كشمير على صفيح ساخن

كشمير ساحة صراع بين الهند وباكستان وليست الصراع نفسه.

ما تشهده اليوم العلاقات الهندية الباكستانية من ارتفاع واضح في من منسوب التوتر، هو انعكاس لأزمة ممتدة تعود للنصف الأول من القرن الماضي، والتي تخللتها ثلاثة حروب كبيرة في الأعوام 1947 و1965 و1971، جميعها كرست امرأ واقعا رئيسا قاعدته استمرار بؤرة التوتير بين البلدين وعدم السعي الجدي والملائم، ذلك بالنظر للعديد من الاعتبارات أبرزها واقع الأزمة الذي يشكل امرأ استراتيجيا لكلا الطرفين الهندي والباكستاني،وتداخل عوامل خارجية مؤثرة في سياقات الأزمة في مراحل اشتعالها أو إدارتها في بعض الحقبات التاريخية الممتدة.

يقع إقليم كشمير المعروف باسم جامو وكشمير في القسم الشمالي من شبه القارة الهندية، يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً على حدود الدول النووية الثلاث الصين والهند وباكستان وقرب سقف العالم، وتبلغ مساحة الإقليم حوالى 222.236 كلم مربع موزعة على الهند 48٪ وباكستان 35٪، أما الصين فتسيطر على 17٪. ويبلغ عدد السكان ما يقارب 13 مليون نسمة 10 في القسم الهندي، 3 ملايين في القسم باكستان، أما المناطق الخاضعة للسيطرة الصينية فهي جبال جليدية عالية قاحلة وغير قابلة للسكن. وهم موزعون دينياً مسلمون 10 ملايين وهندوس 2.5 مليون وسيخ 250 ألفاً وبوذيون 150 ألفاً وغيرهم 100 ألف.

وأدت أزمة كشمير إلى تغير حاد في استراتيجيات الدولتين، إذ انتهى الأمر بهما إلى سباق تسلح صاروخي باليستي ونووي ما أعطى لحالات التوتر بعدا إضافيا مخيفا بالنظر لتجاورهما مع دولتين نوويتين هما الصين وروسيا وبخاصة لما لهاتين الدولتين من مصالح متقاطعة في منطقة حيوية لكل الأطراف، لما تمتلك من موارد ومواقع جيو-استراتيجية، إضافة إلى بيئات تختزن كل عوامل التوتر والتفجير.

لقد حاولت الهند استغلال أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة عبر السعي إلى إدراج المنظمات الكشميرية، كمنظمات إرهابية سعت واشنطن للقضاء عليها وقد تعاطفت مع هذا المسعى، إلا أنها أجلت ذلك حتى الإنتهاء من الأزمة الأفغانية، ولكي لا تغضب باكستان. ومع تصاعد أعمال العنف داخل كشمير وتصاعد العمليات ضد الهند ازدادت احتمالات الصدام مجدداً بين الدولتين، إلا أن واشنطن كحليفة للطرفين ضغطت عليهما لوقف حدة الصراع، ودعتهما للتعاون معها للسيطرة على الوضع الأفغاني. كما حاولت الولايات المتحدة التركيز على بناء تفاهم استراتيجي واسع مع الهند، كجزء من سعيها لبناء مسرح جيو-ستراتيجي آسيوي، استعداداً لمواجهات محتملة مع الصين وروسيا، أو إيران. وتسعى باكستان وهي صديقة تقليدية للصين إلى منع إقامة هذا التفاهم، من خلال تعاون وثيق مع الولايات المتحدة في المسرح الأفغاني.

وما يجري اليوم من تصعيد غير مسبوق في العقدين الماضيين يعبر عن رغبة الطرفين لتغيير موازين القوى القائمة، إلا أن التدقيق في الأمر يبدو غير واقعي بالنظر لعدم وجود الظروف الإقليمية والدولية الملائمة لذلك، فمثلا إن واشنطن وموسكو مشغولتان في أزمات كبيرة في غير مكان وليس من السهل عليهما إدارة أزمات إضافية، إلا إذا كانت الأزمة الكشميرية جزءا من أزمات مع أطراف ذات صلة، علاوة على الفروق الواضحة في القوى الإستراتيجية بين الهند وباكستان كالمساحة والموارد وعدد السكان والقوى العاملة والقوى العسكرية التقليدية والنووية، إضافة إلى الناتج القومي وحجم التحالفات الإقليمية والدولية المؤثرة.

لقد تحوّل النزاع على اقليم كشمير بين الدولتين، إلى صراع ذي بعد حيوي ممتد، وتحولت كشمير إلى ساحة لهذا الصراع، وإلى مدى جيو-ستراتيجي يختزل حجم لعبة المصالح الإقليمية والدولية في التنافس على جنوب آسيا القائمة حالياً بين الهند والصين والولايات المتحدة وروسيا، كل وفق رؤاه الإستراتيجية لهذه المنطقة. فهل ستهتز صفائح كشمير وتحدث زلازل عنيفة؟ حتى الآن تبدو الظروف غير مهيأة إلا في نطاق الاستثمار التكتيكي الذي لا يستوجب افتعال حروب إقليمية واسعة المدى.