كركوك.. الصراع الإقليمي هو المهيمن

عقدة نفط، عقدة مصالح، عقدة طرق، عقدة اثنيات.. عقدة في كل شيء. هذه كركوك وهذه ازماتها.

بقيت قضية كركوك منذ أزمان طويلة الشغل الشاغل لاهتمام الدول الكبرى ولدول الجوار العراقي ومنها تركيا وإيران على وجه التحديد.

ويعد النفط الموجود فيها أهم مرتكزات هذا الصراع، بالإضافة الى موقعها الجغرافي كونها تقع وسط منطقة الصراع التركي الايراني للنفاذ باتجاه سوريا، مرة وفي إضعاف العراق وتمزيق أوصاله مرة أخرى.

أما الأميركان والبريطانيون والغرب عموما فهم يدفعون باتجاهين متضادين. مرة يقفون مع العرب ضد هيمنة الكرد على كركوك، وفي أخرى يقفون مع الكرد ضد هيمنة العرب أو لنقل هيمنة الدولة العراقية على كركوك.

والبريطانيون هم من فتحوا عيون الكرد على كركوك، بعد ظهور انتاج نفطي كبير فيها، في السبعينات، وكانوا يهددون الحكومة العراقية بالحاق كركوك بالدولة الكردية المرتقبة ان استطاع الكرد الانفصال عن العراق.

الصراع التركي الإيراني على مناطق شمال العراق المؤدي الى سوريا هو من عقد الأزمة، وكلا الطرفين يريدان أن يكون له هيمنة، وتركيا هي من تعد كركوك إحدى مرتكزاتها التي لن تتخلى عنها في يوم من الأيام.

وهي، أي تركيا، ما زالت عينها على الموصل التي تعدها إحدى المقاطعات التي انفصلت عنها تحت الوصاية البريطانية بعد انهيار الدولة العثمانية، وكركوك هي معقل التركمان، وتجد تركيا انها مضطرة للتدخل في العراق اذا تعرض تركمانها للاعتداء أو الإزاحة.

في عهد جلال طالباني كان الثقل الاساس في كركوك للاتحاد الوطني وجماعته هم من لهم الهيمنة والثقل السياسي على مقدراتها، لكن بعد وفاة طالباني استغل مسعود بارزاني الفراغ وتفكك الاتحاد الوطني والصراع بين أجنحته للنفاذ الي كركوك وفرض وجوده.

في 2017 وفي عهد الدكتور حيدر العبادي استغل الرجل الوضع لصالحه فأعاد كركوك الي الحضن العراقي العربي.

استغلت جماعة الاتحاد تمركز جماعة مسعود بكركوك وتحالفوا مع الحكومة العراقية ضد مسعود.

زيارة اردوغان المرتقبة للعراق والخلاف بين جماعة الاتحاد وجماعة مسعود وجدت فيه تركيا فرصتها لتقوية التركمان مع دعم تحالف عربي كردي للتضييق على التواجد الكردي.

وجد العرب أن التحالف مع التركمان هو ما يستطيع ايقاف تمدد مسعود بكركوك، ولهذا فان تركيا تدفع بقوة نحو تقوية التحالف التركماني العربي كونه الوحيد الذي يحد من طموحات الاكراد بالهيمنة علي كركوك..

إيران مع توجه دعم التحالف العربي التركماني ظاهريا لكنها تدعم اذكاء الصراع في كركوك لإضعاف الدولة العراقية والكرد علي حد سواء، ويبقى همها الأساس تأمين طريقها نحو سوريا.

الأميركان الذين يسطرون على العراق والمنطقة الان ربما لن يسمحوا للصراع أن يتسع، لأن الاميركان مهتمون بالشأن السوري والهيمنة على مناطق شمال ووسط سوريا لفرض وجودهم العسكري عليها، ولا يريدون ربما فتح جبهة أخرى تشغلهم عن هذا الهدف.

إيران من جانبها تراقب تطورات الوضع، فهي وان عقدت اتفاقا مع مسعود بارزاني بشأن معارضتها في كردستان، الا انها لن تقف مكتوفة الأيدي، وستقف الى جنب حلفائها من الجماعات العراقية المؤيدة لها ممن تريد أن يكون لها الدور الفاعل في السيطرة على كركوك.

لكن روسيا تدعم توجهات مسعود بارزاني، وتريد إقامة دولة كردية لروسيا نفوذ عليها، بالرغم من علاقاتها القوية مع الحكومة العراقية، لكنها لن تضحي بعلاقاتها مع جماعة مسعود، في وقت تسعى إسرائيل لدعم فكرة انفصال الأكراد عن العراق، ومد نفوذهم في كركوك، لضمها الى دولتهم المرتقبة.

لكن مراقبين يرون ان أي تطور دراماتيكي وبخاصة اذا ما غاب مسعود بارزاني، فأنه ليس بمقدور الكرد تحقيق حلمهم، وسيعاني البارزانيون من مظاهر تفككهم وضعفهم، لعدم وجود شخصية قوية تخلفه يلتف الكرد حولها، وسيكون حلم إقامة دولة كردية بعد مسعود بارزاني أمرا بعيد المنال.

الصراع الأقليمي ربما يكون هو الحاضر الأقوى. أما الصراع الدولي فقد يحاول اطفاء نيران الأزمة الحالية، لأن أهدافه الإستراتيجية في مناطق أخرى، وبخاصة في سوريا وهم ايضا في مواجهة غير مباشرة مع إيران، ولهذا سيعمد الأميركان الى تخفيف التوتر في كركوك، لأن أي اتساع للعنف والقتال هذه الايام سيكون ليس من مصلحتهم.