا ومن نخب ثقافية مختلفة، عرضوا الكثير من رؤاهم عن رواية الساخر العظيم، وقد جمع الروائي في هذا المطبوع الأنيق جميع تلك المقالات في كتاب جديد، يتألف من 230 صفحة من القطع المتوسط ومن تصميم المبدع  الشاب نهار حسب الله.

"من حق الروائي أمجد توفيق أن يصف زمنه بالطريقة التي يراها: ساخرا عظيما أو ديكتاتورا جبارا أو سلطة غاشمة أو ديمقراطية أو امرأة جميلة أو شخصية من قاع المجتمع

يقول أمجد توفيق في مقدمة كتابه: "لأن الساخر العظيم لا يأبه بإعلان برنامجه أو خط رحلته  أو زمنها، لا يدري أحد لم أُخفي التقنيات الحديثة  لسفينته لصالح أشرعة تحمل خرائط ووشوما توهم كل من يراها بتاريخ مغرق بالعفن واللاجدوى" ثم يضيف "الساخر العظيم مخلص لمتعته، لا يهمه أن يتأمل انكسار شعاع من الشمس على وجه حبيبين في قُبلة لأم ظلال نصل غادر يتوجه إلى قلب إنسان".
وقد كان للكاتب والشاعر والسفير السابق أرشد توفيق في مقدمة الكتاب، مداخلة عن تلك الرواية بقوله: "إذا كانت الخمرة زمن العنقود فإن زمنا آخر تكسرت عقارب ساعته ليصبح كاللعنة يسخر منا ونسخر منه، لأنه لا يعني نموا أو خطوات إلى الأمام، وإنما يعني في أبسط معنى له تدمير قواعد الحياة كلها، والوقوف على حافة مجهول لا يبعث إلا على التشاؤم".
وللشاعر والأديب والكاتب والإعلامي الكبير سامي مهدي إطلالة مهمة على تلك الرواية، حين أشار إلى "أن الرواية كتبت بلغة رصينة عالية لغة صارمة ذات حواف حادة، ولكنها مشحونة متوترة، تمتاز بالدقة في التعبير والتصوير وبالبراعة في الإيحاء وهي تبلغ مصاف الشعر في المواقف العاطفية والانسانية، وتصل حد التجريد حين تتحدث عن الأفكار والمثل الأخلاقية، وهذه لغة يندر أن تجد مثلها عن الروائيين العراقيين وقد لا تجده".
أما الكاتب والاعلامي المتألق حسن عبدالحميد فقد أشار في مقال مطول عن تلك الرواية "الساخر العظيم" وتحت عنوان: "الزمن وتوريقاته في رواية الساخر العظيم" ما يلي: "لقد اترعت مهارات العرض وزواهي السرد بلوامع خيط الشمس حتى أفضت لتشكل عمق الشخصيات أو جلال الأمكنة وجلل المواقف وحلكتها في تقليب الوثائق وإعادة قراءة المخطوطات على نحو تحديثي لوقائع وأحداث تاريخية وطنية جرت أحداثها في عالم ماض قريب جدا من عالم اليوم".
اما الأديب والناقد حميد الحريزي فقد أشار في معرض رؤيته عن تلك الرواية: "يشترك الروائي أمجد توفيق مع الزمن يرافقه وهو يشهد التحولات العراقية للحكام والأفراد والمدن والعقائد في روايته لشهادات الساخر العظيم وهو يرصد الحياة بعين المراقب والروائي الفطن الحساس مدركا أن نهر الحياة دائم الجريان والتغيير إذا سكن أو توقف أصابه الركود والعفن فلا حياة إلا بالحركة المرئية والحركة الداخلية المستترة".
وللشاعر والإعلامي الكبير حميد سعيد رؤيته القيمة لرواية "الساخر العظيم" فيقول: "إن رواية الساخر العظيم لم تكن محاصرة بموضوعها على أهميته وما يحتمل من غنى في أطروحاته بل تعددت فضاءاتها التاريخية والاجتماعية ومنحت القاريء وقفات كثيرة  للتأمل والتفكير والحوار والنقد بل لقد انتظم النص في سلسلة من مواقف نقد الواقع في العراق".
أما الكاتب والاعلامي المبدع د. علي خيون فأوضح رؤيته لتلك الرواية بقوله: "في هذه الرواية إبداع خيال الروائي في صنع عوالمه، حتى لكأننا نتوهم أن ما جرى قد جرى حقا وهو أمر يحسب لبراعة الكاتب وسيطرته على أدواته الفنية الذي رسم بقلمه المبدع نافذة مشرعة على حيوات نابضة بالمواقف تكشف لنا عن الصامدين من العراقيين الأنقياء أصحاب الكلمة والمبدأ، في مقابل من انتهز الفرصة لمغنم عاجل أو منصب زائل غارق في الفساد".
في حين يرى الناقد والأديب الكبير مؤيد البصام عن الروائي أمجد توفيق رؤية الساخر العظيم ووصفه لطريقة السرد: "بني تركيب الهيكل العام للرواية على شكل تركيب هرمي توضع الجزاء للحكايتين متقابلة لتلتحم في النهاية وتشكل رأس الهرم، وعلى الرغم من انقسام الرواية إلى حكايتين إلا أنه استطاع السيطرة على حركة الشخصيات وضبط إيقاعها حتى الثانوية منها وجرنا إلى المفارقة بأن الحقيقة والتاريخ كعنصرين افتراضيين وليس هناك قدسية لا يمكن لأن تمس هذين الافتراضين".
وللكاتب والإعلامي المبدع عبدالحسين صنكور رؤية تكاد تكون الأكثر توغلا في عمق الرواية وما عرضته من مواقف وأسلوب سرد ممتع وطرئق فنية مبدعة في العمل الروائي فأشار: "من حق الروائي أمجد توفيق أن يصف زمنه بالطريقة التي يراها: ساخرا عظيما أو ديكتاتورا جبارا أو سلطة غاشمة أو ديمقراطية أو امرأة جميلة أو شخصية من قاع المجتمع. ونجحت رواية الساخر العظيم في النأي بنفسها عن الرواية التاريخية التوثيقية إلى حد كبير، عبر ذكاء الكاتب ولغته الإيجابية التأملية التي سعى من خلالها إلى الخلاص من التقريرية والوصفية الكلاسيكية قدر الإمكان".
أما الناقد والأديب الكبير ناطق خلوصي فله رؤيته الثاقبة هي الأخرى عن تلك الرواية حين أوضح أن: "الساخر العظيم الذي تتخذه الرواية عنوانا بما يحمله ذلك من دلالة هو الزمن إذن، والزمن هو رديف القدر، ولطالما سمعنا مقولة من سخريات القدر، لذلك فإن مقولة من سخرية الزمن تبدو من صنع الواقع المر .. فمن سخرية الزمن أن تقع الموصل عن قصد أو غير قصد ضحية تهاون المكلفين بحمايتها".
ولأن عدد من كتبوا عنها كثيرون فليس بمقدوري في هذا المقال أن ألمَّ بكل من كتب عنها من مقالات، واخترت نماذج من كتابات بعض النقاد والكتاب ضمن رؤيتهم لرواية "الساخر العظيم" في هذا الإصدار، وقد أبدعوا في عرض وجهات نظرهم، ولنا أن نفخر جميعا بصدور هذا الكتاب "رحلة مع الساخر العظيم" لمؤلفه الروائي والإعلامي أمجد توفيق، وله من كل المهتمين بالشأن الروائي والأدبي والنخب الثقافية كل محبة وتقدير، ولعمله الروائي المزيد من التألق والإبداع، وهو يشق عباب بحور الثقافة ويستقل سفنها، ويستخرج منها اللاليء والدرر، لتشكل لنا جميعا زادا ثقافيا ومعرفيا وأدبيا لاغنى له عنه، بعد أن استطاع ترويض الزمن، وتشريحه، لكل يسخر منه قبل أن يسخر الزمن من الكاتب، ويدخله في ساحة اختبار ومواجهة، تشجع المبدعين على خوض غمارها دون خوف أو وجل، في قادم الأيام.