كورونا في قبضة مواقع التواصل الاجتماعي

إيهاب خليفة يؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أحد أبرز الفواعل في أزمة كورونا.
تعامل شركات مواقع التواصل الاجتماعي مع أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد جاء متأخراً بعض الشيء
شركة الفيس بوك قامت بربط منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة حول العالم بالمطورين الذين يتعاملون معها حول العالم
مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في احتواء أزمة كورونا

لعبت - ولا تزال - مواقع التواصل الاجتماعي جنبا إلى جنب المواقع والقنوات العامة والمتخصصة تأثيرا واسع النطاق في مأساة جائحة فيروس كورونا، حيث استخدمت كافة التقنيات والوسائل التكنولوجية سواء بشكل إيجابي أو سلبي، حيث بدأ الأمر بالسخرية والتنكيت والاستهزاء ومرورا بإطلاق الشائعات ونظريات المؤامرة، وانتهاء بالتحذير والنصح والارشاد، لينقلب الأمر مع تزايد الإصابات والوفيات مشاركة الدول ومن ثم إطلاق دعوات الحماية والدعم والمساندة، وفي هذا الحوار مع د.إيهاب خليفة رئيس وحدة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، نتساءل عن تأثير ودور وسائل التواصل الاجتماعي على أزمة كورونا وما ترتب على هذا التأثير.
بداية يؤكد د.إيهاب أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أحد أبرز الفواعل في أزمة كورونا، حيث كانت وسيلة أساسية للجهات الحكومية والمنظمات الدولية لنشر المعلومات والتعليمات الصحية وأيضاً وسيلة للأفراد للحصول على المعلومات حول الفيروس الذي لا يزال يتسم بالغموض حتى الآن. وقد حاولت كثير من الصفحات والمؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي نشر فيديوهات تتعلق بالفيروس الجديد، بعضها كان سلبياً للغاية يقوم بنشر تفسير تآمري حول الفيروس بهدف جذب أكبر عدد من الزوار دون النظر لأي اعتبارات إنسانية وصحية ويطلب من الأفراد عدم تصديق ما يثار حول الفيروس وعدم الالتزام بالتواجد داخل المنازل، وبعضها كان يقوم بدور إيجابي يحث الأفراد على ضرورة الالتزام بالتعليمات الصحية واتباع الإجراءات السليمة للوقاية من المرض، فتم نشر العديد من المقالات والفيديوهات التي توضح للأفراد خطورة الفيروس، وما هي الإجراءات الصحية التي يجب اتباعها للوقاية منه، وكيف يمكن التعامل في حالة اكتشاف إحدى الإصابات، وغيرها من التعليمات التي ساهمت بصورة ما في احتواء عملية انتشار الفيروس.

الإجراءات التي اتخذتها بعض المواقع للحد من المحتوى المغلوط، يمكن أن تساهم في نشر المعلومات الصحيحة حول الفيروس، ونشر الفيديوهات والمقالات التوعوية، التي تحث الأفراد على الالتزام بالتعليمات الطبية والصحية
 

ويلفت إلى أن عددا كبيرا من الصفحات والمؤثرين على مواقع التواصل استغل عدم توافر معلومات حول حقيقة الفيروس، واستغلت أيضاً ضعف الثقافة الصحية لدى كثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت في نشر عدة شائعات مثل أن الفيروس هو سلاح بيولوجي أميركي لضرب اقتصاد الصين، أو أن الصين قامت بتصنيع الفيروس في معامل خاصة لضرب اقتصاد العالم وأنها الدولة الوحيدة التي تمتلك العلاج، كما انتشرت شائعات كثيرة حول عدد المصابين والوفيات في كثير من الدول، ومن ذلك مثلا مصر، حيث بدأت كثير من الحسابات الحديث عن عدم شفافية الحكومة في نشر معلومات حول المصابين، وكذلك الأمر حيث ادعت كثير من الحسابات أن الحكومة التايوانية على سبيل المثال تخفي الأعداد الحقيقة للمرضى والوفيات، وبدأ كثير من الحسابات سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي في إساءة استغلال الأزمة ونشر الشائعات التي تضر بالاقتصاد والأمن القومي وتتسبب في زعر الأفراد وتخويفهم.
وحول كيفية تعامل شركات مواقع التواصل الاجتماعي مع أزمة كورونا، يقول د.إيهاب: جاء تعامل شركات مواقع التواصل الاجتماعي مع أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد متأخراً بعض الشيء، حيث اتجهت معظم هذه الشركات إلى تنظيم عملية تداول المحتوى الخاص بفيروس كورونا منذ النصف الثاني من شهر مارس/آذار تقريباً، أي استمرت قرابة شهرين ونصف منذ اندلاع الازمة حتى بدأت في تنظيم المحتوى.
ويشير إلى أنه نتيجة لكثرة المحتوى المغلوط والمغلف بالتفسير التآمري لانتشار الفيروس مع وجود محاولات للنصب الإلكتروني أو بيع المنتجات الطبية المغشوشة مثل أقنعة الوجه والمطهرات بأسعار مبالغ فيها، بدأت مواقع التواصل الاجتماعي في فرض عدة قيود على المحتوى المنشور حول كورونا. فمثلاً بدأت شركة الفيس بوك في حظر جميع الإعلانات المتعلقة بفيروس كورونا، سواء كان ذلك على موقع الفيس بوك أو على المنصات الاجتماعية الأخرى التي تمتلكها الشركة مثل انستغرام، كما قامت بإغلاق مجموعات الدردشة التي تشك في أنها تقوم بإرسال أخبار إلى عدد كبير من الأفراد حول كورونا. كما صرح مارك زوكربرج، المدير التنفيذي لشركة الفيس بوك، بأن الشركة سوف تقوم بمسح التعليقات التي تحتوي على تفسير تآمري أو معلومات مغلوطة، مع إضافة زر جديد خاص بالمعلومات المثارة حول كورونا ومشكوك في صحتها وهو “fact check” حتى يدرك الزوار أن هذه المعلومات تحتاج إلى مصدر للتأكد من صحتها. 
كما قامت أيضاً بعمل مبادرة لإنشاء مركز معلومات إلكتروني عبر موقعها يحتوي على المعلومات الموثوق فيها حول الفيروس والتي مصدرها بالأساس منظمة الصحة العالمية وبيانات وزارات الصحة، وعند قيام أحد الأشخاص بمحاولة البحث عن أي موضوعات تتعلق بكورونا يتم تحويله مباشرة إلى مركز المعلومات وصفحة منظمة الصحة العالمية والسلطات الصحة المحلية، كما منحت منظمة الصحة العالمية مساحة إعلانية مجانية تقوم من خلالها بوضع الإعلانات التوعوية التي تراها المنظمة مناسبة.
وفي مبادرة منها قامت شركة الفيس بوك بربط منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة حول العالم بالمطورين الذين يتعاملون معها حول العالم، بهدف تطوير نظام رد تلقائي على الماسنجر، يقوم بتوفير معلومات وإجابات مسبقة للرد التلقائي والفوري على استفسارات زوار هذه الجهات الحكومية عبر صفحاتهم على الفيس بوك.

ويضيف د.إيهاب أن موقع اليوتيوب من ناحيته، بدأ في إزالة أي محتوى أو فيديوهات تحتوي على معلومات مغلوطة، وعند البحث عن فيديوهات تتعلق بكورونا يقوم الموقع بترشيح الفيديوهات الصادرة من الجهات الرسمية والموثوقة، والتي يأتي على رأسها منظمة الصحة العالمية ووزارت الصحة، ووفرت مساحات إعلانية مجانية أيضاً للمنظمة ولوزارات الصحة والسلطات المعنية للقيام بتوعية الأفراد. كما قام موقع تويتر أيضاً بنفس الإجراءات من حذف المحتوى المغلوط وتضييق انتشار الهاشتاجات الخاصة بكورونا مع توجيه الزوار إلى صفحة منظمة الصحة العالمية.
ويكشف د.إيهاب كيف استغل قراصنة المعلومات الأزمة، يقول: أصدرت شركة الأمن السيبراني Check Point تقريراً أشارت فيه إلى أنه منذ بداية هذا العام تم إنشاء أكثر من 4000 موقع إلكتروني خاص بكورونا أو كوفيد -19، وحسب الشركة فإن 3% من هذه المواقع ضارة، و5% مواقع مثيرة للريبة والشك، حيث تعتبر بمثابة فخ للزوار، بمجرد الدخول على أحد هذه الموقع يتم إما سرقة البيانات الشخصية للزوار بهدف بيعها عبر الإنترنت، أو اختراق الأجهزة الشخصية الخاصة بهم، كما حذرت منظمة الصحة العالمية من وجود إيميلات تستهدف الإيطاليين بها عدد من الأدوية التي يزعم أنها تستخدم لعلاج كورونا، لكنها تحتوي على ملفات ضارة، بمجرد تحمليها على جهاز الكمبيوتر يتم اختراق.
ويرى د.إيهاب أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في احتواء أزمة كورونا، ويضيف "إذا تم استغلال مواقع التواصل الاجتماعي بشكل صحيح يمكن أن تساهم بفاعلية في احتواء الأزمة، فشبكات التواصل حالياً، في ظل فرض الحجر الصحي الاحتياطي أو حظر التجوال في العديد من دول العالم، أصبحت هي المتنفس الرئيسي لجميع الأفراد حول العالم، سواء لأجراء مقابلات أو محادثات افتراضية وآمنة، أو لتبادل المعلومات والأفكار ومشاركة قصص النجاح والتغلب على المرض، وبالتالي تساهم مواقع التواصل بصورة ما في تحسين المزاج العام أو الحالة النفسية للأفراد، وتعتبر وسيلة من وسائل المتعة والترفيه لهم في ظل حالة الاكتئاب العام التي تمر بها مختلف دول العالم. 
ومن ناحية أخرى، مع الإجراءات التي اتخذتها هذه المواقع للحد من المحتوى المغلوط، يمكن أن تساهم في نشر المعلومات الصحيحة حول الفيروس، ونشر الفيديوهات والمقالات التوعوية، التي تحث الأفراد على الالتزام بالتعليمات الطبية والصحية، وكما أنها تعتبر وسيلة من وسائل التعلم والعمل عن بعد، التي تسهل حياة الافراد ولو نسبياً أثناء توقف كافة أشكال الحياة عن العمل.